يتجدد الجدل في الأوساط السياسية المصرية بشأن توريث المقاعد النيابية، بعد أداء النائبة رغدة عبد السلام نجاتي اليمين الدستورية الأسبوع الماضي، عضواً في مجلس النواب المصري، خليفة لوالدتها النائبة الراحلة ابتسام أبو رحاب.
توارث المقاعد في البرلمان المصري
وخلال جلسة عامة لمجلس النواب المصري الإثنين الماضي، أدت عبد السلام نجاتي اليمين الدستورية بعد تلاوة رئيس البرلمان حنفي جبالي، إخطار الهيئة الوطنية للانتخابات بأن تحل مكان النائبة الراحلة عن دائرة شمال ووسط وجنوب الصعيد، ومقرها محافظة الجيزة، في أعقاب تلقي المجلس إخطاراً من وزارة الداخلية بوقوع حالة الوفاة، تمّ بعدها إعلان خلو المقعد وإخطار الهيئة.
وتوفيت أبو رحاب في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد إصابتها بأزمة صحية. والراحلة شغلت منصب أمينة المرأة في حزب "مستقبل وطن"، ورئاسة فرع المجلس القومي للمرأة في محافظة الوادي الجديد منذ عام 2000، على مدى 7 سنوات متتالية.
جدّد توريث المقاعد النيابية الحديث عن التقارير التي صاحبت تشكيل مجلس النواب الحالي عام 2020
وأبو رحاب سيدة أعمال، حاصلة على بكالوريوس الهندسة المدنية من جامعة أسيوط. انتخبت في نهاية عام 2020 عن محافظة الوادي الجديد على القائمة التي يرعاها حزب "مستقبل وطن"، المدعوم من نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي وأجهزته الأمنية، وشغلت عضوية لجنة الإسكان في مجلس النواب الحالي.
وخلال شهر سبتمبر/أيلول 2020، تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي شيكاً موقعاً باسم أبو رحاب لصالح الأمانة المركزية لـ"مستقبل وطن" بقيمة 10 ملايين جنيه (حوالي 368 ألف دولار - لم تنفِ صحته)، من أجل إدراج اسمها في قائمة الحزب عن قطاع الصعيد، في ما عُرف حينها بـ"الرشى الانتخابية" لخوض الانتخابات.
الجدل الذي جددته النائبة رغدة عبد السلام كان قد ظهر في وقت سابق عندما خلفت النائبة أسماء سعد، والدها اللواء سعد الجمال، عضو مجلس النواب في قطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد. وكان قد سبق سعد بأيام قليلة، أداء النائبة آية فوزي اليمين الدستورية نائبة عن دائرة أجا بمحافظة الدقهلية خلفاً لوالدها فوزي فتي الذي وافته المنية.
وتنص المادة 25 من قانون مجلس النواب المصري على أنه "إذا خلا مكان أحد الأعضاء المنتخبين بالنظام الفردي قبل انتهاء مدة عضويته بـ6 أشهر على الأقل أجري انتخاب تكميلي، فإن كان الخلو لمكان أحد الأعضاء المنتخبين بنظام القوائم، حل محله أحد المرشحين الاحتياطيين وفق ترتيب الأسماء الاحتياطية من ذات صفة من خلا مكانه ليكمل العدد المقرر، فإن كان مكان الاحتياطي من ذات الصفة خالياً، يصعد أي من الاحتياطيين وفق أسبقية الترتيب أياً كانت صفته".
أسباب ظاهرة التوريث
وجدّد توريث المقاعد النيابية الحديث عن التقارير التي صاحبت تشكيل مجلس النواب الحالي عام 2020، وقيام عدد من المرشحين على القائمة الوطنية بدفع مبالغ مالية ضخمة، وصلت في بعض التقديرات إلى نحو 30 مليون جنيه، من أجل ضمان الالتحاق بـ"القائمة الوطنية من أجل مصر" المرشحة للبرلمان والمشكلة من عدد من الأحزاب المقربة من السلطة وعلى رأسها "مستقبل وطن"، وهي القائمة التي أشرفت على تشكيلها أجهزة أمنية.
