انخرط سليمان النابلسي في الحياة السياسية الأردنية وأصبح زعيماً وطنياً يمثل المعارضة للاتجاه الحكومي للملك عبد الله الأول، ومن ثم للملك حسين، إلى أن فرض تشكيل أول حكومة برلمانية برئاسته أقالها الملك حسين عام 1957.
الملك طلال
يروي النابلسي جانباً من الأحداث التي جرت بعد اغتيال الملك عبد الله، حيث "كان الأمير طلال وليّ العهد مريضاً في سويسرا، وسادت وجهة نظر أن الأمير مريض ولا يجوز توليته العرش وهو لم يصبح ملكاً حتى يؤتى بابنه حسين ملكاً، وكان الحل أن يؤتى بالأمير نايف بن عبد الله وصياً على العرش، وكان توفيق أبو الهدى يريد استبعاد طلال وذريته" فيما أصرّ النابلسي على حقهم، وأُخذ برأيه.
"استقالت الوزارة، فجاء الأمير نايف وعّين بتأثير الإنكليز توفيق أبو الهدى رئيساً للوزراء، وهنا بدأت مؤامرة لاعتبار نايف صاحب الحق الشرعي، وارتكب توفيق أبو الهدى جريمة بحق الأمير طلال، فأتى به من سويسرا، ونادى به ملكاً، وسلمه المسؤولية. كان هدف أبو الهدى بيع طلال للسعودية، حيث ذهب به للرياض وبايع عبد العزيز بن سعود بالملك".
غلوب باشا
استبعد النابلسي من تشكيل حكومة فوزي الملقي عام 1953، وبالمقابل عرض الملك حسين منصب السفارة في بريطانيا، فوافق بشرط التخلص من غلوب باشا، وأن يقوم هو في لندن بالسعي لإقناع بريطانيا بأن بقاء غلوب باشا ليس في مصلحة بريطانيا، فوافق الملك "اذهب إلى لندن واعمل ما تستطيع للتخلص من غلوب وإحالته على التقاعد"، وهو ما حصل في حزيران عام 1953.
مع استقالة حكومة الملقي وتشكيل حكومة أبو الهدى عام 1954 الذي لا يكفّ صاحب المذكرات عن انتقاده، استقال النابلسي من عمله سفيراً للأردن، ويقول النابلسي إن هذه الحكومة شُكلت لاسترضاء إسرائيل وإنكلترا على حساب الحركة الوطنية.
كان غلوب باشا الحاكم الفعلي للبلد، وعندما عاد الملك حسين إلى الأردن من بريطانيا، أراد لنفسه أن يكون الحاكم الفعلي والمطلق في الأردن، فقد جاء مشبعاً بحب السلطة، وكانت في الجيش مجموعات من الضباط الأحرار تريد الوصول إلى السلطة، ومنها تشكيلة محمود الروسان، الملحق العسكري في واشنطن، ومن مجموعته علي أبو نوار، الملحق العسكري في باريس الذي تعرف إليه الملك حسين وعيّنه مرافقاً عسكرياً له، ثم رئيساً للأركان.
قرر الملك إعفاء غلوب باشا، وعيّن راضي عناب، أكبر الضباط العرب، رئيساً للأركان، وكانت هذه خطوة جريئة "فغلوب باشا عميد الاستعمار في الشرق الأوسط.. وكانت عمان مخفراً متقدماً لتأديب الدول العربية، وهو يقود هذا المخفر".
الحزب الوطني الاشتراكي
طلب النابلسي ترخيصاً باسم الحزب العربي الأردني عام 1946، ورفض الطلب، إلا أنه ورفاقه استمروا بالعمل وانتخبوا صبحي أبو غنيمة رئيساً للحزب، وأصدروا جريدة العهد الأسبوعية، ثم تقدم بطلب ترخيص لحزب جديد عام 1950 هو حزب الجبهة الوطنية، وأيضاً لم يصدر الترخيص إلى أن صدر ترخيص الحزب الوطني الاشتراكي عام 1953 حين كان النابلسي سفيراً في لندن، وانتُخب هزاع المجالي سكرتيراً للحزب، وبعد عودة النابلسي من لندن عُيّن أميناً عاماً للحزب حتى وفاته.
