أثار تنصيب المجلس الأعلى المؤقت للقضاء في تونس، ردود فعل متباينة بين مناصري الرئيس التونسي قيس سعيد وبين من يعارضون ذلك بشدة، واصفين الخطوة بأنها انتكاسة للعدالة واستكمال للتفرد بالسلطات.
ووصف سعيد تعيين مجلس القضاء المؤقت، أمس الإثنين، خلال موكب أداء أعضاء المجالس لليمين أمامه في قصر الرئاسة، بـ''اللحظة التاريخية بكل المقاييس''، مشدّدا على أنّه سيعمل على "تحقيق الاستقلال الفعلي للقضاء".
وأكّد سعيد أنه سيخوص مع المجلس الوقتي للقضاء ما اعتبرها ''حربا بلا هوادة، ضد الفاسدين والمفسدين الذين أرادوا التسلّل الى قصور العدالة وضدّ كل من يريد إسقاط الدولة والتنكيل بالشعب في معاشه وقوته''.
واعتبر معارضو سعيد أنه استكمل بالأمس وضع يده على السلطة القضائية، والتفرد بجميع السلطات، واصفين الخطوة بالخطيرة والانتكاسة لمنظومة العدالة في البلاد.
وقال القيادي في تنفيذية حراك "مواطنون ضد الانقلاب"، الأمين البوعزيزي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تنصيب المجلس المؤقت للقضاء هو بمثابة إعلان المنقلب اغتصاب السلطة القضائية واستكمال وضع اليد على كامل السلطات".
وشدد على أن "سعيد استكمل بالأمس ما عجز عن تحقيقه ليلة الانقلاب بإعلانه وقتها مسكه النيابة العمومية، وهو ما رفضه مجلس القضاء الشرعي والهياكل القضائية".
وأضاف أن سعيد "اغتصب مؤسسة منتخبة وعيّن مؤسسة محلها، في ظل نظام الانقلاب.. ولا أعتقد بذلك أننا ذاهبون إلى قضاء معافى، فصحيح أن القضاء يعاني صعوبات ومشاكل ولم يتعاف خلال العشرية الماضية، ولكنه يتلمس طريقه من خلال التنوع المؤسساتي من جمعيات قضائية ونقابات تؤسس للتعافي والإصلاح".
واستدرك أن "دوس سعيد على كل هذه المؤسسات والجمعيات والمنظمات يشي بأنه بصدد تحويل المؤسسات إلى إمارة تعمل تحت إمرته".
واعتبر القيادي بحركة الشعب (حزب مساند لسعيد) بدر الدين القمودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "بالعودة إلى مرحلة ما قبل حل المجلس الأعلى للقضاء، كانت هناك محاولات عديدة وضغوطات من رئيس الجمهورية لتحقيق إصلاح المرفق القضائي من داخله، وجميعنا تمنينا ذلك وأن يكون الإصلاح من داخل الجسم القضائي".
واستدرك قائلا "لكن على امتداد أشهر ورغم تكرر المحاولات تعذر ذلك، وكان قرار رئيس الجمهورية في إحداث المجلس المؤقت للقضاء الذي نعتبره مشروعا لاعتبار إمكانية إصلاح هذا الجهاز من الداخل وعدم تفاعل كبار القضاة مع هذا المطلب".
وتابع القمودي "باركنا الإعلان عن بعث هذا المجلس المؤقت لسبب بسيط؛ وهو أن يشرع هذا المرفق في الاشتغال من أجل تحقيق العدالة التي في غيابها تعثرت المحاسبة وتعطل استرجاع حقوق الناس".
من جانبه، اعتبر القيادي في ائتلاف الكرامة زياد الهاشمي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "تسمية المجلس المؤقت للقضاء العدلي هي بمثابة إعلان رسمي لإفلاس الدولة التونسية من طرف قائد الانقلاب، لأنه في زيارته الأخيرة لبروكسل وقع تقريعه لدرجة أنه لم يخف هذا خصوصا من أجل حل المجلس الأعلى للقضاء، وتم اشتراط عودة المسار الديمقراطي والدستوري للدولة حتى يتم المضي قدما في التفاوض مع المنظمات المانحة".
واستدرك الهاشمي قائلا "لكن قائد الانقلاب تحدى القوى السياسية والمجتمع المدني مع المجتمع الدولي ونفذ برنامجه في تفكيك الدولة من الداخل".
وعلق على خطاب سعيد قائلا "بالنسبة لإعلان سعيد الحرب فهذه المفردات تعودنا عليها منذ توليه الرئاسة وخصوصا بعد الانقلاب، فهو يتقن استعمال الألفاظ العنيفة والمهينة ضد الشعب".
وأضاف "قيس سعيد انطلق في مشروعه بتدمير الدولة التونسية ولن يتوقف حتى تنهار الدولة أو يثور الشعب عليه"، بحسب قوله.
وعلق وزير حقوق الإنسان الأسبق والقيادي في حراك "توانسة من أجل الديمقراطية" سمير ديلو، على حسابه في "فيسبوك" قائلا، "بماذا يشعر القاضي الذي قبِل بعضويّة مجلس معيّن مؤقّت، وأقسم أمام رئيس يعتبر القاضي موظّفا والقضاء وظيفة لا سُلطة؟ هو يوم أسود في تاريخ القضاء التّونسي".
بيان تنسيقية الأحزاب والشخصيات الديمقراطية
من جانبها عبرّت تنسيقية الأحزاب والشخصيات الديمقراطية ( تضم أحزاب التيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وعددا من الشخصيات المستقلة) في بيان مشترك، اليوم الثلاثاء، عن إدانتها لخطوة "تنصيب المجالس المؤقتة للقضاء العدلي والإداري والمالي، بعد الانقلاب على مجلس القضاء الشرعي المنتخب، وأصدر (الرئيس سعيد) أمرا يتعلق بتعيين أعضائها المنصبين والذين لا يمثلون الجسم القضائي ولكن يمثلون السلطة التنفيذية داخل القضاء، و يأتمرون بأوامرها طبق ما ورد بالمرسوم المتعلق بحل مجلس القضاء الشرعي".
وأكدت في بيانها أن " هذه الخطوة الإضافية تمثل إمعانا منه في الهروب إلي الإمام، رغم رفضها من مختلف المكونات القضائية، من هياكل دستورية منتخبة وجمعيات مهنية للقضاة".
ودانت تنسيقية الأحزاب والشخصيات الديمقراطية، بشدة "هذه الخطوة الانقلابية الجديدة على السلطة القضائية الشرعية، وتذكر أن إصلاح المنظومة القضائية لا يمكن أن يتم في إطار إجراءات استثنائية واستنادا إلى مرسوم غير دستوري وغير شرعي وفي حكم المعدوم".
و تساءل البيان : كيف يمكن الشعب ائتمان كبار قضاة سبق لهم أن أقسموا اليمين على احترام الدستور، وهم يقسمون اليوم مجددا على احترام الدستور عند تنصيبهم في مجلس سطو رئاسي على السلطة القضائية خلافا للدستور"؟
ودعت التنسيقية، كافة القوى الحية في البلاد إلى "الحوار الجدي والبناء لدرء المخاطر الجمة التي تتهدد القضاء التونسي، وللحيلولة دون إرساء قضاء التعليمات الوظيفي ونسف بعض المكاسب التي تحققت"، وإلى "وضع تصور مشترك لوضع حد للحكم الفردي الزاحف، والإستبداد الذي يكشر عن أنيابه ويتهدد الجميع، وسيأتي لا محالة، إن تواصل الأمر على ما هو عليه، على الأخضر واليابس".