بنهاية يونيو/ حزيران، أمس الأربعاء، تضاءلت فرص عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لنظر الشكوى السودانية المصرية ضد إثيوبيا لإجبارها على عدم إتمام الملء الثاني لسد النهضة - المرتقب في 22 يوليو/ تموز الحالي ـ إلّا بعد التوصل إلى اتفاق على قواعد الملء والتشغيل. لكنّ تضاؤل الفرص لا يعني اضمحلالها، بعد كشف مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، أنّ فرنسا، الرئيس الجديد لمجلس الأمن خلال شهر يوليو الحالي، وعدت بإدخال قضية سد النهضة على جدول الأعمال العادي لجلسات هذا الشهر، والذي سيتم إعلانه قريباً. وتحاول مصر مع تونس والنرويج وفيتنام، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وبعض الدول، ضمان انعقاد الجلسة للنظر في الشكوى خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر. ومن شأن حدوث ذلك تشكيل ضغط إضافي على إثيوبيا، لحملها على قبول المقترحات الوسيطة لتجزئة الاتفاق أو التوقيع السريع على اتفاق مرحلي خاص بالملء فقط، وفقاً للشروط السودانية. وحول إمكانية نجاح هذه المساعي، تشير المصادر المصرية إلى أنّه بالنظر للموقف السلبي القائم حتى الآن من قبل الصين وروسيا لعرقلة عقد الاجتماع، تسعى مصر لأن تؤدي فرنسا تحديداً دوراً أكبر في عقد الجلسة، باعتبارها الدولة التي يمكنها التوفيق بين الموقف الأميركي من جهة والموقفين الصيني والروسي من جهة أخرى. لكنّها في المقابل، تعتبر أنّ ما يعقّد الاتصالات على مستوى تحقيق هذا التوفيق، هو سلّم الأولويات لدى الولايات المتحدة، التي تعتبر أنّ الأساس هو عقد جلسة بشأن الأوضاع الإنسانية في إقليم تيغراي الإثيوبي، بعد إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد منذ ثلاثة أيام، ما قد يؤثر سلباً على عقد جلسة سد النهضة.
تفضّل الولايات المتحدة عقد جلسة لبحث وضع إقليم تيغراي
وإلى جانب ذلك، تروّج الصين بين الأعضاء موقفاً مفاده أنّه طالما لن تصدر قرارات حاسمة بهذا الخصوص، فلا حاجة لعقد الاجتماع من الأساس. وتعرقل هذه الاعتبارات الجهود المصرية والسودانية المهددة بمصير أقرب لما حدث الصيف الماضي، عندما تمخضت الجلسة التي عقدها مجلس الأمن عن تكليف الاتحاد الأفريقي بمواصلة جهود الوساطة. بالتالي، فشلت المساعي المصرية والأميركية لإصدار قرار أو بيان ملزم بدعوة إثيوبيا لوقف الملء الأول للسدّ لحين التوصل إلى اتفاق شامل وملزم. ويذكر في هذا السياق أنّ الجهود الدبلوماسية المصرية في المجال الأممي منيت خلال العام الماضي بخيبات متتالية، فإلى جانب سد النهضة، أعلنت محكمة العدل الدولية، بإجماع 15 قاضياً، رفض الاستئناف المقدم من جانب مصر ومعها السعودية والإمارات والبحرين، حول اختصاص منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو)، بشكوى قطر ضدها حول إغلاق المجال الجوي والمطارات في هذه للدول أمام الطائرات القطرية. وجاء في قرار المحكمة الصادر في يوليو 2020، أنّ "مؤسسة المجلس الدولي للطيران المدني تمتلك الاختصاص القضائي للتعامل مع الشكوى المقدمة لها من جانب حكومة دولة قطر في 30 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2017، وأنّ الشكوى مقبولة". ورحبت قطر بقرار المحكمة. وفي الشهر ذاته، وجهت كلٌّ من مصر والسعودية والبحرين واليونان وقبرص