بدأ المرشحون الثلاثة للانتخابات الرئاسية في سورية، والتي ترفضها المعارضة ولا يعترف بها المجتمع الدولي، حملاتهم الانتخابية في المناطق التي يسيطر عليها النظام، والتي لا تتجاوز نصف مساحة البلاد، في ظل يقين أن نتائج هذه الانتخابات محسومة سلفاً لصالح رأس النظام الحالي بشار الأسد، فيما يؤدي المرشحان الآخران دورهما كـ"منافسين" وهميين بإتقان.
واختار الأسد شعار "الأمل بالعمل" عنواناً لحملته الانتخابية التي بدأت السبت الماضي، بينما اختار المرشح الثاني عبدالله سلوم عبدالله شعار "قوتنا بوحدتنا"، في حين جاء شعار المرشح الثالث محمود أحمد مرعي بعنوان "معاً نحو حكومة وحدة وطنية تشاركية".
كل إمكانيات الدولة مكرّسة لصالح الحملة الانتخابية للأسد
وتزامن إعلان بدء الحملات الانتخابية مع بدء تنظيم مسيرات موالية لرئيس النظام في عدد من المناطق السورية، شارك بها ممثلون عن "حزب البعث" الحاكم ومسؤولون محليون، وحملت عنوان "الوفاء للأسد".
وذكرت مصادر محلية في مدينة حلب، لـ"العربي الجديد"، أن التجار ورجال الأعمال المرتبطين بالنظام "بدأوا حملات ترويج لبشار الأسد في المدينة"، موضحة أنه انتشرت حتى الآن أكثر من مائة خيمة في عموم المدينة لتنظيم فعاليات مؤيدة للأسد في الانتخابات التي ستجرى في 26 مايو/أيار الحالي.
من جهتها، بيّنت مصادر مطلعة في العاصمة السورية دمشق، لـ"العربي الجديد"، أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام "تفرض على التجار وأصحاب المحال التجارية الكبيرة شراء صورة لبشار الأسد بمليون ليرة سورية (300 دولار أميركي)، وتعليقها على واجهات المحال ومقرات الشركات والمصانع". وأشارت إلى أن هذه المبالغ "تذهب لصالح الحملات والمسيرات والخيم التي أقيمت في العاصمة لصالح حملة الأسد"، مشيرة إلى أن جزءا من هذه الأموال يذهب الى جيوب المسؤولين في الأجهزة الأمنية. وأوضحت أن "كل إمكانيات الدولة مكرّسة لصالح الحملة الانتخابية الخاصة ببشار الأسد"، وأن وسائل الاعلام الحكومية لا حديث لها إلا الترويج لهذه الانتخابات وللأسد.
ولفتت المصادر إلى أن السوريين في الداخل "يدركون جيداً أبعاد اللعبة الجديدة والمكررة"، لكنها أشارت إلى أن النظام ماضٍ في هذه اللعبة لأنه لا يملك غيرها، مع يقينه أن نتائج الانتخابات لن تبدّل شيئاً في المعادلة السورية، بل ربما تزيد الانقسام الاجتماعي في البلاد. وقالت إن "مرعي، الذي يدعو الى إطلاق المعتقلين في سجون النظام، متهم من قبل تيارات معارضة في الداخل بتسليم الكثير من المعارضين لأجهزة النظام الأمنية". وأضافت: من المعروف أن مرعي دُسّ في صفوف المعارضة السورية في الخارج مع بدء الثورة من قبل اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي المشرف على الأجهزة الأمنية، وعندما انتهى دوره أعيد من القاهرة إلى دمشق في 2014 ليؤسس مع آخرين ما سمّي بـ"هيئة العمل الوطني الديمقراطي"، التي انضمت إلى سلسلة من الأحزاب والهيئات التي شُكّلت من قبل أجهزة النظام الأمنية. وأكدت المصادر أن الشعارات التي يطلقها عبد الله سلوم، من قبيل "نحو جبهة وطنية تقدمية قوية وفاعلة" و"لا للفساد، نعم لمحاربة الفاسدين" و"لا للإرهاب، نعم لدحر المحتلين"، من صناعة الأجهزة الأمنية.
وفي السياق، تشير الوقائع إلى أن النظام السوري أصدر توجيهات للمؤسسة الدينية للترويج للانتخابات، وتكريس خطب الجمعة والدروس اليومية التي تُلقى في المساجد، وخصوصاً في المدن الكبرى، لحث السوريين على المشاركة وانتخاب بشار الأسد. وكان حسام الدين فرفور، وهو خطيب الجامع الأموي في دمشق، ذهب في وصف الأسد، في خطبة عيد الفطر الخميس الماضي إلى حد لم يسبقه إليه أحد من شيوخ المؤسسة الدينية، إذ خاطبه بالقول: "لقد تخلقت بأخلاق الله".
الشعارات التي يطلقها سلوم من صناعة الأجهزة الأمنية
وفي خارج سورية، بدأت سفارات وقنصليات النظام تستعد لإجراء الانتخابات في الخارج في العشرين من الشهر الحالي. ومن المتوقع ألا تشهد المراكز الانتخابية داخل هذه السفارات والقنصليات مشاركة على نطاق واسع، خصوصاً في تركيا والدول الأوروبية وبعض الدول العربية، باستثناء لبنان والإمارات، حيث يوجد موالون للنظام.
وفي مقابل الحملات التي أطلقها النظام السوري، هناك حملات مضادة لتعرية هذه الانتخابات وكشف زيفها، أبرزها حملة يتجهز الائتلاف الوطني السوري المعارض لإطلاقها، وتحمل عنوان "الأسد للمحكمة لا للحكم"، وفق عبد المجيد بركات، عضو الهيئة السياسية في الائتلاف، الذي كان أوضح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هدف الحملة فضح النظام وكشفه، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه القرار 2254".
وأشار الصحافي السوري أيمن عبد النور، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الموقف الدولي من الانتخابات "واضح"، مضيفاً: لا تجري هذه الانتخابات وفق القرارات الدولية، ومن ثم لن تضيف أي شرعية على النظام، وسوف تستمر الضغوط الاقتصادية عليه ومحاولاته عزله دبلوماسياً. ويحاول النظام السوري إضفاء نوع من الصدقية على الانتخابات في محاولة لاستدرار اعتراف عربي وإقليمي ودولي بنتائج الانتخابات التي تجرى وفق دستور العام 2012، والذي دعا المجتمع الدولي إلى تغييره بالقرار 2254 فيما وضع النظام عراقيل حالت دون تنفيذ مقرراته.