مع انسداد أفق الحلول المستوردة من الخارج يروج نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار لخريطة طريق تضع وقف الحرب في السودان في مقدمة أولوياتها.
وأمس الثلاثاء، استرسل عقار خلال خطاب وجهه للشعب السوداني من مقر إقامته بمدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، في شرح تفاصيل خريطة الطريق، مشيراً إلى أنها تبدأ بالتوصل إلى وقف إطلاق نار بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتحديد مواقع لتجميع قوات الدعم السريع، بعيداً عن المناطق المدنية للفصل بين القوات، والالتزام بعدم تعريض المواطنين لخطر الاقتتال، وذلك لإكمال وضع إجراءات للترتيبات الأمنية، ثم البدء بعملية إنسانية، بإيصال المساعدات للمواطنين في المناطق المتضررة من الحرب، وضمان حياة طبيعية بقدر الإمكان للمواطنين في ولايات السودان، غير المتأثرة بالحرب.
ومالك عقار هو زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، والتي كانت تقاتل الحكومة المركزية منذ عام 2011، ووقع اتفاق سلام ضمن حركات متمردة أخرى مع الحكومة الانتقالية في عام 2020، وصار بموجبه عضواً في مجلس السيادة، وبعد اندلاع الحرب في منتصف إبريل/ نيسان الماضي وقرار الجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة بإقالة نائبه الجنرال محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع من منصبه، عُين عقار نائبا وباشر مهامه بجولات خارجية قبل أن يستقر بمدينة بورتسودان التي تحولت بعد الحرب لعاصمة إدارية.
ويشدد عقار على تصميم عملية سياسية شاملة، تضم جميع القوى السياسية المدنية، الراغبة والمهتمة بتأسيس الدولة السودانية، يكون الهدف منها مخاطبة القضايا التأسيسية للدولة، من أجل بناء نظام دستوري وسياسي مستقر، وابتعاد القوى السياسية عن الصراع حول تشكيل فترة الانتقال لتقاسم مقاعد السلطة أو الحكم.
وقال إن الانتخابات التي تقوم على أساس الدستور، واختيار الشعب السوداني لقيادته، يجب أن تكون الطريق الوحيد لتولي مقاعد الحكم.
وأضاف أن الفترة التأسيسية التي ستعقب إيقاف الحرب ستكون لإنجاز مهام، تتعلق بالإصلاح وإعادة الإعمار، بالإضافة إلى تهيئة البلاد لممارسة سياسية "راشدة"، تؤسس لبناء الدولة السودانية، و"تستهدي بشعارات الحرية والسلام والعدالة، التي رفعتها ثورة ديسمبر/ كانون الأول".
ودخلت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم، أمس الثلاثاء، شهرها الخامس، دون أن يتمكن أي من الطرفين من حسم المعركة لصالحه، فيما لقي ما لا يقل عن 3 آلاف مدني مصرعهم وفر نحو 4 ملايين من منازلهم هرباً من جحيم الحرب في الخرطوم، وذهب نحو 500 ألف لدول الجوار، بينما تتحدث الأمم المتحدة عن 6 ملايين مدني معرضين لنقص الغذاء، في حين عجزت الحكومة عن صرف رواتب العاملين بالدولة للشهر الرابع على التوالي.
وقال عقار في خطابه إن "الوضع يُحِّتم تشكيل حكومة لتسيير دولاب الدولة، لتنفيذ مهمتين أساسيتين، أولاهما تقديم الخدمات، وإعادة البناء وتعمير ما دمرته الحرب، وثانيهما العمل مع القوى السياسية لهيكلة وتأسيس الدولة، والتحضير وتهيئة الظروف لقيام مؤتمر تأسيسي ودستوري يقود إلى الانتخابات والتبادل السلمي للسلطة".
وأضاف أن "من الأولويات الملحة" تسهيل كافة عمليات الإغاثة الإنسانية وتيسير وصول المساعدات للمواطنين المحتاجين في كل أقاليم السودان، وضمان انسياب الرواتب والاستمرار في استيراد السلع الأساسية وخصوصاً الأدوية والمستلزمات الطبية والمطلوبات الغذائية وغيرها من المستلزمات الضرورية للحياة.
وتعهد عقار بالتعامل بحسم مع قضية مراجعة وضع المجرمين الذين فرّوا من السجون، وإعادة قادة النظام السابق الذين خرجوا من السجن، معتبراً ذلك "قضية حساسة ذات طابع أمني سياسي تتطلب الحسم".
