منذ اغتيال القيادي البارز في المعارضة أدهم الكراد قبل نحو أسبوعين، تصاعدت حدة التوتر في محافظة درعا جنوب سورية على نحو لافت، برغم أن المحافظة تعيش أصلاً أوضاعاً متوترة، وحركة اغتيالات نشطة، منذ سقوطها بيد قوات النظام السوري قبل أكثر من عامين.
وفي أحدث التطورات المتسارعة التي تشهدها المحافظة، اغتال مجهولون، مساء الإثنين الماضي، رئيس مجلس الصنمين عبد السلام الهيمد، بإطلاق نار في الصنمين شمال درعا. وأصيب في الهجوم أمين الفرقة الحزبية في المدينة محمد دياب، والذي نقل إلى مستشفى الصنمين العسكري، حيث وصفت صفحة مليشيات "كتائب البعث" في درعا حالته بأنها حرجة.
وجاءت عملية الاغتيال بعد ساعات من اغتيال عنصر سابق في "الجيش السوري الحر" غرب المحافظة. وحسب شبكة "تجمع أحرار حوران" المحلية، فإن مسلحين يستقلون دراجة نارية أطلقوا النار على محمد المزيد البردان على طريق طفس – المزيريب بريف درعا الغربي، ما أدى إلى مقتله. ويتحدر البردان من مدينة طفس، وهو أحد الأشخاص المقربين لأبو مرشد بردان أحد قادة اللجنة المركزية في ريف درعا الغربي، ولم ينضم إلى أي تشكيل لقوات النظام بعد التسوية، لكنه يحمل بطاقة تسوية ومصالحة بعد أن عمل قبل العام 2018 ضمن فصائل محلية في طفس.
انفجرت عبوة قرب حاجز لقوات النظام في حي درعا المحطة
وبالتزامن مع هذه الاغتيالات، هز انفجار قوي صباح أمس الثلاثاء، حي درعا المحطة، ناجم عن عبوة ناسفة انفجرت في ساحة بصرى بالقرب من حاجز لقوات النظام، ما أدى إلى أضرار مادية، دون وقوع خسائر بشرية، وفق شبكة "درعا 24" المحلية. وتعتبر درعا المحطة منطقة محصنة، حيث توجد فيها معظم مقار الأجهزة الأمنية والحكومية. ولم تخرج هذه المنطقة عن سيطرة هذه الأجهزة مطلقاً طوال السنوات الماضية.
وتتزامن التطورات مع حالة شبه عصيان عام تشهده مدينة الحراك شرق المحافظة، حيث اقتحم مسلحون، ليلة أمس الأول، حواجز أمنية للنظام السوري، واحتجزوا بعض عناصرها، وأحرقوا صورة كبيرة لرئيس النظام بشار الأسد. وقال الناشط الصحافي محمد الشلبي، المقيم في درعا لـ"العربي الجديد"، إن الاحتجاجات في المدينة اندلعت بعد اعتقال قوات النظام للشاب قاسم محمد خلف الكسابرة على حاجز "التاون سنتر" قرب العاصمة دمشق الإثنين. وأوضح أن العشرات من أبناء مدينة الحراك، بينهم مسلحون، شاركوا في هذه الاحتجاجات، وأغلقوا الطرق الرئيسية في المدينة، وكل مداخلها، وأحرقوا الإطارات، قبل أن يبادروا لاقتحام عدة حواجز لقوات النظام في المدينة والسيطرة عليها، واحتجاز بعض عناصرها، إلى حين إطلاق سراح الكسابرة.
وأوضح الشلبي أن الشبان اقتحموا أولاً حاجزاً للمخابرات الجوية وسط مدينة الحراك، وهدموا تحصيناته، واحتجزوا عناصره مع أسلحتهم الفردية إلى حين الإفراج عن المعتقل. وأشار إلى أنهم اقتحموا أيضاً حاجز كازية الشاهين الواقع على الطريق إلى قرية الصورة غرب المدينة، وأضرموا النار فيه، إضافة لإحراق صور بشار الأسد، وسيطروا على المدخل الغربي للمدينة بما في ذلك "حاجز القوس" الواقع قرب المستشفى الوطني. وانضم الكسابرة إلى "اللواء الثامن"، المدعوم روسياً، بعدما انشق عن قوات النظام عقب سيطرتها على المحافظة في يوليو/تموز 2018.