ويقول النابلسي إن الحزب الوطني الاشتراكي كان حزب وجهاء وأعيان، وتسميته مشابهة لتسمية الحزب النازي الألماني، ولما أصبح رئيساً للحزب، عمل مع بعض زملائه على إبعاد صفة الوجاهة عن الحزب، وتأكيد اشتراكيته، وأن حزبنا استمرار للحركة القومية العربية "ولم يكن بيننا وبين البعث والقوميين العرب أي اختلاف إيديولوجي".
لم ينجح النابلسي بانتخابات عام 1954 بسبب أن "الدولة أرادت إسقاطي"، فقامت المظاهرات احتجاجاً على تزوير الانتخابات، فسيق النابلسي إلى السجن لمدة شهر مع قادة أحزاب البعث والشيوعي والقوميين العرب، ومع ذلك قبل أحد كوادر الحزب، هزاع المجالي، أن يكون عضواً في الحكومة التي تشكلت، فقام الحزب بفصله.
سأل الملك حسين النابلسي عن موقفه من حلف بغداد، فأجاب النابلسي إن كانت الغاية من الحلف تأمين الحماية للأردن من إسرائيل، فنحن معه، أما إذا كان يهدف إلى محاربة الشيوعية فقط، فلا شأن لنا به.
وقف الحزب ضد حلف بغداد بعد أن سمع قادته من نوري السعيد شخصياً أن لا علاقة للحلف بمحاربة إسرائيل، والهدف منه محاربة الشيوعية، فبدأ الملك حسين يتهمني بأنني جئت إليه وقلت له إنني موافق على حلف بغداد، والواقع أن هذا ليس صحيحاً". سُجن النابلسي على هذا الموقف.
اعتُقل النابلسي خلال عامي 1954-1956 خمس مرات، وكان الأردن يغلي بالمظاهرات ضد حلف بغداد، واشتد الغضب الشعبي، وأضربت عمان عام 1955 عند زيارة الرئيس التركي جلال بايار وشاه إيران، ورضخ الحكم أخيراً لمطلب الشارع، فحلّ المجلس النيابي وكلف سمير الرفاعي تشكيل وزارة جديدة في الشهر الأول من عام 1956.
حكومة النابلسي
بعد نجاح المعارضة الأردنية من الحزب الوطني الاشتراكي والشيوعيين وبعض المستقلين بانتخابات 1956، كلف الملك حسين سليمان النابلسي تشكيل الوزارة، ويجب التذكير هنا بأن النابلسي سقط في هذه الانتخابات، ولكنه كُلف بسبب زعامته للحزب الذي حاز أكبر كتلة من النواب.
تشكلت الوزارة في ذات اليوم الذي بدأ فيه العدوان الثلاثي على مصر 29-10-1956 من 11 وزيراً، ستة منهم من الحزب الوطني الاشتراكي، وممثل عن كل من البعث والجبهة الوطنية (الحزب الشيوعي الأردني) والباقي من المستقلين.
حازت الوزارة ثقة 39 نائباً من أصل أربعين، والنائب الوحيد الذي حجب الثقة عنها هو أحمد الداعور، النائب عن حزب التحرير.
طلب الملك توزير عبد الله الريماوي لوزارة الخارجية عن البعث، رفض الحزب الاشتراكي الأمر، وكانت التسوية أن يكون النابلسي رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية وأن يكون الريماوي وزير دولة للشؤون الخارجية.
