ملاحقة "النمور"... محاربة الفساد في الصين أم تصفية الخصوم؟

06 يناير 2025
في اجتماع المكتب السياسي للحزب الحاكم، بكين، 23 أكتوبر 2022 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أهداف وتوسيع نطاق الحملة: تركز الصين على مكافحة الفساد بوضوح وعزم، حيث تم التحقيق مع 58 مسؤولاً رفيع المستوى في العام الماضي، وتوسعت الحملة لتشمل قطاعات مثل الصحة والتعليم والتمويل والطاقة والرياضة.

- نتائج ملموسة: في 2024، عوقب 433 ألف مسؤول منخفض الرتبة، وأحيل 14 ألفاً للمحاكمة، واستعادت الصين 1306 أفراد هاربين وأصول بقيمة 15.4 مليار يوان.

- اتهامات بتصفية الخصوم السياسيين: يعتقد بعض المراقبين أن الحملة تستهدف خصوم الرئيس شي السياسيين، مع طرد وزراء دفاع سابقين ومسؤولين كبار، مما يثير تساؤلات حول دوافع الحملة.

من المقرر أن تعقد أعلى هيئة تأديبية في الصين جلسة عامة محورية، ابتداءً من اليوم الاثنين وحتى الأربعاء المقبل، ستتخد خلالها الأولويات الرئيسية في مكافحة الفساد في البلاد للعام المقبل. وفي اجتماع عقد في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول الماضي، أجرت القيادة الصينية تقييماً للمشهد الحالي حول مكافحة الفساد في البلاد، مؤكدة على الحاجة إلى وضوح استثنائي للغرض والعزم بموضوع محاربة الفساد في الصين وعدم التسامح مطلقاً مع الرضا عن الذات أو التساهل.

لكن في المقابل، اعتبر مراقبون أن حملة مكافحة الفساد التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ، منذ توليه السلطة في عام 2013، متعهداً بملاحقة "النمور"، وهو لقب يطلق على القادة الأقوياء الذين يستغلون مناصبهم، تهدف في المقام الأول إلى تصفية الخصوم السياسيين والمنافسين المحتملين له. ورأوا أن هذه الحملة مهدت الطريق أمامه لتمديد حكمه لولاية ثالثة، في 2022، من دون أي اعتراض، على الرغم من أن ذلك كان مخالفاً لدستور الحزب الشيوعي. ووفقاً لهيئة الرقابة العليا لمكافحة الفساد في الصين، تم التحقيق مع 58 مسؤولاً رفيع المستوى تحت إشراف اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، العام الماضي. كما اشتدت حملة محاربة الفساد في الصين على القطاعات التي تؤثر قي حياة الناس، مثل القطاع الصحي والتعليم، من دون أن تكون في مناطق جغرافية بعينها.

وتخللت حملة أطلقت في إبريل/نيسان 2024 معاقبة 433 ألف مسؤول من ذوي الرتب المنخفضة، مع إحالة 14 ألفاً إلى المحاكمة. وفي إطار جهودها لتعقّب الهاربين الفاسدين، نجحت الصين في تأمين عودة 1306 أفراد فروا إلى الخارج واستعادت أصولاً غير مشروعة بلغ مجموعها 15.4 مليار يوان، أي حوالي 2.1 مليار دولار أميركي، بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني 2024. فقد انتقلت، في السنوات الأخيرة، عصابات صينية متورطة في عمليات احتيال واتجار بالبشر وتهريب المخدرات، إلى دول جنوب شرقي آسيا، بما في ذلك كمبوديا ولاوس وفيتنام وميانمار وكذلك باكستان، مستغلة ضعف القوانين هناك، فضلاً عن الاضطرابات الأمنية والسياسية في تلك الدول. لذلك كانت هناك حاجة ملحّة لدى السلطات الصينية لتعزيز التعاون الأمني مع هذه الدول بهدف ضبط المتورطين وجلبهم إلى البر الرئيسي الصيني.

شياو لونغ: معركة الصين ضد الفساد مستمرة بلا هوادة

التزام ثابت بحملة محاربة الفساد في الصين

في تعليقه على الأرقام التي أعلنتها هيئة الرقابة العليا الصينية، قال الأستاذ في مركز الدراسات السياسية في جامعة جينان، شياو لونغ، لـ"العربي الجديد"، إن معركة الصين ضد الفساد "مستمرة بلا هوادة". وأضاف أن "الإعلان عن محاكمة 58 مسؤولاً رفيع المستوى خلال العام الماضي، وهو أعلى رقم منذ أن أطلق الرئيس الصيني حملته الشاملة لمكافحة الفساد في عام 2013، يعكس كيف أصبحت هذه الحملة الصارمة الأساس الذي يحكم سلوك المسؤولين في الحزب (الحاكم) والدولة، وأن محاربة الفساد في الصين جهد مستمر وعمل دؤوب، وليس مجرد خطاب، بل التزام ثابت وحقيقي".

