كشفت مصادر مصرية مقرّبة من اللجنة الوطنية المعنية بالملف الليبي، التابعة لجهاز المخابرات العامة، تفاصيل تحركات مصرية جرت خلال الأيام الماضية، من أجل ما وصفته بإنقاذ حكومة فتحي باشاغا، التي أدت اليمين، أول من أمس الخميس، أمام مجلس النواب في طبرق شرقي ليبيا.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إن التحالف الذي ضم باشاغا ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وقائد مليشيات شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، كان مهدداً بالانهيار خلال الأيام التي سبقت أداء الحكومة لليمين أمام مجلس النواب، بسبب الخلافات حول الحصص المتعلقة بالحقائب الوزارية، وتبعية حامليها لبعض الأطراف.
وأوضحت المصادر، أن عقيلة صالح، كاد أن يعطل الأمر برمته بسبب تجاهل مرشحه لمنصب نائب رئيس الحكومة الممثل لشرقي ليبيا، واختيار علي القطراني المحسوب على حفتر.
وأشارت إلى أن رئيس مجلس النواب، أبدى استياءه خلال لقائه في القاهرة أخيراً رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، بسبب ما سماه بسيطرة حفتر الكاملة على مراكز قوة الحكومة من خلال نائبي رئيس الوزراء، واستحواذ تابعين له على وزارات الدفاع والمالية والعدل، في حين أنه لم يتم مراعاة ملاحظاته على الرغم من الدور الكبير الذي قاده في مجلس النواب.
لقاءات مصرية مع نجلي خليفة حفتر
وكشفت المصادر أنه قبل أداء حكومة باشاغا اليمين بيومين فقط، طلبت مصر عقد لقاء مع ممثلي حفتر، مشيرة إلى أنه حضر كل من صدام وبلقاسم، نجلا حفتر، والتقيا في القاهرة باللواء أيمن بديع رئيس اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي، في محاولة لإزالة الاحتقان وتفويت الفرصة أمام المحاولات الرامية لعرقلة الخطوة، مؤكدين أن فشل باشاغا في إعلان تشكيلة حكومية وحصولها على ثقة البرلمان، ستكون عواقبه وخيمة على الجميع في الشرق الليبي.
وأوضحت أنه خلال اللقاء أبدى نجلا حفتر التمسك بموقف والدهما الذي اشترط حيازة المناصب الخمسة وهي: نائبا رئيس الوزراء عن الجنوب والشرق، والحقائب السيادية الثلاث، من أجل مباركة الحكومة الجديدة، وذلك قبل أن تعاود مصر اتصالاتها مرة أخرى بعقيلة صالح لإقناعه بتقديم تنازلات، خصوصاً في ظل المخاوف من حالة الاختراق التركية لمعسكر الشرق الليبي أخيراً.
القاهرة لم تبد مخاوف من توسع نفوذ حفتر في حكومة باشاغا
وبحسب المصادر، فإنه أمام الوساطة المصرية، تخلى عقيلة صالح عن تمسكه بترشيح مدير مكتبه عبد الله المصري كنائب لرئيس الوزراء عن المنطقة الشرقية.
وقالت المصادر إن القاهرة لم تبد مخاوف من توسع نفوذ حفتر في حكومة باشاغا، لاعتقاد الدوائر المصرية المعنية بالملف الليبي أن تلك الخطوة بمثابة رمانة ميزان، لضمان ولاء باشاغا نفسه، وعدم تغيير موقفه لاحقاً، أو تبعيته إلى معسكر مناوئ للقاهرة، بحال حدوث أي تفاهمات في هذا الشأن.
وأكدت أن سيطرة شرق ليبيا على الحكومة من خلال الاستحواذ على المناصب الهامة وعلى رأسها وزارة الدفاع بمثابة عنصر اطمئنان للقاهرة، التي تعتقد أن القوى الغربية ستضطر إلى الاعتراف بالحكومة المجازة من مجلس النواب.
