استمع إلى الملخص
- **حرب وجود وليست حدود:** يصف القيادي الفتحاوي منتصر أبو الهيجا الوضع في مخيم جنين بأنه "حرب وجود"، مشيراً إلى تدمير 70% من البنية التحتية و80 منزلاً بالكامل. رغم القصف المتكرر، يصر على البقاء للحفاظ على حق العودة.
- **تحريض واستهداف ممنهج:** يحرض قادة الاحتلال الإسرائيلي على مخيمات شمال الضفة، متوعدين بتدميرها وتهجير سكانها. محمد عليّان من منظمة التحرير يؤكد أن هذه التهديدات تؤخذ بجدية، وتسعى السلطة الفلسطينية للعمل دبلوماسياً لتعزيز الصمود.
يتفق معظم أهالي مخيمات شمال الضفة الغربية على أنهم باتوا يعيشون في "غزة مصغرة". فعمليات هدم البيوت وتخريب البنية التحتية مستمرة بشكل شبه يومي، وقصف المقاومين بالطيران الإسرائيلي الحربي في البيوت والسيارات هو الخيار الأول للقتل لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما يؤدي لارتفاع عدد الشهداء من المدنيين، وتحديداً الأطفال. وبينما يرى اللاجئون في مخيمات شمال الضفة الغربية أن عيون العالم التي تتجه لقطاع غزة، تطلق يد إسرائيل لعمليات أكثر وحشية في المخيمات الفلسطينية، وأن جميع التهديدات التي يطلقها المسؤولون في حكومة الاحتلال يتم تنفيذها بالفعل في مخيمات شمال الضفة الغربية ليست مجرد تهديدات، ومع ذلك يؤكدون أن لا بديل سوى المقاومة والصمود في المخيمات رغم بؤس الحياة فيها.
حرب وجود على مخيمات شمال الضفة الغربية
ويقول القيادي الفتحاوي في مخيم جنين منتصر أبو الهيجا، لـ"العربي الجديد": "نعيش اليوم في مخيمات شمال الضفة الغربية حرب وجود وليست حرب حدود، وهذا يفسر العمليات العسكرية الوحشية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في المخيمات بشكل شبه يومي". ويتابع أبو الهيجا: "70% من البنية التحتية في المخيم (جنين) مدمرة بشكل كلي، لا توجد شبكة صرف صحي ولا تمديدات مياه وكهرباء، وهناك أضرار كبيرة أيضاً في مدينة جنين، لكن المخيم هو الأشد تضرراً". ويوضح أبو الهيجا أنه "يوجد 80 منزلاً دمرها الاحتلال بشكل كامل في المخيم، وحوالي 400 منزل بين متضرر بشدة ومتوسط، والعيش فيها خطر على الأهالي".
منتصر أبو الهيجا: نعيش اليوم حرب وجود وليست حرب حدود
ونفذ الاحتلال عشرات العمليات العسكرية في مخيم جنين ومحيطه، حتى قبل حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ووصل عدد الشهداء منذ بداية الحرب إلى 175 شهيداً في محافظة جنين، وسجلت أكثر من ألف حالة اعتقال. قصف الاحتلال منزل أبو الهيجا مرتين، إحداهما في يوليو/ تموز والأخرى في ديسمبر/ كانون الأول الماضيين. ورغم ذلك كان يصلح ما يمكن إصلاحه ولا يغادره، قائلاً: "أفضّل أن أكون لاجئاً في مخيم جنين على أن أكون لاجئاً في أي مكان آخر. لا يمكن أن أغادر المخيم وأفقد حقي بالعودة". ويضيف: "عندما يداهم جنود الاحتلال منازل المخيم، يسألون الأهالي: لماذا ما زلتم تعيشون في المخيم؟".
تحريض على المخيمات
ويحرض العديد من قادة الاحتلال الإسرائيلي على مخيمات شمال الضفة الغربية، وكان آخرها تصريحات وزير خارجية الاحتلال يسرائيل كاتس، قبل أيام، الذي توعد مخيم جنين بالتعامل معه مثل قطاع غزة من حيث التدمير والتهجير. ويقول مدير عام المخيمات في دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية محمد عليّان لـ"العربي الجديد": "نحن نأخذ هذه التصريحات على محمل الجدّ، وإن الخطر يُحدق بمخيمات الضفة كما هو في غزّة، وذلك غير مستبعد على سلوك الاحتلال الإجرامي وما يقوم به من انتهاكات، مستغلاً بذلك القوة الاحتلالية التي فرضت علينا كأمر واقع، بهدف إذلال الشعب الفلسطيني ولا سيما في المخيمات".
مواجهة بالدبلوماسية!
وعن أدوات المواجهة المتاحة فلسطينياً، يجيب عليّان متسائلاً: "ماذا باستطاعتنا أن نقدم لقطاع غزة وسط ما يعانيه من مجازر وقتل وإبادة بشكل يومي سوى الوسائل الدبلوماسية والمناشدة الدولية بأن يتم لجم الاحتلال عن هذه الجرائم؟ ولذا يُعتبر ما بأيدينا شيئاً محدوداً نظراً للهيمنة الأميركية الداعمة للقوة الاحتلالية، وسط صمت دولي يساند الاحتلال في جرائمه بحق شعبنا".
ويضيف عليان "لذا نسعى جاهدين في العمل دبلوماسياً من أجل الحيلولة دون استمرار هذه الانتهاكات بحق مخيّم جنين، أو محاولات إضعاف وكالة أونروا بصفتها راعية ومسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين".
