كثّف المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي لقاءاته مع القادة الليبيين، بعد إعلانه عن إطلاق مسار تفاوضي شامل جديد بين المؤسسات والفاعلين الليبيين للوصول إلى تسوية بشأن القضايا الخلافية حول الانتخابات.
وفي الوقت ذاته، يستعد مجلسا النواب والأعلى للدولة للتوافق على خريطة طريق لتنفيذ القوانين الانتخابية التي أنجزتها لجنة 6+6 المشكلة منهما.
لقاءات باتيلي تسابق مجلسي النواب والدولة
ومنذ منتصف الأسبوع الماضي، بدأ باتيلي سلسلة لقاءات باجتماع مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مدينة بنغازي، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في طرابلس، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وأخيراً رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، فيما حملت تغريداته المتتالية إثر كل لقاء تفاؤلاً باستعداد من التقاهم للتفاعل ودعم جهوده الجديدة من أجل الوصول إلى توافق حول القضايا التي تعد الأكثر خلافاً في ملف الانتخابات.
وكان باتيلي قد أعلن، بداية الأسبوع الماضي، عزمه "جمع المؤسسات والفاعلين الليبيين الرئيسيين للتوصل عبر المفاوضات الشاملة والحلول الوسط إلى تسوية نهائية بشأن أكثر القضايا إثارة للخلاف"، معلناً بدء تواصله مع المؤسسات والقيادات السياسية والأمنية تمهيداً لهذه المفاوضات.
وفيما أشاد باتيلي بجهود لجنة 6+6 المشتركة بين مجلسي النواب والدولة لإعداد القوانين الانتخابية، إلا أنه استدرك بالقول إن "مشروعي قانوني الانتخابات في صيغتهما الحالية لن يمكّنا من إجراء انتخابات ناجحة. وعليه، ثمة حاجة إلى مزيد من العمل لجعلهما قابلين للتطبيق عبر معالجة الثغرات القانونية".
ودعا المبعوث الأممي "جميع المؤسسات الليبية لإيجاد الحلول الوسط اللازمة لتسوية النقاط المختلف عليها سياسياً والتوصل إلى حل سياسي يمهد الطريق لانتخابات ناجحة".
وبالتوازي، يستعد مجلس النواب لعقد جلسة الأسبوع المقبل لتمرير مشروع القوانين الانتخابية التي أنتجتها لجنة 6+6 بعد إجراء تعديلات على بعض موادها، بحسب مصدر برلماني مقرب من هيئة رئاسة مجلس النواب تحدث لـ"العربي الجديد".
وكشف المصدر عن استعداد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، لتجاوز الخلافات التي نشبت بينه وبين كتلة من النواب يترأسها نائبه الثاني مصباح دومة، خلال الجلسة التي انعقدت في 10 يوليو/تموز الحالي، شرط أن تنعقد جلسة الأسبوع المقبل لمناقشة إمكانية إجراء تعديلات طفيفة على مخرجات لجنة 6+6 وتمريرها تمهيداً لإصدار خريطة طريق لإجراء الانتخابات.
يستعد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، لتجاوز الخلافات التي نشبت بينه وبين كتلة من النواب
وأضاف المصدر أن "التعديل التي سيطرحه عقيلة صالح سيُبقي على شرط إجراء جولة ثانية في الانتخابات الرئاسية، لكنه سيفتح شرط قبول ترشح مزدوجي الجنسية من دون أي قيد"، موضحاً أن صالح يحاول خلال المداولات التي تجري في الكواليس بينه وبين خصومه الممانعين لتمرير مخرجات لجنة 6+6، تسريع الخطوات من أجل الوصول إلى مرحلة الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع مجلس الدولة.
وكان المجلس الأعلى للدولة قد أعلن، في 11 يوليو الحالي، عن تصويت أعضائه بقبول "مبدئي" لـ"خريطة طريق المسار التنفيذي للقوانين الانتخابية".
