كسب الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته، إيمانويل ماكرون، أمس الأربعاء، بالنقاط، في كل ملف طرح أمام منافسته للرئاسة، زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، خلال المناظرة التلفزيونية التي جرت بينهما، قبل 4 أيام من موعد الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، والتي تشهد للمرة الثانية تواجههما على حساب مرشحي الحزبين التقليديين: الاشتراكي و"الجمهوريون".
ومن البيئة إلى إصلاح نظام التقاعد إلى الإصلاح الصحي وملف كوفيد 19، إلى العلاقة مع روسيا، كان الرئيس الفرنسي متقدماً على زعيمة حزب "التجمع الوطني"، ليس في تسليط الضوء على برنامجه الرئاسي للسنوات الخمس المقبلة، والذي غاب تماماً، بل بالتصويب على برنامج اليمين المتطرف، الذي لا يزال بالنسبة لعموم الفرنسيين حتى، مبهماً.
وتساءل الفرنسيون، إثر المناظرة، عمّا إذا كان ضعف لوبان وسوء إلمامها بالملفات المطروحة، مرة جديدة بعد مناظرة 2017 التي كانت جمعتهما أيضاً معاً، هما السبب في تحسنّ صورة الرئيس، بحسب ما أكدته استطلاعات الرأي إثر اللقاء التلفزيوني. وبكل الأحوال، فإن ماكرون تمكن أمس من تحقيق السيناريو الذي سعى إليه منذ البداية، وهو أن يصل إلى المناظرة الرئاسية الثامنة في تاريخ فرنسا، مع لوبان، التي لم تتمكن أمس من إثبات أنها أصبحت قادرة على أن تكون "سيّدة دولة".
وفي المحصلة، أظهرت المناظرة الرئاسية الفرنسية، أن الانقسام الفرنسي بين عالمين آخذ في التوسع، وفق محرك اقتصادي بحت، عنوانه "تدني مستوى عيش الفرنسيين"، حيث تريد لوبان أن تكون صوت الطبقات الشعبية، فيما يمثل ماكرون، الذي استطاع حزبه حجب الحزبين التقليديين، طبقة الرأسماليين والمدافعين عن الاقتصاد المتحرر.
ولا يزال يصعب بعد مناظرة أمس، حسم هوية الفائز بالرئاسة الفرنسية، على الرغم من تقدم ماكرون باستطلاعات الرأي بحدود 10 في المائة عن منافسته، إذ إن "الضربات القاضية" التي وجّهها الرئيس إلى لوبان خلال المناظرة، لا تعني في المقابل حسم الممتعضين من سياساته لتوجهاتهم.
وتواجَه المرشحان النهائيان للرئاسة الفرنسية، إيمانويل ماكرون، ومارين لوبان، أمس الأربعاء، في المناظرة التلفزيونية الرئاسية، والتي تُعرف بمناظرة ما بين الدورتين الانتخابيتين للرئاسة، وتهدف إلى تسليط الضوء على برنامج كلّ منهما، إذا ما فاز بالرئاسة، وإقناع الفرنسيين بطروحاتهما للسنوات الخمس المقبلة. وجاءت المناظرة، لصالح الرئيس، فيما تمكنت لوبان من تحسين أدائها مقارنة بمناظرة عام 2017 التي جمعتهما أيضاً معاً، والتي وُصِف أداؤها فيها حينها بالكارثي، من دون أن تكون قادرة على إثبات أنها "سيّدة دولة" بحسب شعارها الانتخابي.
جاءت المناظرة لصالح الرئيس، فيما تمكنت لوبان من تحسين أدائها مقارنة بمناظرة عام 2017 التي كانت جمعتهما أيضاً معاً
وجاءت المناظرة، التي نقلتها شبكتا "تي أف 1" و"فرانس 2"، مباشرة على الهواء، وامتدت لحوالي ثلاث ساعات، تقنية في العموم، حيث تناولت مسائل مهمة بالنسبة للفرنسيين، من القدرة الشرائية إلى البيئة فأسعار الطاقة. كما تضمنت بعض محاور السياسة الخارجية لفرنسا، مثل الحرب الأوكرانية والعلاقة مع روسيا، بالإضافة إلى مسألة الحجاب الذي تريد لوبان منع ارتدائه في الأماكن العامة إذا وصلت إلى الإليزيه.