ولم تكتف الحملة باستهداف المواقع القيادية في السلطة السياسية، وفق شياو، بل امتدت لتشمل "قطاعات أخرى مثل التمويل والطاقة والرعاية الصحية والرياضة ومشاريع البنية التحتية". وأوضح أن "بعض الممارسات الفاسدة اتخذت مسارات ملتوية للالتفاف على الأجهزة الرقابية، مثل استخدام شركات الظل أو حيازات (الاستعانة) أطراف ثالثة يتم تصديرها لتكون في الواجهة"، معتبراً أن "توسيع الحملة أدى إلى كشف مثل هذه الأنشطة، ما مكّن من ضبط العديد من المسؤولين في مختلف القطاعات". وكانت اللجنة الوطنية للرقابة قد أعلنت أنه، خلال العام الماضي، تم ضبط عدد قياسي من المرتشين في القطاع الصحي، مضيفة أنه تم رفع 52 ألف قضية وإحالة 2634 فرداً إلى النيابة العامة باتهامات مختلفة، بما في ذلك قبول الرشى والاحتيال في قطاع أموال التأمين الطبي، والتلاعب بمواعيد التعيين لتحقيق الربح والكسب المادي.

أشارت اللجنة أيضاً إلى أن الرياضة كانت محوراً رئيسياً آخر لحملة محاربة الفساد في الصين. وذكرت أنه في مايو/أيار 2024، تم وضع جو تشونجوين، الرئيس السابق للاتحاد العام للرياضة، قيد التحقيق، وتم القبض عليه لاحقاً في ديسمبر الماضي، بتهمة الرشوة وإساءة استخدام السلطة. كذلك حوكم العديد من كبار المسؤولين الرياضيين خلال عام 2024، بما في ذلك دو تشاو كاي، نائب رئيس الاتحاد الرياضي السابق، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 14 عاماً، ولي تاي، المدرب السابق لفريق كرة القدم الوطني للرجال، وهو لاعب سابق، وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 عاماً.

وطاولت حملة محاربة الفساد في الصين مسؤولين كباراً في الجيش الصيني، من بينهم المدير السابق للشرطة الدولية مينغ هونغ وي، وقائد القوة الصاروخية، لي يوتشاو، وهو أكبر جنرال عسكري يخضع للتحقيق بتهمة الفساد. وكان الرئيس الصيني قد تعهد في منتصف العام الماضي، باجتثاث الفساد داخل الجيش. وقال خلال خطاب في قاعدة عسكرية شمال غربي البلاد، إن الجيش الصيني يواجه مجموعة من التحديات المعقدة في عمله السياسي والعسكري. وحثّ على بذل الجهود لرعاية مجموعة من الضباط ذوي الكفاءات العالية، والقضاء على الأرض الخصبة للفساد، وتعزيز الرقابة الشاملة على الضباط رفيعي المستوى، فيما يتعلق بأدائهم واجبهم وممارستهم للسلطة.

في سياق متصل، كانت وزارة الدفاع الأميركية قد قالت، ضمن تقرير سنوي عن التطور العسكري والأمني في الصين صدر في ديسمبر 2024، إن حملة بكين على الفساد داخل صناعتها الدفاعية قد تؤدي إلى عرقلة برامجها لشراء الأسلحة، ما يؤخر تحديث جيشها ومنظومتها العسكرية. ورداً على ذلك، وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، التقرير الأميركي، بأنه مثل التقارير السابقة المماثلة، يتجاهل الحقائق، ومليء بالتحيز، وينشر نظرية التهديد الصيني، وهو مجرد ذريعة للحفاظ على هيمنتها العسكرية. وأضاف أن الصين عازمة على أن تكون قوة للسلام والاستقرار والتقدم في العالم، وفي الوقت نفسه، تدافع بحزم عن سيادتها الوطنية وأمنها وسلامة أراضيها.

اتهامات بتصفية الخصوم

في المقابل، رأى الحقوقي المقيم في هونغ كونغ، جيانغ براون، في حديث مع "العربي الجديد"، أن حملة الفساد التي أطلقها الرئيس الصيني قبل أكثر من عقد من الزمن "تهدف في المقام الأول إلى تصفية الخصوم والمنافسين المحتملين لشي على السلطة"، لافتاً إلى أن توسيع قطاعات الحملة لتشمل القطاعين الصحي والرياضي "مجرد تكتيك أو غطاء لإعطاء انطباع بأن الحملة بريئة تستهدف المرتشين والفاسدين ولا علاقة لها بتصفية خصوم الرئيس السياسيين، وتمهيد بقائه في السلطة".

 جيانغ براون: بعض الأسماء التي تم إقصاؤها كانت مهيأة للدخول ضمن الأسماء المرشحة لخلافة شي

وحول الشخصيات التي طاولها الإقصاء، أوضح جيانغ أنه "إذا تأملنا بعض الأسماء التي تم إقصاؤها سنجد الكثير من الشخصيات القيادية التي كانت بالفعل مهيأة للدخول ضمن الأسماء المرشحة لخلافة شي، لولا تغيير الدستور والسماح له بقيادة الصين لولاية رئاسية ثالثة، في انتهاك دستوري غير مسبوق". ولفت في هذا السياق إلى طرد وزيري دفاع سابقين من الحزب الشيوعي بتهم الفساد، وهم لي شانغ فو، وسلفه وي فنغ خه، بالإضافة إلى لي جانغ، وهو مفتش كبير من اللجنة المركزية لفحص الانضباط في الحزب الشيوعي. وكان الرئيس الصيني قد وقّع مرسوماً يقضي بعزل لي شانغ فو، في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023، ولم تقدم بكين في حينه تفسيرات لاختفاء وزير دفاعها عن المشهد السياسي والعسكري والذي استمر لمدة شهرين. أعقب ذلك إقالة مسؤول القوة الصاروخية في جيش التحرير الشعبي الصيني لي يوتشاو، المصنفة على أنها ضمن الوحدات النخبوية التي تشرف على الصواريخ النووية والباليستية الصينية.