طلب الرئيس عبد الناصر أن يلجأ الأردن إلى الخطة الدفاعية وأن يستعين بالجيش العراقي، وبالفعل استُقدِمَت القوات العراقية إلى الأردن، وكان في عدادها عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، غضب الملك وقال: "كيف نتخلى عن إخواننا؟ يجب أن نحارب". رد عليه النابلسي: "إننا لا نستطيع أن نقف في وجه الجيش الإسرائيلي"، فقال الملك: "ليكن، هذه قضية شرف وأخوة ونخوة"، ولكن بعد أن عزل الملك حكومة النابلسي، اتهمهم بأنهم خونة، وأنهم رفضوا المحاربة إلى جانب مصر، ويعلل النابلسي بـ"أننا بقرارنا هذا أخرنا احتلال الضفة الغربية والقدس من عام 1956 إلى عام 1967.
استغل النابلسي مؤتمر الملوك والرؤساء العرب في بيروت عام 1956، ليطلب من الملك سعود أن تستبدل المعونة البريطانية بمعونة عربية.
أرسل الرئيس جمال عبد الناصر والملك سعود بن عبد العزيز والرئيس شكري القوتلي رسالة بتاريخ 12-3-1956 إلى الملك حسين يبلغونه فيها تقديم معونة عربية بديلاً من المعونة البريطانية مع ضمان استمرارها لمدة لا تقلّ عن عشر سنوات.
أراد الملك في شباط 1957 أن يرسل رئيس ديوانه بهجت التلهوني رسالة إلى الرئيس عبد الناصر، فاستنكر النابلسي ذلك، لأن هذا عمل وزير الخارجية، وكتب استقالته للملك، ذاكراً فيها أن الملك يملك ولا يحكم، اتصل الملك طالباً سحب الاستقالة و"بلا الرسالة"، فاشترط النابلسي ألا يتكرر ذلك، وقبل الملك.
حارب حكومة النابلسي السفارة الأميركية في عمان التي أصبحت "مباءة، جاءها رجال المخابرات الأميركية من بيروت وسائر عواصم الشرق الأوسط وعملوا فريقاً يتعاون مع القصر" والحزب السوري القومي.
كان علي أبو نوار يريد أن يكون رئيساً للوزراء، فذهب النابلسي للملك وحذره من وضع يده مع العسكر، قائلاً له: "إذا ذاق العسكر طعم السلطة لن يخلصهم أن يزيحوا الحكومة أو البرلمان، وإنما سوف يزيحونك أنت".
قررت حكومة النابلسي أن تشتري السلاح الشرقي، ولذا أقامت العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي، ولما أصبحت صفقة السلاح قاب قوسين، بدأت المؤامرة على الوزارة، فوجه الملك رسالة للنابلسي بمناسبة رمضان شنّ فيها هجوماً كبيراً على الشيوعية، محذراً من خطر انتشارها في الشارع الأردني، وكان ذلك بتأثير "الدسائس والعمل الأجنبي والإقناع السعودي".
رفض النابلسي عرض الأميركان بدفع مائة مليون دولار للخزينة الأردنية مقابل القبول بمبدأ أيزنهاور، وهو أن تملأ الولايات المتحدة الفراغ في المنطقة بعد انسحاب بريطانيا وفرنسا منها.
أخبر النابلسي الملك بعرض السفير الأميركي مالوري، ولم يكن الملك إلى جانب موقف النابلسي، فأقال حكومته.
بعد النابلسي
كلف الملك رفيق النابلسي، عبد الحليم النمر، تشكيل الحكومة بناءً على مطلب الجيش، ولكن حادثة الزرقاء 13-4-1957 التي قام فيها بعض الضباط وصف الضباط بتمرد على قيادتهم العسكرية الممثلة بعلي أبو نوار ومعظم هذه العناصر المتمردة من البدو المناصرين للملك، جعلت الملك يكلف حسين الخالدي تشكيل الوزارة بديلاً من النمر، ودخل فيها النابلسي وزيراً للخارجية والمواصلات "قبلت بالوزارة لأنها فرضت بشكل تهديد بالنسبة إليّ"، ولم تدم هذه الوزارة إلا أسبوعين.
فرضت الأحكام العرفية بحلّ هذه الوازرة وحظر العمل الحزبي لأكثر من ثلاثة عقود.
