مصادر عسكرية إسرائيلية: نستهدف المدنيين بكثافة بهدف الردع وتكريس الصدمة لدى الفلسطينيين
أقرت مصادر استخبارية وضباط كبار في سلاح الجو الإسرائيلي بأن جيش الاحتلال يحرص، في الحرب التي يشنها على قطاع غزة، على استهداف المدنيين الفلسطينيين بكثافة وعلى نطاق واسع، بهدف "مراكمة الردع" وتكريس الصدمة لدى المجتمع الفلسطيني.
ونقل تحقيق نشره موقع "سيحا مكوميت" الإسرائيلي أمس الخميس، عن المصادر الاستخبارية، أنّه على الرغم من أن جيش الاحتلال يحرص على الإشارة إلى هدف عسكري في الملف المتعلق بالجهة المستهدفة بالقصف، إلا أنه يوظف الإشارة إلى الهدف العسكري "كوسيلة لتبرير ضرب التجمعات السكانية المدنية الفلسطينية".
وبحسب هذه المصادر التي كانت على علاقة مباشرة بإعداد بنوك الأهداف في الحروب والعمليات العسكرية التي يشنها جيش الاحتلال ضد قطاع غزة، فإن الاحتلال أدرك أن ضرب التجمعات المدنية الفلسطينية هو الهدف الحقيقي لعمليات القصف.
ونقل التحقيق الذي أعده الصحافي يوفال أبراهام، عن مسؤول كبير سابق في الاستخبارات الإسرائيلية، قوله إنّه "نظراً لأن حركة حماس متجذرة في النسيج الاجتماعي الفلسطيني، فإن هذا يوفر لجيش الاحتلال المسوغات لضرب الأهداف المدنية، لا سيما البنايات والأبراج السكنية، من منطلق أن أي برج أو بناية لا يخلو من وجود شخص يرتبط بهذه الحركة، ما يفسر حجم الاستهدافات الواسعة للمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة".
ووفقاً للتحقيق ذاته، فإن التذرع بوجود عناصر لحماس يمنح جيش الاحتلال الفرصة لبلورة عدد لانهائي من الأهداف المدنية، التي تُضرب عبر غارات جوية بكثافة وبعنف شديد خلال العمليات العسكرية.
ولفت التحقيق إلى أن العقيدة الأمنية التي تؤصل وتبرر استهداف المدنيين هي "عقيدة الضاحية"، التي بلورها جيش الاحتلال خلال حرب لبنان الثانية في 2006، والتي تجسدت بشكل خاص في استهداف المرافق المدنية، وبشكل خاص في الضاحية الجنوبية من بيروت، التي تضم العمق الجماهيري المدني لـ"حزب الله".
وأعاد التحقيق إلى الأذهان حقيقة أن الذي بلور "عقيدة الضاحية" هو قائد شعبة العمليات في جيش الاحتلال جادي إيزنكوت خلال حرب لبنان الثانية، وهو عضو المجلس الوزاري المصغر لشؤون الحرب حالياً، والذي أكدت مصادر إعلامية إسرائيلية أنه يدير شؤون الحرب الحالية على غزة إلى جانب وزير الأمن يوآف غالانت.
وبالاستناد إلى "عقيدة الضاحية"، يسمح جيش الاحتلال بقصف منازل وبنايات سكنية حتى مع علمه أن عائلات كاملة ستلقى حتفها في القصف.
واستند التحقيق إلى مصادر استخبارية وعسكرية إسرائيلية تؤكد أن جيش الاحتلال يعرف على وجه الدقة عدد المدنيين في كل منزل، "ومع ذلك يسمح بشن الغارات على هذه البيوت التي تفضي إلى إبادة عائلات كاملة".
وأكدت المصادر أنه في إحدى الحالات، أقر جيش الاحتلال باستهداف مئات المدنيين الفلسطينيين بحجة استهداف مسؤول في حركة حماس، مضيفةً أن جيش الاحتلال وسع بشكل كبير من ضرب الأهداف غير العسكرية، مثل المؤسسات العامة والأبراج السكنية والمنازل.
وربط التحقيق بين استخدام "عقيدة الضاحية" على نطاق واسع في الحرب الحالية التي تشنها إسرائيل على غزة، وبين العدد الكبير من الشهداء في أوساط الأطفال والنساء في القطاع، حيث أشار إلى أنه "حتى إعداد هذا التحقيق، فإن 300 عائلة فلسطينية فقدت أكثر من عشرة من أفرادها، وهو عدد يفوق بـ15 ضعفاً عدد هذه العائلات في الحروب والعمليات العسكرية التي سبق أن شنتها إسرائيل على القطاع".
وأكد مصدر عسكري إسرائيلي أن أحد قادة الاستخبارات في إسرائيل قال، في لقاء مع ضباط بعد عملية "طوفان الأقصى"، إنّ هدف الحرب على غزة هو "قتل عدد كبير من عناصر حماس"، مشيراً إلى أن هذا ما يفسر "التسهيلات" التي منحها الجيش لسلاح الجو في استهداف المدنيين غير المرتبطين بالفعل العسكري.
وأردف المصدر قائلاً إنّه "في بعض الحالات، نقوم بتفجير المنازل والبنايات بشكل غير دقيق لأننا لا نعرف بالضبط مكان وجود الشخص المستهدف، لذا نوسع دائرة القصف من أجل ضمان قتله، مع أنه يمكننا التعرف على مكان وجود الهدف بالضبط لو قمنا ببذل جهود إضافية".
وشدد على أن الغارات التي ينفذها جيش الاحتلال في غزة حالياً تتعارض بشكل كامل مع المعايير التي ضبطت سلوكه في الحروب والعمليات العسكرية السابقة التي شنها على القطاع.
وأضاف: "هناك إحساس بأن قادة الجيش يعون حجم فشلهم في منع أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وهم مشغولون بتوفير صور للجمهور الإسرائيلي تضمن إنقاذ مكانتهم لديه"، على حد تعبير المصدر.
وواصل المصدر إبرازه مظاهر استخفاف قادة جيش الاحتلال بأرواح المدنيين الفلسطينيين قائلاً: " لا يحدث شيء بالصدفة، فعندما تقتل طفلة عمرها 3 سنوات في بيت في غزة، فإن هذا يعني أن أحداً في الجيش الإسرائيلي قد قرر أن قتلها لا يضر، وأن هذا ثمن يمكن دفعه مقابل المس بالهدف"، مشيراً إلى أنه بخلاف صواريخ حركة حماس التي تفتقر إلى دقة الإصابة، فإن القنابل والصواريخ التي تحملها طائرات الاحتلال موجهة بدقة، "فهم (الجيش) يعرفون حجم الأضرار الجانبية للقصف بالضبط".
واقتبس التحقيق بياناً صادراً عن الناطق بلسان جيش الاحتلال، قال فيه إنّه في الأيام الخمسة الأولى من الحرب على غزة، كانت نصف الأهداف التي ضربت مدنية، وبلغت 1329 هدفاً من أصل 2687.