مراسيم الانتخابات الفلسطينية: رحلة من عقبات الاحتلال والانقسام

17 يناير 2021
من المقرر أن تُجرى الانتخابات التشريعية في 22 مايو المقبل (فرانس برس)
+ الخط -

خطت العملية الانتخابية الفلسطينية خطوة متقدمة، مساء أول من أمس الجمعة، بعد إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوماً بشأن الدعوة لإجراء الانتخابات العامة. وبموجب المرسوم ستجرى الانتخابات التشريعية في 22 مايو/أيار المقبل، على أن تُجرى الرئاسية في 31 يوليو/تموز المقبل. وجاء في المرسوم أيضاً أنه "تُعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي بمثابة المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، على أن يتم استكمال المجلس الوطني في 31 أغسطس/آب المقبل، وفق النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتفاهمات الوطنية". ورحّبت حركة "حماس" ومختلف الفصائل بالمرسوم. ودعت "حماس" للمضيّ قدماً في العملية الانتخابية في القدس المحتلة والداخل الفلسطيني والخارج.

قد تشكّل حماس وفتح ائتلافاً في قوائم مشتركة

وبعد إصدار المرسوم، باتت الأسئلة كثيرة حول العقبات العملية والقانونية أمام إجراء الانتخابات، خصوصاً في ظل تجارب سابقة لفشل الاتفاقات بين حركتي "فتح" و"حماس"، ومحاولة سابقة لإجراء انتخابات محلية في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 2016، بعد تقديم طعن أمام المحكمة العليا. لكن رئيس لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية حنا ناصر، أبدى تفاؤله هذه المرة بإجراء الانتخابات فعلياً، وقال في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إنه "بعد إصدار المرسوم ستعقد حركتا فتح وحماس حواراً في العاصمة المصرية القاهرة خلال أسبوع، لتذليل أي صعاب أو مشاكل". ولفت إلى "أن من بين القضايا التي ستبحث؛ محاكم قضايا الانتخابات، وتأمين عملية الانتخابات". وكشف ناصر عن محكمة عامة، ستهتم بكل قضايا الانتخابات؛ وسيصدر بشأنها مرسوم رئاسي وسيكون أعضاؤها قضاة من الضفة الغربية وقطاع غزة. وحول وجود عقبات قانونية، أكد أنه "لا يوجد شيء غير قانوني، بالعكس كل الأمور ضمن الإجراءات القانونية. وسبق أن أجرينا انتخابات رئاسية وتشريعية في الماضي. والشيء الوحيد الذي يمكن أن يعيق هو إسرائيل".

ورداً على سؤال إمكانية تكرار ما حصل في عام 2016، من إلغاء للانتخابات المحلية بعد تقديم طعن في المحكمة العليا "لعدم شمول الانتخابات مدينة القدس؛ وعدم شرعية محاكم الطعون في الانتخابات بغزة"، قال ناصر "سنحل هذه الأمور، هذه أمور تحتاج إلى بعض المعالجة، ولكن سنحلها بالتشاور مع الجميع". وأبدى اعتقاده بأن "الانتخابات ستجرى في موعدها، التشريعية ثم الرئاسية، وكل شيء حسب القانون والأصول، وكل ما عليه خلاف سيبحث في الاجتماع الذي سيعقد في مصر". وشدّد على أن "كل الأمور التي كان فيها إشكالات في السابق ستُحلّ خلال دقائق بسيطة"، مبدياً أمله في أن "لا تتكرر المشكلات السابقة بسبب وجود تفاهمات، وهي ليست مشكلات قانونية، بل متعلقة بالتفاهمات بين الأطراف المختلفة".

وحول السيناريوهات لتخطي عراقيل الاحتلال لإجراء الانتخابات في مدينة القدس، قال ناصر: "من الصعب الحديث عن تذليل صعوبات قبل أن تحصل. نحن نستند إلى الأسبقيات، وإلى ما حصل من انتخابات في الأعوام 1996 و2005 و2006، بما فيها القدس. ونستند إلى الاتفاقات المبرمة بين منظمة التحرير وسلطات الاحتلال، وإذا ما وجدنا عقبات سنجد لها الحلول". وأضاف أن عباس "متحمس للانتخابات". وأبدى أمله بأن تكون الانتخابات التشريعية نقطة لإنهاء الانقسام الفلسطيني.

وحول طبيعة القوائم الانتخابية، قال ناصر: "إن الأمر متروك للفصائل، بأن تكون قوائم مشتركة بين فتح وحماس وهو أمر مطروح، أم قوائم منفصلة لكل منهما. هذا لا علاقة له بلجنة الانتخابات، ولكن سنقوم بعملنا حسب القانون الساري والتعديلات التي أجريناها أخيراً". ولفت إلى أن التعديلات الأخيرة على قانون الانتخابات هدفت لتذليل الصعاب، مشيراً إلى إلغاء التعهّد الذي كان مفروضاً على المرشحين في القانون قبل التعديل، في إشارة إلى شرط التزام المرشح بالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية.