ويتابع: "نعمل وفق ما هو متاح لنا ولقدراتنا، ولا سيما أن ثمة أزمة تواجهها السلطة الفلسطينية، تحديداً في الجانب المالي، ولذا نركّز الجهود على مبدأ تعزيز الصمود والحفاظ على الحياة بالمخيمات والمؤسسات حتى لو بالحد الأدنى، من أجل الحفاظ على الوجود الفلسطيني على الأرض".
اقتحامات تعطّل الحياة
وفي مخيمات شمال الضفة الغربية لا يختلف مخيم جنين بسكانه، الذين يتجاوزون 16 ألف لاجئ، عن مخيم بلاطة في نابلس أو مخيمي طولكرم (طولكرم ونور شمس)، من حيث المعاناة، فلا أحد يستطيع أن يخطط بشأن ماذا سيفعل في مساء هذا اليوم أو في صباح اليوم التالي، فكل شيء مرهون بعملية عسكرية لجيش الاحتلال ستدمر أي برنامج اجتماعي أو علاجي أو تعليمي، أو أي نشاط يحتاج للمكوث في المنزل أو للخروج منه.
منير الدحلة: هناك استهداف متكرر وممنهج للبنية التحتية والمحال التجارية والمركبات
تقول الحاجة أم أحمد، من مخيم بلاطة، لـ"العربي الجديد": "استشهد ابناي في الانتفاضة الثانية (في العام 2000)، وقدم المخيم عشرات الشهداء، لكن ما نعيشه منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هو حرب أخرى لا يريد العالم أن يعترف بها". وتضيف: "الطائرات الاستخبارية (الزنانة) لا تفارق سماء المخيم، وصوتها أصبح جزءاً من حياتنا، أما تدمير الشوارع الرئيسية والمحال التجارية والمنازل وإطلاق النار على خزانات المياه بهدف التسلية والتخريب فهو أمر شبه يومي، كل هذا لنخرج من المخيم، لكن إلى أين؟ لن نذهب إلى أي مكان".
لا يختلف أهالي مخيمي طولكرم ونور شمس في محافظة طولكرم عما سبق، فخسائر المخيمين المستمرة تقدر بعشرات ملايين الدولارات نتيجة العمليات العسكرية التي تجاوزت 90 عملية عسكرية منذ بدء الحرب.
إصرار على استمرار الحياة
ورغم أن الجميع يتفقون على أنه لا مكان للذهاب إليه مجدداً كلاجئين، إلا أن الأهالي يقرون بأن عشرات العائلات ممن لديها مرضى غسل كلى أو سرطان باتت تفضل المبيت قبيل موعد المستشفى في بيوت أقربائها أو أصدقائها خارج المخيم تحسباً من أي عملية عسكرية مفاجئة وحصار للمخيم يحول دون موعد المستشفى لمريض غسل كلى أو مريض ينتظر جرعة من الكيميائي، حسب المعلمة إسلام فضل في مخيم نور شمس. وتضيف فضل، في حديث لـ"العربي الجديد": "هناك عشرات من طلبة الثانوية العامة (التوجيهي) في المخيمات المذكورة ذهبوا للخيار ذاته خوفاً من عملية عسكرية تحول بينهم وبين امتحان الثانوية العامة الذي يجري عادة في المدن القريبة من المخيمات".
ويؤكد رئيس الغرفة التجارية والصناعية في محافظة طولكرم منير الدحلة، في تصريحات صحافية، أن هناك استهدافاً متكرراً وممنهجاً للبنية التحتية والمحال التجارية والمركبات، ضمن سياسة العقاب الجماعي التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي. ويوضح أن "المحال التجارية الواقعة على الشارع الرئيسي في مخيم طولكرم دُمِّرَت بالكامل، وكذلك سوق الخضار في مدينة طولكرم، بينما الوضع في مدينة طولكرم ومخيماتها صعب للغاية، وحجم الأضرار كبير".
وفجر الثلاثاء الماضي، لم تكن هناك أي عملية عسكرية في مخيمات طولكرم، فأطلق جنود الاحتلال النار فجراً على خط الكهرباء المغذي لمناطق وقرى طولكرم والواصل من محطة صرة، غرب نابلس، ومنعت قوات الاحتلال فرق الإصلاح من الوصول إلى المكان لساعات طويلة، الأمر الذي يراه الأهالي جزءاً من الحرب على محافظة طولكرم ومخيماتها دون جرافات أو طائرات.
ولا تختلف تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن تصريحات سابقة لوزير المالية بتسلئيل سموترتيش في نهاية مايو/ أيار الماضي، حين أكد في نهاية جولة خلف جدار الفصل العنصري الذي نهب أراضي محافظة طولكرم، حيث قال: "أنا أنهي الآن جولة صغيرة، لكنها مهمة على الخط الفاصل هنا، وأنا أريد أن أبعث برسالتين، الأولى للسكان هنا خلف الجدار في طولكرم، نور شمس وشويكة، وقلقيلية، نحن من الممكن أن نحولكم إلى مناطق مدمرة إذا استمر الإرهاب من قبلكم تجاه هذه المنطقة". والرسالة الثانية حسب سموتريتش، وجهها للإسرائيليين، قائلاً: "إذا لا قدر الله قامت دولة فلسطينية، ما حدث في السابع من أكتوبر في غلاف غزة سيحدث هنا لا قدر الله، وهذا لن نسمح به. نحن سنحارب الإرهاب، وسنستمر في السيطرة على الضفة الغربية، لأنّ هذا هو الحزام الأمني للمستوطنات هنا، وكذلك للمدن الإسرائيلية الكبرى في الداخل". ولعل الرسالة الثانية تفسر بوضوح العمليات العسكرية الوحشية في مخيمات شمال الضفة الغربية وسباق الاستيطان المحموم في جميع مناطق الضفة للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية.