بعد استئناف مفاوضات فيينا النووية، قبل أمس الاثنين، زاد زخم الحراك الدبلوماسي في أروقة فندقي "كوبورغ" و"ماريوت" في العاصمة النمساوية لدفع هذه المفاوضات إلى الأمام، في وقت يضغط فيه عامل الوقت على المفاوضين أكثر من ذي قبل للإسراع في التوصل إلى حلول للقضايا الخلافية للوصول إلى اتفاق نهاية الشهر الجاري أو مطلع فبراير/شباط.
وتشير تقارير غربية إلى أن الولايات المتحدة في ظل زيادة وتيرة تطور البرنامج النووي الإيراني غير راغبة في مواصلة المفاوضات بعد هذا التاريخ، إلا أن كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني، أصبح يكرر حديثه خلال الفترة الأخيرة بأن طهران لا تعير اهتماماً لـ"المهل المصطنعة".
واليوم الأربعاء، من المقرر أن يلتقي كبير المفاوضين الإيرانيين، في فندق "كوبورغ" منسق المفاوضات أنريكي مورا ورؤساء وفود لبعض أطراف مجموعة 1+4 الشريكة في الاتفاق النووي، هي الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وذلك بعد أن أجرى مساء الثلاثاء لقاءات مكثفة مع مورا ورؤساء الوفود الأوروبية.
إلى ذلك أيضاً، كشفت مصادر مواكبة لمفاوضات فيينا لـ"العربي الجديد" أنّ من المقرر أن يجري أعضاء مجموعة 1+4 باستثناء إيران مباحثات مع رئيس الوفد الأميركي روبرت مالي في فندق "ماريوت" مقابل فندق "كوبورغ" الذي يستضيف مفاوضات أطراف الاتفاق النووي.
كذلك سيلتقي نائب وزير الخارجية لكوريا الجنوبية، تشوي جونغ كان، اليوم الأربعاء، رؤساء الوفود المشاركة في المفاوضات، لبحث إمكانية الإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة لدى سيول بفعل العقوبات الأميركية.
مرحلة حساسة
في الأثناء، كشفت مصادر مطلعة مواكبة للمفاوضات في فيينا لـ"العربي الجديد" عن أن هذه المفاوضات قد دخلت "مرحلة حساسة خلال الأيام الثلاثة الأخيرة"، مشيرة إلى أن "النقاشات باتت تركز على مضامين القضايا العالقة بعد أن نجحت الأطراف في حصر وتحديد هذه القضايا على خلفية خلافات نشبت بين إيران والمجموعة الغربية إثر المقترحات الجديدة" التي قدمها الوفد الإيراني خلال الجولة السابعة، والتي أثارت غضب الأطراف الغربية التي وصفتها بأنها "انقلاب" على مسودات يونيو/حزيران الماضي، والتي توصلت إليها أطراف التفاوض في نهاية الجولة السادسة.
وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد" أن "الاجتماعات الثنائية أو متعددة الأطراف على مستوى رؤساء الوفود قد ازدادت كمّاً وكيفاً بشكل كبير خلال اليومين"، عازية السبب إلى أن "استمرار الخلافات حول القضايا العالقة على مستوى لجان الخبراء من دون إيجاد حلول لها، استدعى مناقشة القضايا الخلافية الأكثر أهمية على مستوى عالٍ بين رؤساء الوفود، وهذا ما أفضى إلى زيادة ملحوظة لاجتماعات رؤساء أطراف التفاوض".
طبيعة التقدم
أكدت المصادر أن "التقدم في ملفات التفاوض الأربعة من رفع العقوبات والمسائل النووية والتحقق والضمانات غير متوازن، لكنه مستمر ولو ببطء"، موضحة أن ملف رفع العقوبات لا يشهد "تقدماً ملحوظاً، والولايات المتحدة لم تُبدِ استعداداً بعد لتقديم تنازلات في هذا الملف أكثر مما فعلته في الجولة السادسة".
ولفتت إلى أنه "في موضوعي التحقق والضمانات، فالمجموعة الغربية وافقت مبدئياً على مطالب طهران بالتحقق من رفع العقوبات وتقديم ضمانات، لكن عند بحث هذه القضايا هناك خلافات عميقة".
وأضافت المصادر المواكبة للمفاوضات في فيينا لـ"العربي الجديد" أن "المجموعة الغربية (أميركا والترويكا الأوروبية) ترفض مطلب إيران بضرورة منحها مدة زمنية تستغرق أشهراً للتأكد من رفع العقوبات وعودة علاقاتها التجارية مع دول العالم إلى حالة طبيعية"، مشيرة إلى أن "المجموعة تقترح منح إيران أياماً لفترة التحقق".
وبينت المصادر أن "إيران قبلت بوقف بعض إجراءات نووية مثل تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية خلال فترة التحقق، إن حصل اتفاق، لكنها مصرة على أن امتثالها الكامل لجميع تعهداتها النووية المنصوص عليها بالاتفاق النووي يتوقف على تحققها الكامل من رفع العقوبات".
وقالت إن "الجانب الإيراني أيضاً يطالب بأن يتعهد الطرف الآخر بأنه بحال حدوث خلل في رفع العقوبات خلال فترة تنفيذ الاتفاق، أن يكون يحق له أيضاً اتخاذ خطوات عقابية (نووية) مماثلة"، مضيفة أنه بالنسبة إلى ملف الضمانات "لا توجد حلول عملية وواقعية، وهناك أفكار تجري مناقشتها في ظل تأكيد أميركي بعدم إمكانية إلزام أي إدارة أميركية مقبلة باستمرار الامتثال بالاتفاق".
وعن هذه الأفكار، قالت المصادر المطلعة المواكبة للمفاوضات لـ"العربي الجديد" إن "هناك فكرة بأن يتعهد جميع الأطراف باحترام الاتفاق المحتمل وتحديد آلية لمنح أي من الأطراف حقوقاً لاتخاذ إجراءات عقابية إذا انتهك أو انسحب الطرف الآخر من الاتفاق".
اتفاق مؤقت؟
كشفت المصادر لـ"العربي الجديد" عن أنه في ظل صعوبة التوصل إلى اتفاق سريع لإحياء الاتفاق النووي، هناك "ثمة أفكار باتت تطرح مع بدء الجولة الثامنة من المفاوضات، (يوم 27 ديسمبر)"، موضحة أن "من أهم هذه الأفكار هو أن يقوم كل من الطرفين (الأميركي والإيراني) بإجراءات تسهيلية بموازاة استمرار المفاوضات، وذلك لإظهار حسن النيات وبناء الثقة".
ومن الأفكار، حسب المصادر، "إفراج الولايات المتحدة الأميركية عن أرصدة إيرانية مقابل وقف طهران أنشطة نووية لفترة زمنية محددة لتخفيف ضغط عامل الوقت على المفاوضات إلى أن يجري التوصل إلى اتفاق".
وأشارت إلى أن "طهران لم تُبدِ بعد تجاوباً مع هذا المقترح"، مع الحديث عن أن "أهم ما يطالب به الطرف الأميركي والأوروبي في إطار اتخاذ إجراءات ثنائية، وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة حالياً لفترة مؤقتة لقاء الإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة".
وفي السياق، كشفت المصادر المواكبة للمفاوضات في فيينا لـ"العربي الجديد" عن أن زيارة نائب وزير الخارجية الكوري الجنوبي تشوي جونغ كان، لفيينا لإجراء مباحثات مع أطراف المفاوضات "جاءت بدعوة أميركية لهذا الغرض"، مبينة أنه "في حال الاتفاق على اتخاذ إجراءات متبادلة مع استمرار المفاوضات، فمن شأن ذلك أن يساهم في ترطيب الأجواء ويدفع الوضع نحو صفقة نهائية لإحياء الاتفاق النووي".
ولفتت المصادر إلى أن أطراف المفاوضات تفكر أيضاً في دفع مفاوضات أخرى لإبرام صفقة تبادل للسجناء بين إيران مع كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا إلى الأمام باتجاه إنهاء الصفقة، علماً بأن هذه المفاوضات كانت تجري خلال الجولات الست الأولى بموازاة المفاوضات النووية، واقتربت الأطراف من إتمام صفقة، لتبادل السجناء مع الإفراج عن 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج، لكن الصفقة لم تنجز وسط اتهامات إيرانية للولايات المتحدة وبريطانيا بربطهما إنجازها بالتوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي.
ولا تعلن طهران حجم أرصدتها في الخارج، التي جمدتها الدول التي تربطها علاقات تجارية مع إيران بفعل العقوبات والضغوط الأميركية، وهذه الأموال هي بالأساس عوائد صادراتها من النفط خلال السنوات الماضية بعد التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015.
لكن تقارير إعلامية تقدر هذه الأموال بنحو 140 مليار دولار، منها نحو 5 مليارات دولار في العراق، و3 مليارات دولار في اليابان، و8 مليارات دولار في كوريا الجنوبية.
واليوم، بموازاة زيارة المسؤول الكوري الجنوبي لفيينا، لبحث إمكانية الإفراج عن الأرصدة الإيرانية، أعلن المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد موسى، أن العراق مستعد لدفع جميع استحقاقات إيران (الأرصدة المجمدة)، مشيراً إلى أن الحكومة العراقية ستحول هذه الأموال قريباً إلى صندوق الائتمان لدى البنك التجاري العراقي.
وأكدت المصادر المواكبة للمفاوضات في فيينا لـ"العربي الجديد" أن "الأسبوعين المقبلين مهمان للغاية لمعرفة وجهة المفاوضات وعمّا إذا كانت تتجه نحو اتفاق أو لا".