وبحسب المصادر، تسعى مصر لبناء تحالف قوي تضمن ولاءه في ليبيا، خصوصاً في ظل حالة التقارب التي حدثت أخيراً بين تركيا التي تملك نفوذاً واسعاً في غربي ليبيا، والإمارات التي تملك تأثيرا على مكونات شرقي ليبيا، ما دفع أنقرة إلى تخفيض جهودها لتطبيع العلاقات مع القاهرة، بعدما كان الملف الليبي الأبرز على طاولة المفاوضات بين البلدين.
وأوضحت المصادر أن مصر في إطار مساعيها التي تأتي بالتنسيق مع فرنسا، تواصلت مع قادة مجموعات عسكرية تتمتع بثقل في غرب ليبيا، في محاولة لتمكين باشاغا وحكومته من الاستحواذ على المقرات الحكومية في العاصمة طرابلس.
وكشفت أن اتصالاً "مؤمناً" جرى مع هيثم التاجوري قائد كتيبة ثوار طرابلس، إحدى المجموعات المسلحة في العاصمة، التي تم تأمين دعمها لباشاغا، بهدف بحث مجموعة من الخطوات التي يمكن ترتيبها وإحداث خلخلة أمنية تكون مدخلاً لوصول رئيس الحكومة الجديدة إلى مقر رئاسة الحكومة، وتحريك مخاوف القوى الغربية من عودة الصراع المسلح مجدداً إلى الساحة الليبية.
دعت وليامز لوضع قاعدة دستورية توافقية تمهد الطريق للانتخابات
وكانت حكومة باشاغا قد أدت اليمين الدستورية أمام مجلس النواب المنعقد في طبرق شرق ليبيا في جلسة واكبتها اتهامات لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة باحتجاز اثنين من وزراء حكومة باشاغا لمنعهما من حضور جلسة أداء اليمين، بالإضافة إلى إغلاق المجال الجوي أمام الطيران المدني، ما تسبب بتأخير وصول عدد من الوزراء.
محاولة لستيفاني وليامز لإحياء "القاعدة الدستورية"
وعقب جلسة أداء حكومة باشاغا اليمين الدستورية، ومع حشد مليشيات بالعاصمة طرابلس، حاولت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة إلى ليبيا ستيفاني وليامز نزع فتيل الأزمة.
وأطلقت وليامز مبادرة تتضمن مشاورات بين مجلسي النواب والأعلى للدولة لوضع قاعدة دستورية تمهد الطريق لإجراء الانتخابات. وذكرت في سلسلة تغريدات عبر حسابها على "تويتر"، أنها وجهت رسائل إلى رئاسة مجلسي النواب والأعلى للدولة، لدعوتهما لتسمية ستة ممثلين عن كل مجلس لتشكيل لجنة مشتركة مكرسة لوضع قاعدة دستورية توافقية.
وبحسب وليامز، فإن اللجنة المشتركة المقرر تشكيلها من المجلسين، ستجتمع تحت رعاية الأمم المتحدة وبمساعٍ منها للعمل لمدة أسبوعين لتحقيق هذا الهدف، مشيرة إلى أنها تنتظر "الرد السريع" من المجلسين على هذه الدعوة.
وصعّدت المجموعات المسلحة من وتيرة الحشد العسكري في الساعات الأخيرة، وتعرضت لعدد من الوزراء الليبيين الجدد في حكومة باشاغا، ما يحذر من احتمالية تصاعد وتيرة الأحداث في الفترة المقبلة.
وحذرت مصادر ليبية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، من "مغبة الانقسام السياسي الشديد في ظل انشغال العالم بأزمة الحرب الروسية الأوكرانية".
وقالت إن الجانب الروسي من الممكن أن يستغل الساحة الليبية لمعاقبة المعسكر الأميركي التركي هناك. وأضافت المصادر أنه على الرغم من سحب روسيا قوات من المرتزقة التابعة لشركة "فاغنر"، إلا أنها لا تزال تمتلك من القوات ما يسمح لها بتنفيذ عمليات تخريبية تهدد استقرار البلاد، وتهدد بقاء حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس.
وفي الوقت ذاته، أكدت المصادر أنه في مقابل ذلك "تتمتع حكومة الدبيبة بدعم قوي من المليشيات المتمركزة في طرابلس والمنتشرة أيضاً في وسط ليبيا، وهو ما يهدد بعودة الصدام من جديد، ودخول البلاد في دوامة العنف مجدداً".