كشفت مصادر دبلوماسية مصرية، أن دائرة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي ووزارة الخارجية تلقتا رسائل من الإمارات والسعودية تبدي قلق البلدين من التقارب المصري الإيراني الحالي، وتطور الاتصالات بين البلدين وبين القاهرة وحزب الله خلال الأسابيع الماضية. وتنطلق الرسائل من خلفية القلق المتزايد في البلدين الخليجيين من تطور الأحداث الأخيرة، بعد ضرب ناقلة النفط "ميرسر ستريت" في بحر العرب، والتهديدات الأميركية البريطانية الإسرائيلية لإيران باتخاذ إجراءات خانقة. وذكرت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن من أسباب قلق البلدين انفصال مسار الاتصالات المصرية الإيرانية عن مسار المفاوضات الأخيرة بين الرياض وطهران، واكتنافها بالسرية الفائقة من السلطات في مصر وإيران. كما أبدى البلدان خشيتهما من تطور التنسيق بين مصر، والعراق، والأردن بدعم إيراني، مما يقوّض مساعي كل منهما في بسط السيطرة على المحيط الإقليمي.
تعتبر مصر أن هناك ملفات مع إيران غير مرتبطة بأمن الخليج
وأوضحت المصادر أن هناك دوائر في كلا البلدين ترى أن علاقة اللاسلم واللاحرب التي كانت قائمة لعقود بين القاهرة وطهران، من شأنها زيادة قدرة السعودية والإمارات على مواجهة طموحات إيران الاستراتيجية في المنطقة، وكذلك الحد من قدرة مصر على التدخل في ملفات عدة، الأمر الذي يبدو في طور التغيير حالياً.
وبحسب المصادر، فإن الاتصالات تعدت التنسيق لاتخاذ مواقف متقاربة من الملفات المختلفة، إلى حديث أوسع عن التعاون الأمني وكيفية مساهمة مصر سياسياً واقتصادياً في مجالات مختلفة في سورية، ولبنان، واليمن. وشملت المباحثات تطوير التعاون في مجالات الطاقة مع إيران والعراق، وتبادل الاستثمارات، فضلاً عن بحث اتخاذ خطوات فعلية لرفع مستوى التبادل الدبلوماسي. وذكرت المصادر أن مصر ردت على رسائل القلق الخليجي ومحاولات الضغط التي بُذلت عبر بعض وسائل الإعلام المملوكة للإمارات وشبكة إخبارية سعودية، بالحديث عن مساهمة مصرية محتملة في حماية الأمن الخليجي كجزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، كما يعلن السيسي دوماً. وأبدت القاهرة استعدادها لاستغلال أي تطور في العلاقة مع طهران لمصلحة أبوظبي والرياض، ولكن من دون الانتقاص من حقها الخاص في تعدد علاقاتها الإقليمية وبحث تنويع مصادر التعاون في المجالات الاقتصادية تحديداً.
واستطردت المصادر: "ليس من الدقيق الحديث عن اشتراط مصر وقف التعدي على الأمن الخليجي لاستمرار التواصل مع إيران، فالرؤية مستقرة على أن هذا التواصل سيساهم في وقف التهديدات بشكل أو آخر، وقد أُبلغت الرياض وأبوظبي بذلك. كما أن هناك ملفات تقتضي التواصل المباشر بين البلدين لحل الأزمات، ومنها لبنان، ولا علاقة مباشرة لها بالأمن الخليجي". وأشارت المصادر إلى أن محاولات عرقلة التقارب المصري مع دول كإيران، وتركيا، وقطر، متعددة الأوجه من خارج القاهرة، وكذلك عبر مجموعات داخل الأجهزة السيادية الرئيسية بالداخل، مدفوعة بعلاقات وطيدة على المستوى الشخصي مع الإمارات، أو السعودية، أو بالقلق من فقدان النظام للدعم الأساسي من البلدين. ويعتبر الأمر محل خلاف داخل تلك الأجهزة، إذ ترى مجموعات أخرى أن البلدين في حالة تمنعهما من التخلي عن السيسي أو الضغط عليه، وأن أوراقهما الإقليمية تعرضت للاستنزاف وأن تعدد العلاقات لا يصب فقط في مصلحة مصر إقليمياً، بل أيضاً سيكسبها أهمية في نظر العواصم الغربية الرئيسية والإدارة الأميركية الجديدة.
وحول التوقيت الذي يمكن أن تخرج فيه هذه الاتصالات إلى النور وتترجم إلى قرارات عملية، قالت المصادر إنه بالمغايرة لما يشهده مسار المفاوضات مع تركيا من تعطيل تكتيكي بين البلدين وبعض الخلافات على الشأن الليبي تحديداً، فإنه لم تثر أي خلافات بين الرؤى المصرية والإيرانية حول القضايا الأساسية، بما في ذلك أمن وسلامة الملاحة في البحر الأحمر. وبالتالي فإن التوقيت محكوم بتطورات علاقة السيسي بالإمارات والسعودية فقط ومدى إمكانية تجاوز الحساسيات التي قد تنشأ في هذا السياق، مؤكدة في الوقت نفسه "أنه لا توجد عجلة من الجانب المصري، وإيران تعي جيداً أهمية ذلك لاستمرار تمكنها من أداء أدوار قد لا يمكن لدولة أخرى القيام بها، خصوصاً في لبنان واليمن".
الاتصالات تعدت التنسيق لاتخاذ مواقف متقاربة من الملفات المختلفة، إلى حديث أوسع عن التعاون الأمني
وحتى اتخاذ قرار خروج الاتصالات إلى النور، في شكل لقاء علني بين وزيري خارجية البلدين أو على المستوى الاستخباراتي، فستظل المقاربة المصرية للملف مزدوجة بين التصريحات العلنية المتحفظة التي تطابق إلى حد بعيد الموقفين الإماراتي والسعودي، والتنسيق السري على عدة مستويات، بمشاركة من الأجهزة السورية وحزب الله، بحسب المصادر ذاتها. ومنذ أيام فقط أدلى السفير المصري في واشنطن معتز زهران، بتصريحات رسمية اتهم فيها إيران بالسعي لتدمير الأصول المملوكة للدول العربية في أنحاء المنطقة وأنه يجب مواجهة ذلك، وأن هذا الأمر مشكلة كبرى إلى جانب الملف النووي لطهران، داعياً الإدارة الأميركية للتعامل مع القضيتين على أساس تشابكهما.
وسبق أن رحبت وزارة الخارجية الإيرانية رسمياً بمشروع التعاون الثلاثي بين العراق والأردن ومصر، المعروف إعلامياً باسم "الشام الجديد". مع العلم أن مصادر مصرية كشفت لـ"العربي الجديد" الشهر الماضي، أن مصر وإيران بدأتا بالتواصل بناء على مقاربة جديدة للسياسة الخارجية المصرية، تقودها مستشارة السيسي للشؤون الخارجية فايزة أبو النجا.