وأعاد نشطاء على مواقع التواصل، نشر خبر اعتقال قوات الأمن في أكتوبر 2020، المحامي طارق جميل، المقرب من النظام السياسي، بعد نشره مقطع فيديو أكد فيه أن "مقاعد مجلسي النواب والشيوخ لمن يدفع أكثر". وخلال الفيديو، شنّ المحامي المعروف هجوماً حاداً على النظام والأجهزة التي تشرف على إدارة العملية الانتخابية الخاصة بانتخابات مجلسي النواب والشيوخ. وقال: "ما أثير عن كوتة تضمن حقوق بعض الفئات مثل الشباب والنساء، محض كذب، لأن المقعد في النهاية لمن يدفع أكثر".
في مقابل ذلك، قال قيادي حزبي في أحد أحزاب الحركة المدنية، إن ظاهرة توريث المقاعد النيابية تستلزم تعديلاً تشريعياً للحفاظ على الحياة السياسية المصرية، مؤكداً أن هذا التعديل يجب أن يطرح على مائدة الحوار الوطني.
قيادي حزبي دعا إلى طرح المسألة على طاولة الحوار الوطني
واقترح القيادي الحزبي أن يتم منع وجود علاقات قرابة داخل القوائم الانتخابية حتى الدرجة الثالثة على الأقل، وذلك لمنع الفساد والرشاوى التي يجري دفعها لمسؤولين في الأجهزة الأمنية المشرفة على تشكيل القوائم الانتخابية. ولفت إلى أن ذلك يهدف إلى ضمان تنوع القائمة وانضمام دماء جديدة، حتى ولو كانت هذه الدماء الجديدة من إنتاج الأجهزة الأمنية، بحد تعبيره.
من جهته، رأى نائب عن أحد أحزاب ما يعرف بـ"معارضة معسكر 30 يونيو"، إن الحالات الثلاث التي أثارت الجدل، ليست وحدها التي تشمل ثلاثة من أبناء النواب الحاليين على القوائم الاحتياطية، مشيراً إلى أن هناك نحو 10 حالات أخرى. ولفت إلى أن هذه الظاهرة هي نتاج الأموال الطائلة التي دفعها عدد من كبار رجال الأعمال وأعضاء الحزب الوطني القديم الذي تمّ حله عقب ثورة 25 يناير، لدخول مجلس النواب، وضمان الحفاظ على المقاعد لأبنائهم في حال حدوث أي طارئ.
ولفت النائب المصري إلى أن الظاهرة لا تقتصر فقط على أبناء رجال الأعمال، ولكنها انتقلت إلى بعض السياسيين الذين كانوا يوصفون في أوقات سابقة وإبان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك بالمعارضين، حيث اشترط بعض قادة الأحزاب التي كانت توصف بالمعارضة، دخول أبنائهم وذويهم إلى مجلسي الشيوخ والنواب، عندما طلب منهم من جانب الأجهزة الأمنية المشرفة على تشكيل القائمة الوطنية ترشيح أسماء من قيادات تلك الأحزاب لإضفاء صبغة التنوع على القائمة.
ولفت المصدر إلى وجود 6 من عائلة واحدة، موزعين ما بين مجلسي الشيوخ والنواب، حيث اشترط رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، ترشيح نجله (سامح) على القائمة الخاصة بمجلس الشيوخ، وذلك إضافة إلى اثنين من أبناء إخوته، أحدهما في مجلس النواب فردي، والآخر في مجلس النواب قوائم احتياطي، وأخ آخر معيّن في الشيوخ.
ومن بين "النماذج الفجّة" أيضاً وفقاً للنائب الذي تحدث لـ"العربي الجديد" شرط عدم ذكر اسمه، عائلة أبو شقة، حيث يشغل بهاء أبو شقة منصب وكيل مجلس الشيوخ في الوقت الراهن، بعد ما تم ترشيحه على القائمة حيث كان يشغل وقتها منصب رئيس حزب الوفد، بينما كانت ابنته (أميرة) مرشحة على القائمة الخاصة في مجلس النواب، حيث تشغل في الوقت الراهن عضوية المجلس.