وتنص خريطة طريق مجلس الدولة على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في غضون 240 يوماً من تاريخ مصادقة مجلس النواب على مخرجات لجنة 6+6، بالإضافة إلى تشكيل حكومة جديدة تقتصر مهامها على الإشراف على إجراء الانتخابات.
مسار باتيلي يواجه ممانعة ليبية
وفيما يبدو أن المسار التفاوضي الذي يعتزم باتيلي إطلاقه امتداد لفحوى مبادرته التي سبق أن أعلن، في مارس/آذار الماضي، أنها تهدف إلى اختيار لجنة رفيعة المستوى تضم تمثيلاً لكل الأطياف السياسية والاجتماعية الليبية للتفاوض من أجل التوافق على أرضية مشتركة لإجراء الانتخابات، لا يرى الناشط السياسي طارق غيث أن باتيلي سينجح في تكوين هذه اللجنة.
طارق غيث: باتيلي لا يحظى بالدعم الدولي الكافي كالذي كانت تحظى به ستيفاني وليامز
وفي شرح أكثر، يقول غيث لـ"العربي الجديد"، إن "الفشل الذي سيواجهه باتيلي مرده إلى أسباب عدة، لكن أهمها أنه لا يحظى بالدعم الدولي الكافي كالذي كانت تحظى به المستشارة الأممية إلى ليبيا، الأميركية ستيفاني وليامز، التي يبدو أن باتيلي يسير على خطى نجاحها الذي حققته في تشكيل لجنة الحوار السياسي".
ويضيف الناشط السياسي أنه "علاوة على أن وليامز دبلوماسية أميركية كانت تمثل مصالح دولة كبرى، فإن الانشغال الأميركي والعواصم الكبرى الأخرى اليوم بملفات إقليمية ودولية أكثر سخونة، جعل دعم واشنطن لباتيلي يتراجع بشكل كبير، وهو ما يعكسه تراجع نشاط المبعوث الأميركي (ريتشارد نورلاند وهو السفير الأميركي أيضاً في طرابلس) وغيابه في الآونة الأخيرة".
أما السبب الآخر، برأي غيث، فيتمثل في الممانعة الداخلية. ويقول حول ذلك: "لقد رأينا كيف استطاع مجلسا النواب والدولة عرقلة باتيلي فور إعلانه عن نيته إنشاء لجنته رفيعة المستوى، بأن شكّلا لجنة 6+6 وصاغا قوانين ضمناها ذات الخلافات السابقة، والآن يستعد المجلسان لإطلاق خريطة الطريق"، معرباً عن اعتقاده بأن "صالح والمشري سيعودان قريباً للاجتماع المباشر والظهور مجدداً في إعلانات واتفاقات جديدة في مسألة الانتخابات كما فعلا في السابق".
وفيما يرى غيث أن الخلافات التي طرأت بين مجلس الدولة والحكومة في طرابلس والظهور المفاجئ للانقسامات في مجلسي النواب والدولة "تأزيم متعمد"، يضيف أنه "حتى لو افترضنا أن ما طرأ لم يكن متعمداً، فستجعل تلك الانقسامات مجلسي النواب والدولة غير قادرين على اتفاق أعضائهما على المصادقة على أي مخرجات قد يفرزها المسار التفاوضي".
وفيما يعاني مجلسا النواب والدولة في ليبيا انقسامات حادة بين أعضائهما، وهو ما ظهر خصوصاً الأسبوع الماضي عندما عارض 54 عضواً في مجلس الدولة إعلان رئاسته عن التصويت بالقبول على "خريطة طريق المسار التنفيذي للقوانين الانتخابية"، وأفشل عدد من النواب إصدار صالح قرارات بإلغاء جلسة عقدها عدد من النواب برئاسة نائبه الثاني، مصباح دومة، يوم 26 يونيو/حزيران الماضي، فقد تصاعد التوتر بشكل واضح بين خالد المشري والحكومة في طرابلس.