وحول الجدل الذي دار خلال الأيام الماضية بشأن نسخة من القانون المعدل نشرتها لجنة الانتخابات لم تحدد مدة الفترة الرئاسية، ولم تحصرها بولايتين فقط، قال ناصر: "إن اللجنة تسرعت بنشر رسالة على موقعها؛ وصلتها بنسخة للقانون تشمل خطأً مطبعياً، لكن النسخة التي نشرت في الجريدة الرسمية لم تلغ فترة الرئيس المنتخب وهي 4 سنوات لدورتين انتخابيتين فقط". وستكون الخطوة الأولى بعد المرسوم، وفق ناصر، "البدء بعملية تسجيل الناخبين، ومن المتوقع أن تبدأ خلال أسبوعين، على أن تستمر بضعة أسابيع، وتليها عملية الترشح وباقي الإجراءات".

في المقابل، أبدى حقوقيون ملاحظات عدة على المرسوم الرئاسي بشأن الانتخابات؛ وكذلك على الظروف القضائية التي صدر المرسوم في ظلها. في السياق، رأى أستاذ القانون الدستوري، نائب رئيس نادي القضاة أحمد الأشقر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المادة 20 من قانون الانتخابات، التي تنص على تشكيل محكمة قضايا الانتخابات من رئيس وثمانية قضاة بناء على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى، تجعل من حماية الشرعية الانتخابية مسألة محل شكّ". وعزا ذلك إلى "كون رئيس مجلس القضاء الأعلى هو عيسى أبو شرار، الذي تم تفصيل قانون معدل لقانون السلطة القضائية لضمان استمراره في منصبه، رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء".

واعتبر الأشقر أن "الإشكالية تكمن في أن قانون السلطة القضائية فرض طائفة واسعة من العقوبات ضد القضاة من كل درجات المحاكم، من دون ضمانات، وهو ما يجعل القضاء الفلسطيني خاضعاً للترهيب، وخاضعاً لإرادة من عيّن رئيس مجلس القضاء". وشدّد على وجوب "النظر والبحث إذا ما ارتبطت المادة 20 حقيقة بما حدث بالقضاء أخيراً، حتى لا يُصار إلى سرقة إرادة الناس".

وأبدى الأشقر خشيته من أن يتم استخدام تلك المادة استخداماً سياسياً، بمعنى أن يكون رئيس المجلس منحازاً لتيار دون الآخر ويمارس ضغوطاً على القضاة؛ مع تأكيده على الثقة بالقضاء الفلسطيني. وطالب بأن يتمّ اختيار أعضاء هيئة محكمة الانتخابات، بمعزل عن أي تأثير أو تجاذبات سياسية، وأن تنال توافقاً وطنياً مجتمعياً حتى لا يصار إلى التشكيك لاحقا بأحكامها. وشدّد الأشقر، وهو أحد القضاة المُقالين، على "أن مخالفة القانون والدستور التي حدثت في تعيير رئيس مجلس القضاء، وإحالة قضاة إلى التقاعد، أصبحت تثير الشك والريبة لدى قطاعات واسعة".

ولا تقتصر الريبة بحسب الأشقر، على محكمة قضايا الانتخابات، بالنظر إلى أن القضاء ينظر في العملية الانتخابية من خلال هيئتين، هما محكمة الانتخابات التي تنظر في الطعون، وهيئة القضاء الجزائي، التابعة لمجلس القضاء نفسه، وتنظر في قضايا جرائم الانتخابات.

طُرحت إشكالات متعلقة بخضوع القضاء للسلطة السياسية

وفي الإطار نفسه، ذكر المستشار القانوني عصام عابدين، في منشور على صفحته على "فيسبوك"، أن "المرسوم يأتي على أنقاض القضاء وتبعيته بشكل كامل للرئيس الفلسطيني محمود عباس، من خلال رئيس المجلس القضائي، الذي يتولى التنسيب للرئيس لإصدار مرسوم تشكيل محكمة الانتخابات. ما يعني أن الانتخابات هي تحت سيف قضاء تابع للرئيس".

وأضاف عابدين، أن نص المرسوم الرئاسي دعا لانتخاب رئيس دولة فلسطين، في حين أن التعديل الذي طاول القانون عام 2007 نصّ على أن يصدر رئيس دولة فلسطين، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مرسوماً رئاسياً، يدعو فيه إلى انتخابات رئاسية وتشريعية أو أي منهما في دولة فلسطين. وتساءل عابدين عن "سبب إقحام رئيس منظمة التحرير، بطريقة ملتبسة، في نصوص قرار متعلق بقانون انتخابات"؟ وشدّد على أنه على الرغم من أن المرسوم يحمل الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، فإنه لا يوجد ما يشير إلى انتخابات للمجلس الوطني في نصوص المرسوم، مع الاكتفاء بأن الانتخابات التشريعية تعتبر المرحلة الأولى من انتخابات المجلس الوطني. وسأل عن معنى عبارة "يُستكمل تشكيل المجلس الوطني في 31 أغسطس المقبل. فهل التشكيل القائم مُنتخب كي يُستكمل، خصوصاً أنه لم تُجرَ أي انتخابات للمجلس منذ نشأته حتى الآن"؟
وكان المدير التنفيذي للجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية هشام كحيل قال لـ"العربي الجديد" الأسبوع الماضي، حول التعديلات على القانون: "فنياً لا نريد أن نحمل عملية انتخابية وفق قانون ينص على أن الانتخابات تجرى في يوم واحد، ويمكن لأي شخص الطعن بالعملية الانتخابية في حال لم يعدل القانون".

المساهمون