يروي النابلسي أن الملك حسين قال عنه: "على أي شيء شايف حاله سليمان النابلسي؟ سآتي برئيس وزراء له الشعبية نفسها والاتجاهات نفسها ونخلص من هذا الرجل؟"، وكان النابلسي يقاوم تبديله، معللاً بأنه يجب عدم السماح للملك "يلعب الطابة برؤوس السياسية" ويتجاوز ثقة البرلمان التي حصل عليها النابلسي.
استقالت حكومة الخالدي، فسيطر الجيش على الشارع، وتم تنسيب عدد كبير في الأمن والمخابرات، بحيث ارتفع عدد المخابرات العسكرية والمدنية من 200 إلى 2000 عنصر، وفرضت الإقامة الجبرية على النابلسي، واعتقل حوالى ألفين من الحركة الوطنية الأردنية، لجأ بعضهم إلى دول أخرى، ولا سيما سورية ومصر، مثل شفيق ارشيدت ونعيم عبد الهادي وكمال ناصر، الذين جردتهم السلطات الأردنية من الجنسية، ورصدت مكافأة لمن يأتي برأس أحدهم. وحدثت في هذه الفترة محاولة انقلاب من صادق الشرع، نائب رئيس الأركان، وقد حُكم عليه بالإعدام، لكن الملحق العسكري الأميركي قال إنه يجب ألا يُعدَم، فصدر عفو عنه وأُعيد إلى العمل الحكومي. ويرى النابلسي أن هذه المحاولة للانقلاب أميركية، وكذلك حاول العقيد عبد الله المجلي الخريشة أن يقوم بانقلاب، ومعه عاكف الفايز والدكتور أبو غنيمة، ولكن الانقلاب أُحبط ومات المجلي بحادث سيارة مفتعل.
حاول المنفيون في سورية تنظيم معارضة مسلحة، وكان النظام السوري يقدم إليهم الدعم، وأُشيع أنه وراء اغتيال هزاع المجالي عام 1960.
كان الرئيس عبد الناصر يرسل أموالاً لعائلات السجناء، ولكن بعضها لم يكن يصل بسبب الفساد، فنبه عبد الناصر لذلك، فأرسل له فتحي الديب لمعالجة الأمر، وعندما تصالح الرئيس عبد الناصر مع الملك حسين، طلب الأخير من الرئيس جمال ألا يدفع المال لمواطنيه، فردّ ناصر: "أكفّ عن الدفع حين تدفع لهم".
بعد زمن المذكرات
ناصر النابلسي العمل الفدائي ولم يتمكن من لعب دور في الصراع بين الملك والمنظمات الفلسطينية وشجب سياسة صديقه عبد الناصر بقبول مبادرة روجرز وعندما رافق النابلسي الملك لزيارة عبد الناصر أعرب عبد الناصر للملك أن النابلسي هو المؤهل لتشكيل الوزارة، ولكن النابلسي اعتذر لأنه ملتزم بالوقوف ضد مبادرة روجرز.
رفض النابلسي التعاون مع هيئة شكلها الملك في بداية الصدام الأردني الفلسطيني لعقد مؤتمر عام.
أرسل النابلسي جمال الشاعر، كما يروي الأخير في ورقة منشورة في كتاب (حكومة سليمان النابلسي) للوقوف على رأي دمشق ولم يستطع مقابلة صلاح جديد ولم يقتنع بكلام رئيس الدولة نور الدين الاتاسي.
رتب له يوسف الصايغ اجتماعا مع وزير الدفاع حافظ الأسد الذي نصح ألا يشكل النابلسي الحكومة وإذا حدث القتال بين الفدائيين والجيش الأردني فسوف يتدخل الجيش السوري إلى جانب الفدائيين.
اتصل القصر بالنابلسي ليلة أحداث أيلول للقاء الملك، ولكن النابلسي اعتذر وقام جمال الشاعر بالنيابة عنه بإيصال توصيات النابلسي بعدم استمرار الحكومة العسكرية وتكليف شفيق ارشيدت بالوزارة.
عيّن الملك حسين النابلسي عضوا في مجلس الأعيان عام 1975.