على بُعدِ ساعات فاصلة من الاستحقاق الرئاسي في لبنان، يعمل المرشحان لرئاسة الجمهورية، سليمان فرنجية وجهاد أزعور، على مخاطبة القواعد الشعبية والنيابية، وعرض تصوّراتهما الإنقاذية لأزمة البلاد، وسط احتدام المنافسة بينهما، رغم أن الاثنين يعدّان من صلب المنظومة السياسية، وليسا وافدَيْن جُدد إلى السلطة.
وقبيل الجلسة الرئاسية الـ12، ترجح مختلف الأوساط السياسية عدم انتخاب رئيس بعد غدٍ الأربعاء، في ظلّ استحالة تأمين أي من المرشحين 86 صوتاً في الدورة الأولى، وقيام حزب الله وحلفه السياسي بتطيير نصاب الدورة الثانية (86 من أصل 128 نائباً)، وقد رفع منسوب هذه المشهدية تأكيد زيارة الوفد الفرنسي الخاص جان إيف لودريان الأسبوع المقبل، وفق إعلان وزير خارجية لبنان في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب، ما يفتح الأنظار أكثر إلى مبادرة فرنسية قد تكون جديدة، وتدور حول مرشح ثالث توافقي، بعد تعذر تأمين التوافق على فرنجية.
وخرج وزير المال السابق جهاد أزعور، المدعوم من القوى المعارضة لرئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، مرشح "حزب الله" و"حركة أمل" (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري)، ببيان اليوم الاثنين، أعلن فيه عن رؤيته الرئاسية الإنقاذية، والتزامه بالتغيير، ومدّ يده للحوار، مؤكداً أنه ليس تحدياً لأحد، وترشيحه هو دعوة إلى الوحدة، والبحث عن جوامع مشتركة للخروج من الأزمة.
ودعا أزعور إلى "التعالي على الاصطفافات والاعتبارات الضيقة".
ويأتي بيان أزعور في وقتٍ أعلن فيه فرنجية، أمس الأحد، رسمياً، ترشحه للرئاسة، مصوّباً على القوى المعارضة، ومن خلفها أزعور.
وتوقف فرنجية، الذي لوح مرة جديدة بانسحابه لصالح مرشح وطني جامع، عند سياسات أزعور المالية الضرائبية السابقة إبان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، التي عارضها وانتقدها أغلب مؤيديه اليوم، على رأسهم "التيار الوطني الحر" (يرأسه النائب جبران باسيل)، والتغييريون.
من جهته، قال أزعور: "لا أريد لترشيحي أن يكون تقاطع الحد الأدنى بين مواقف ومشاريع القوى السياسية المختلفة، بل تلاقي الحد الأقصى بين أحلام اللبنانيين واللبنانيات، بوطن نستحقه جميعاً، سيداً حراً مستقلاً مزدهراً". ورأى أن مشاكل لبنان ليست سهلة الحل، لكنها قابلة للمعالجة، مشدداً: "كلنا معنيون بفك عزلة لبنان".
وأعرب عن أمله أن يكون ترشيحه "ملهماً للأمل لا سبباً للخوف، ومساهمة في الحل وليس عنصراً يضاف إلى عناصر الأزمة والاستعصاء".
وأعلن أزعور، المعلق عمله حالياً في صندوق النقد الدولي، بأن يده ممدودة للحوار مع جميع المكونات والقوى السياسية الشريكة في الوطن على قاعدة التلاقي، لتحقيق إجماع وطني يحتاجه لبنان أكثر من أي وقتٍ مضى. وقال: "أنا هنا في مهمة بسيطة وكبيرة في آن واحد، هي الخروج في أسرع ما أمكن من الوضع الشاذ الذي نحن فيه، والتأسيس لمستقبل مزدهر".
وقال أزعور، في استعراض رؤيته الإنقاذية، إنها تتضمن "الاستقلال التام عن أي تدخلات خارجية، وحماية الأرض والسيادة الكاملة، وإعادة الاعتبار للدولة ومؤسساتها والتزام الدستور، وتحصين وثيقة الوفاق الوطني من خلال تطبيقها كاملة بكل مندرجاتها".
ووعد بالتعاون مع الجميع على "إعادة وصل ما انقطع مع محيطنا العربي ومع دول العالم الأخرى"، مشددا على أنه "ملتزم بقيادة هذا التغيير، الذي لا يمكن فعله لوحدي".
وتشهد الساحة السياسية في لبنان خلية تجميع أصواتٍ نيابية على طرفي "حزب الله" و"حركة أمل"، ومعارضيهما، وذلك قبيل جلسة الأربعاء، التي رغم توقعات شبه حاسمة بأنها لن تضع حدّاً للشغور الرئاسي، بيد أنها ستكشف لعبة الأحجام، وقدرة كل مرشح العددية.
وفي وقتٍ لم يحسم عددٌ من النواب اسم مرشحهم للرئاسة، ما من شأنه أن يؤثر في العملية الحسابية، يعمل الفريق المعارض لفرنجية على حثّ بعض النواب من صفوف "التغيير" والمستقلّين على التصويت لصالح أزعور، وذلك بهدف تأمين 65 صوتاً على الأقل، وهو ما يحتاجه للفوز في الدورة الثانية في حال عدم تطيير نصابها.
وبانتظار أن يعلن أكثر من عشرين نائباً موقفهم عشية الجلسة، وقد فضّل بعضهم الاحتفاظ بخطوته حتى صباح الأربعاء، تمكن أزعور حتى الساعة من حصد حوالي 60 صوتاً، تشمل أصوات نواب من قوى التغيير والمستقلين، الأكيد منهم 8 نواب، ونواب من "التيار الوطني الحر" الـ17 في حال التزامهم بقرار باسيل، علماً أن هناك بين 2 إلى 4 نواب لم يحسموا موقفهم بعد.
كذلك، استطاع أزعور تأمين أصوات "حزب القوات اللبنانية" (يرأسه سمير جعجع)، ويضمّ 19 نائباً، إلى جانب النواب ميشال معوض، أشرف ريفي، أديب عبد المسيح، فؤاد مخزومي، و"حزب الكتائب اللبنانية"، ويضمّ 4 نواب، و"الحزب التقدمي الاشتراكي" (يتزعمه وليد جنبلاط)، ويضمّ 8 نواب.
في المقابل، تخطى فرنجية عتبة الخمسين صوتاً، مع تأمينه أصواتاً أكيدة من كتلته النيابية التي تضم 4 نواب، إلى جانب "حركة أمل" (15 نائباً)، "حزب الله" (14 نائباً)، وعدد من النواب المحسوبين على خط الثنائي السياسي.
أما أبرز التكتلات التي لم تحسم موقفها بعد، في ظل انقسامات داخلها بين مؤيد لفرنجية ومعارض له، فهي كتلة الاعتدال الوطني، وتضم نواباً من الذين خرجوا من كتلة تيار المستقبل بعد تعليق رئيسها سعد الحريري عمله السياسي، وشخصيات سياسية شمالية، مع العلم أنها تعمل في الوقت نفسه على استقطاب نواب لم يحسموا موقفهم بعد، كي يلتزموا خطوة واحدة قد تكون الورقة البيضاء أو طرح اسم مرشح ثالث للرئاسة.