أنهى مسؤول فرنسي رفيع المستوى، الجمعة، زيارة غير معلنة إلى المغرب، في خطوة تثير أكثر من علامة استفهام في ظل أزمة صامتة تخيم على علاقات البلدين منذ ما يقارب السنتين، وكان من أبرز مظاهرها تجميد زيارات مسؤولي البلدين وغياب أي اتصال بين قادتهما، وحدوث فراغ دبلوماسي منذ أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، بعد تكليف سفير الرباط بمهام أخرى.
وأعلنت السفارة الفرنسية بالعاصمة المغربية الرباط، مساء الجمعة، أن مدير التعاون الأمني والدفاعي بوزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، الجنرال ريجي كولكومبي، أنهى اليوم زيارة عمل إلى المغرب، دون أن تقدم المزيد من التفاصيل حول الزيارة ومدتها.
واكتفت السفارة الفرنسية بالإشارة، في تدوينة لها على حسابها الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إلى أن الجنرال كولكومبي أجرى العديد من اللقاءات المثمرة مع الشركاء المغاربة في ما يخص التعاون الأمني والعسكري.
وتعتبر زيارة كولكومبي، التي لم يعلن عنها من قبل من أي طرف، هي ثاني زيارة لمسؤول فرنسي رفيع المستوى، بعد الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا إلى العاصمة المغربية الرباط في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهي الزيارة التي كان عنوانها البارز السعي لتجاوز القضايا الخلافية التي عكرت صفو العلاقات بين البلدين خلال الأشهر الماضية.
وتأتي زيارة المسؤول الفرنسي، في وقت يسود الغموض مصير زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب خلال النصف الأول من مارس/ آذار الحالي، التي يراهن عليها الجانب الفرنسي من أجل طي صفحة الأزمة بين بلدين حليفين.
كما تأتي بعد أيام على اعتراف ماكرون، خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب خطابه حول العلاقات بين فرنسا وأفريقيا، في 27 فبراير/ شباط الماضي، بوجود مشاكل بين المغرب وفرنسا، لكنه استدرك بالقول إن علاقاته الشخصية مع الملك محمد السادس "ودية" وإنها "ستبقى كذلك".
وبدا لافتا حجم الأزمة التي تعيشها العلاقات بين البلدين، بعدما أفاد مسؤول في الحكومة المغربية، في حديث مع مجلة "جون أفريك" الفرنسية، بأن "العلاقات ليست ودية ولا جيدة، لا بين الحكومتين ولا بين القصر والإليزيه".
وبينما أرجع الرئيس الفرنسي التوتر مع الرباط إلى قضية التجسس باستعمال برنامج "بيغاسوس" وتوصية البرلمان الأوروبي بخصوص وضعية حرية الصحافة في المغرب، اتهم المسؤول المغربي ماكرون بإخفاء نقاط التوتر الأخرى عمدا، بما في ذلك "القيود التعسفية على التأشيرات والحملات الإعلامية والمضايقات القضائية"، على حد تعبيره، معتبرا أن "تورط وسائل الإعلام وبعض الدوائر الفرنسية في نشأة قضية (بيغاسوس) والترويج لها لا يمكن أن يتم دون تدخل السلطات الفرنسية".
وتعيش العلاقات بين الرباط وباريس على وقع الأزمة الصامتة منذ سنتين بسبب قرار باريس تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة، وموقف باريس من ملف الصحراء، ورهان الرئيس الفرنسي على الجزائر.
ولئن كانت زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، إلى الرباط، منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قد ساعدت على إعادة بعض الدفء إلى العلاقة بين البلدين بعد إعلانها رفع القيود المفروضة على تأشيرات المغاربة؛ فإن قرار البرلمان الأوروبي، الصادر في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، الذي طالب السلطات المغربية باحترام حرية التعبير وحرية الإعلام وتوفير محاكمات عادلة للصحافيين المسجونين، وضع علاقات الرباط ببلد يوصف بالصديق والشريك الاستراتيجي، مجددا، على المحك، وطرح أسئلة عدة حول المسار الذي ستتخذه في ظل ما عاشته من مطبات وجمود خلال السنوات الأخيرة.
ومنذ وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه سنة 2017، تعرف العلاقات المغربية الفرنسية تذبذبا ومدا وجزرا، وعاشت على وقع توتر صامت تحول إلى "مواجهة مفتوحة" دارت رحاها على جبهات عدة، سياسية ودبلوماسية واقتصادية، وحتى إعلامية.
وكان العنوان الأبرز للأزمة الصامتة بين باريس والرباط التأجيل المتكرر للزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي كانت تترقبها العاصمة المغربية منذ يناير/كانون الثاني 2020.
وتعتبر باريس الرباط شريكا مثاليا في المجالات الأمنية والاستخبارية والعسكرية، وتمثل فرنسا الشريك التجاري الثاني للمغرب بعد إسبانيا في عام 2020 بحسب وزارة الاقتصاد والمال المغربية. كما أن المغرب هو الوجهة الأولى للاستثمارات الفرنسية في أفريقيا، عبر أكثر من 950 فرعا لشركات فرنسية.
غير أن باريس لا تنظر بعين الرضى للخطوات التي اتخذها المغرب خلال السنوات الماضية لتنويع شركائه الاقتصاديين والسياسيين، والتقليل من تبعيته الاقتصادية لها، وكذلك تثبيت أقدامه في أفريقيا جنوب الصحراء كأحد الشركاء الاقتصاديين للعديد من الدول، حتى بات يحتل المرتبة الثانية من حيث الاستثمار.