مذكرة شفهية مشتركة لمكتب الأمين العام للأمم المتحدة، لمطالبة الأمم المتحدة بعدم تسجيل مذكرة التفاهم المبرمة بين تركيا ورئيس مجلس الوزراء الليبي آنذاك فائز السراج، لتعيين الحدود البحرية بين تركيا وليبيا في البحر المتوسط، الموقعة في إسطنبول في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. وقالت إنّ المذكرة "تعتبر معدومة الأثر القانوني ولا يجوز تسجيلها لدى المنظمة الأممية". لكن، في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي صادق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بموجب المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، على مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وليبيا، المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية للبلدين في شرق المتوسط، من دون الأخذ بالمذكرة الاعتراضية المقدّمة من مصر وباقي الدول. وهو ما أصبح له أثر قانوني حتى الآن على المفاوضات الجارية بين القاهرة وأنقرة حول علاقاتهما بليبيا واليونان. وتعليقاً على المسار المصري الحالي في مجلس الأمن الدولي لحلّ أزمة سد النهضة، لا ينصح أستاذ القانون الدولي العام في مصر أيمن سلامة بـ"التعجل"، محذراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، من أنّ "الإخفاق الثاني في مجلس الأمن ستكون تداعياته محبطة وستُطيح بكل الدفوع والحجج والأسانيد المصرية في قضية السد". ويلفت إلى "سابقة عدم جدوى التهديد بالذهاب للتحكيم أو القضاء الدولي بسبب عدم توافر بعض المتطلبات القانونية في هذه الحالة". وسبق أن كشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أنّ مفوضية الاتحاد الأفريقي، بالتعاون مع الكونغو الديمقراطية وعدد من الخبراء الفنيين، انتهت من إعداد مسودة لصيغة اتفاق مؤقت وآخر دائم، من حصيلة المناقشات الأخيرة خلال جولة كينشاسا الفاشلة، الشهر الماضي.
وعدت فرنسا بإدراج قضية سد النهضة في جدول أعمال هذا الشهر
ومن المتوقع أن يتم الإسراع في توقيعها بمجرد تلبية الضمانات المطلوبة من الأطراف الثلاثة (السودان، مصر، إثيوبيا)، والتي ما زالت محل خلاف، تحديداً مطلب إثيوبيا بتوازي الاتفاق النهائي على قواعد الملء والتشغيل مع وضع محاصصة جديدة لمياه النيل الأزرق. وأوضحت المصادر أنّه على الرغم من رفض مصر المطلق سلفاً لتجزئة الاتفاق، فثمة عوامل تضغط حالياً لمراجعة هذا الموقف، أبرزها عدم رغبتها في إتمام الملء الثاني من دون اتفاق، لأنه سيؤدي إلى تكرار تحقيق إثيوبيا تقدماً استراتيجياً على حسابها، ربما يؤدي لاحقاً لعجز مصر عن تحقيق أيّ تقدم في مفاوضات السد. مع العلم أنّ من المتوقع تكرار هذه الإشكالات سنوياً وتفاقمها في سنوات الجفاف الممتد. وذكرت المصادر أنّ الفوارق المؤثرة بين المقترح الذي قدمه الاتحاد الأفريقي والمبادرة السودانية التي أعلنها أخيراً وزير الريّ السوداني ياسر عباس، ولم تلقَ قبولاً من إثيوبيا، تتمثل بأنّ المقترح الجديد يتسع ليشمل قواعد الملء في السنوات الحالية وليس الملء الثاني فقط. أما الحلقة الثانية من الاتفاق فتتناول فقط التشغيل السنوي للسد، بما يتضمنه من مسائل خلافية، مثل تصريفه في فترات الجفاف والجفاف الممتد، وآلية التحكيم والتنسيق المتبادل في الخلافات المستقبلية، فضلاً عن آلية الحل والتحكيم.