وسبق أن شهدت مناطق مختلفة من محافظة درعا احتجاجات على اعتقال قوات النظام لأشخاص دخلوا في التسوية، ما أدى إلى إطلاق سراح العديد من المعتقلين. ومن تلك المناطق مدينة الحراك، حين حاصر شبان مسلحون يتبعون إلى "اللواء الثامن" حاجزاً لقوات النظام، في 25 يونيو/حزيران الماضي، مطالبين بالإفراج عن شاب اعتقلته الأجهزة الأمنية من أبناء المدينة. كما أقدم شبان من بلدة صيدا في ريف درعا الشرقي، في 29 يونيو الماضي، على تمزيق صور لبشار الأسد، من على أحد حواجز النظام في المنطقة، على خلفية مقتل أحد عناصر "الفيلق الخامس" نتيجة إطلاق قوات النظام النار عليه وعلى رفاقه في بلدة محجة بريف درعا الشرقي. كما شهدت درعا قبل أيام تظاهرات في عدة مناطق بالمحافظة، طالبت بالإفراج عن المعتقلين، ونددت بالقبضة الأمنية.
اقتحم مسلحون عدة حواجز لقوات النظام في الحراك واحتجزوا بعض عناصرها
وقضى اتفاق التسوية ببقاء الراغبين من مقاتلي الفصائل داخل المحافظة، وخروج الرافضين إلى إدلب، إضافة إلى عدد من البنود، كان أهمها إخراج المعتقلين من السجون، وعدم ملاحقة المطلوبين بعد "تسوية" أوضاعهم، إلى جانب إزالة القبضة الأمنية عن السكان. إلا أن معظم الشروط لم تُنفذ من جانب قوات النظام، التي واصلت اعتقال الأشخاص المنتمين للمعارضة سابقاً برغم إبرامهم تسويات. كما تحاول باستمرار تعزيز قبضتها الأمنية على المحافظة. وفي هذا الإطار، عبر رتل عسكري لـ"الفرقة الرابعة" إلى قرية زيزون، حيث يوجد فيها أكبر مقار الفرقة. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن الرتل، المكون من 12 آلية عسكرية، يضم عشرات الجنود، ورشاشات ثقيلة ومصفحات. ولدى "الفرقة الرابعة" العديد من مجموعات التسوية المحلية التابعة لها غرب درعا. كما يوجد على حواجزها وفي مقارها ضباط وعناصر من خارج المنطقة. وتعتبر "الفرقة الرابعة" من أبرز تشكيلات قوات النظام، الموالية إلى "الحرس الثوري" الإيراني. وينظر إليها محلياً على أنها أداة لتنفيذ مخططات طهران في الجنوب السوري.
ورغم أن محافظة درعا تشهد منذ سيطرة قوات النظام عليها "فوضى أمنية"، يُعتقد أنها مدروسة، حتى باتت مسرحاً للاغتيالات والجرائم وعمليات التصفية، إلا أن الجديد في التطورات الأخيرة، كما يقول الناشط الصحافي محمد الشلبي، لـ"العربي الجديد"، أن كل "الأطراف" المتداخلة في مصالحها وصراعاتها، باتت أكثر نشاطاً واستعداداً لدفع الأمور إلى مستويات جديدة من التصعيد. وهذه المستويات قد تنتهي إما بإحكام قوات النظام السيطرة على المحافظة، أو المزيد من تهميشها، وعودة ظهور الفصائل المسلحة على وقع "الفوضى الأمنية" التي تشكل أحد أشكال انتقام النظام من محافظة درعا بوصفها مهد الثورة السورية. ورأى الشلبي أن النظام سيمضي في كل الحالات بتصفية أبرز رموز المعارضة المسلحة والناشطين والإعلاميين ممن كان لهم دور في تحدي نفوذه خلال السنوات الماضية.