واتهم المشري رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بالتضييق على المجلس الأعلى للدولة، بعد تصويته على خريطة طريق للتمهيد لإجراء الانتخابات، مشيراً إلى أن السبب هو أن الخريطة تتضمن تغيير الحكومة.
وأشار المشري، خلال كلمة متلفزة الخميس الماضي، إلى أن الحكومة طلبت من الأجهزة الأمنية منع عدد من أعضاء مجلس الدولة من السفر ومصادرة جوازاتهم. وحمّل المشري الدبيبة "المسؤولية بشكل مباشر عن سلامة أعضاء المجلس".
وفي تصعيد أكثر، قال إن "أي تهور من رئيس الحكومة تجاه أي عضو من أعضاء مجلس الدولة أو مكتب الرئاسة أو رئيسه سيجعلنا ننحدر بشكل قوي وعاجل نحو صدام مسلح لن تحمد عقباه". واتهم المشري الدبيبة بأنه "يوهم الناس بأنه لا يريد الحروب وهو أكثر شخص يسعى إلى حرب للبقاء في منصبه وإنفاق المال بلا حسيب أو رقيب".
أحمد العاقل: الانقسامات والخلافات مؤشر على ترهل الأجسام السياسية في ليبيا ووصولها إلى مرحلة متقدمة من التشظي
لكن في المقابل، يرى الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية، أحمد العاقل، أن الانقسامات في مجلسي النواب والدولة، وتصاعد الخلاف بين المشري والدبيبة "لا يجب قراءتها على أنها تأزيم متعمد، بل لها وجه آخر أقرب للواقع، وهو أن هذه الانقسامات والخلافات مؤشر على ترهل هذه الأجسام ووصولها إلى مرحلة متقدمة من التشظي".
ويعرب العاقل في هذا الصدد عن اعتقاده بأن "ما أدركه باتيلي واستثمره فرصة للبدء في التحضير لمسار تفاوضي يضم أطيافا أخرى وشخصيات يمكنها أن تصنع ثقلاً يوازن ثقل المتواجدين في المشهد اليوم".
ويتابع العاقل في حديث لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "باتيلي سيحتاج إلى مجلسي النواب والدولة للمصادقة على أي اتفاق ومخرجات جديدة، ولذا لا بد من إشراكهما في المسار التفاوضي الجديد"، معتبراً أن قدرة المجلسين والقادة الآخرين "لم تعد كالسابق ولن يستطيعوا عرقلة أي تسوية جديدة".
وبرأيه، فإن "حقيقة الانقسام في المجلسين هي أن عقيلة صالح فقد قوته داخل المجلس، وفي المقابل فإن خصومه النواب ليست لديهم القوة الكافية للإطاحة به، وبهذا بدأت قوة مجلس النواب في التلاشي". أما المشري، كما يرى العاقل، فإنه "فضلا عن تزايد عدد معارضيه في مجلس الدولة، فإن تصريحاته الأخيرة تكشف حقيقة الخناق المضروب حوله في طرابلس من جانب الحكومة".
لكل هذه الأسباب، يعتبر العاقل أن مسار باتيلي "قد انطلق، وسيلقى دعماً إقليمياً ودوليا، لأن كافة الأطراف في الخارج لم تعد لديها الثقة لتعول على حلفائها الداخليين بعد دخولهم في خلافات وصلت إلى حد التهديد بالحرب، كتصريحات المشري، وقبله حفتر الذي هدد بإغلاق حقول النفط بقوة السلاح"، معرباً عن اعتقاده بأن باتيلي سيدفع باتجاه إجراء انتخابات برلمانية لـ"تجديد الشرعية، وتأجيل الانتخابات الرئاسية فهي التي تعرقل إجراء الانتخابات، لأن كل الخلافات تدور حولها".