ووجّه عقار رسائل لعدة جهات، منها قوات الدعم السريع التي اتهمها بسلسلة جرائم وانتهاكات ما بين قتل واغتصاب وتهجير واحتلال بيوت ونهب ممتلكات المواطنين واحتلال المؤسسات الخدمية. وقال إن هذه الجرائم "تركت هوة كبيرة بين الدعم السريع والشعب"، مناشداً الأخيرة بالكف عن الاعتداء على المواطنين وأن "تعي أن لا وجود لجيشين في دولة واحدة".
ولم تجد مبادرة نائب رئيس مجلس السيادة الترحيب الكافي من عدد من القوى السياسية، فيما تدرسها قوى أخرى مثل حزب المؤتمر الشعبي، كما صرح الأمين السياسي للحزب كمال عمر لـ"العربي الجديد".
بدورها، أعلنت قوات الدعم السريع رفضها المبكر لمبادرة عقار باعتباره جزءاً من سلطة لا تعترف بها، وبسبب "انحيازه لجانب الجيش في الحرب الحالية"، أما قوى إعلان الحرية والتغيير فتراهن أكثر على منبر جدة و"البساطة السعودية الأميركية" لإنهاء الحرب والبدء في عملية سياسية تستعيد مسار التحول الديمقراطي، فيما استنكرت الحركة الإسلامية، إحدى واجهات النظام السابق، ما جاء في المبادرة من استبعاد لها من المشاركة في أي عملية سياسية مقبلة.
وقال عادل خلف الله القيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي إن مضامين مبادرة مالك عقار لا خلاف حولها، "مع أهمية توفر النوايا والإرادة"، معرباً عن تحفظه على تكوين حكومة تصريف أعمال قبل وقف الحرب لأن ذلك بمثابة "وضع العربة أمام الحصان"، على حد تعبيره.
وأضاف خلف الله لـ"العربي الجديد" إن "الأهم الآن" هو وقف إطلاق النار بمراقبة دولية وأخرى محلية قوامها مؤسسات المجتمع المدني من هيئات ونقابات وغيرها، وضمان حماية المدنيين، و"تكوين أوسع جبهة وطنية للتوافق على برنامج وطني تنفذه حكومة مدنية بسيطة قائمة على المؤسسات المدنية والعسكرية"، على أن تنفذ الأخيرة مهام انتقالية في مقدمتها إنهاء تعدد الجيوش و"بناء جيش مهني واحد يحظر من ممارسة السياسة".
وتابع: "على الحكومة الانتقالية مهمة إعادة بناء ما دمرته الحرب وإنقاذ الاقتصاد وحشد الموارد، وتهيئة المناخ لقيام انتخابات حرة بعد عام واحد من بدء المرحلة الانتقالية".
من جانبه، قال الصحفي عبد الماجد عبد الحميد لـ"العربي الجديد"، إن مبادرة خريطة الطريق لمالك عقار قابلة لإحداث اختراق في الساحة السياسية، إذا لبت كل مطالب الأطراف المؤثرة بدءا من الدعم السريع مرورا بقوى إعلان الحرية والتغيير، خصوصا في ما يتعلق بقضية دمج الدعم السريع في الجيش السوداني مع وضع ترتيبات أمنية لمرحلة ما بعد وقف الحرب ومن بينها توفير معسكرات خاصة للدعم السريع في الخرطوم.
لكن عبد الحميد أبدى خشيته من عدم التزام جنود الدعم بأي اتفاق يقضي بخروجهم من العاصمة الخرطوم "لأنهم حققوا مكاسبهم شخصية بالاستيلاء على منازل المواطنين ومقرات مدنية أخرى". وقال إن قيادة الدعم تفقد منذ فترة السيطرة على جنودها.
وأضاف عبد الحميد أن خريطة طريق مالك عقار لديها أيضاً فرصة سياسية من خلال جمع القوى السودانية على طاولة واحدة للوصول إلى حلول وطنية مستدامة بعيداً عن التدخلات الأجنبية، مشيراً إلى أن الإسلاميين أيضاً يمكن لمالك عقار فتح حوار معهم والوصول لتفاهمات تحقق الأمن والاستقرار في البلاد لحين الوصول للانتخابات.