وإذا كانت لكل مناظرة فرنسية "كلماتها الشهيرة"، فقد علق في الأذهان وصف لوبان لماكرون بـ"المنافق المناخي"، ما عدّ أكثر تعبيراتها وقعاً. وبحسب استطلاع أجرته شبكة "بي أف أم تي في" ومجلة "ليكسبرس"، بعد المناظرة، فقد وجد 59 في المائة من المستطلعة آراؤهم أن ماكرون ربح الجولة، فيما رأى 39 في المائة أن لوبان كسبت.
وحاولت زعيمة اليمين المتطرف أمس، أن تظهر كـ"أمّ لجميع الفرنسيين"، مقارنة بالرئيس الفرنسي الذي يتهم من قبل خصومه بالابتعاد عن الهموم اليومية والمعيشية لمواطنيه. إلا أن ذلك لم يسعفها حين دخلت المناظرة في عمق الملفات المطروحة، لتبدو أجوبة لوبان عمومية، ومبهمة، في مقابل إمساك الرئيس جيّداً بملفاته. وحتى بند "القدرة الشرائية"، المفضل لدى لوبان، والذي جعلته في طليعة برنامجها وخطابها الانتخابيين، بعدما أدركت أنه البوصلة التي توجه خيارات الناخبين في هذا الموسم الانتخابي، لم تستطع المرشحة الرئاسية رسم معالم سياستها الاقتصادية بشكل وافر لتحسينها. وحين انزلق الحديث إلى لغة الأرقام، عمل ماكرون على تفنيد برنامج لوبان الاقتصادي، مركزاً على عدم تماسكه، وعلى الشكوك التي تحوم حول قدرتها أو الفائدة التي قد تتأتى من زيادة الرواتب أو خفض الضريبة على القيمة المضافة للمحروقات والمواد الأساسية.
وجاء الهجوم الأعنف لماكرون على منافسته، من زاوية العلاقات المشبوهة لحزب "التجمع الوطني" الذي تتزعمه لوبان مع روسيا، والذي أخفقت في الردّ عليه، و كان ممكناً وسهلاً بالتصويت على فضيحة شبكة ماكنزي للاستشارات والتي يتهم فريق ماكرون الوزاري بالتورط فيها. واتهم ماكرون لوبان بـ"الاعتماد على النفوذ الروسي وعلى فلاديمير بوتين"، مذكراً بالقرض (8 ملايين يورو) الذي طلبته من مصرف روسي عام 2015. وقال ماكرون للوبان: "أنت تتكلمين مع مصرفك عندما تتكلمين مع روسيا. الكثير من خياراتك يُفهَم من هذه الزاوية".
وتعد هذه المسألة "نقطة ضعف" لوبان، التي حاولت تجنبها مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي. وعلى الرغم من تأكيدها خلال المناظرة أنها تدعم الشعب الأوكراني، وتدين "العدوان الروسي"، إلا أنها أكدت رفضها فرض حظر على استيراد الغاز الروسي.
جاء الهجوم الأعنف للرئيس على منافسته، من زاوية العلاقات المشبوهة لحزب "التجمع الوطني" الذي تتزعمه لوبان مع روسيا
وجاءت مسألة الاتحاد الأوروبي، كالعنوان الثاني الذي تصدر ملف السياسة الخارجية خلال المناظرة، حيث للرئيس أيضاً الأفضلية بالنقاط. وانتقدت لوبان الثنائية الفرنسية – الألمانية، فيما رأى ماكرون أنه لا يمكن الوصول إلى أوروبا أكثر قوة من دون المحرك الفرنسي – الألماني، مذكراً بأن هذا المحرك هو ما ساعد على تخطي تداعيات فيروس كورونا.
ودافعت لوبان عن رغبتها بحال فوزها بفرض حظر الحجاب في الأماكن العامة، فيما اعتبر الرئيس أن هذا الطرح سيؤدي إلى "حرب أهلية". وأظهرت لوبان بعض الثغرات في مشروعها لإصلاح النظام التقاعدي، الذي تريد الحفاظ عليه عند سن الـ62، من دون الأخذ بالاعتبار التفاوت في مشقات المهن، وضرورة خروج بعضها للتقاعد في سنّ أبكر.
وفي ملف التغير المناخي، أظهر ماكرون أنه مستعد لأن يكون رئيساً بيئياً خلال السنوات المقبلة، وهو ما تبدّى بتعهداته الوزارية، واستعداده للانتقال نحو الخفض الحراري وربط الصناعات والزراعة بخفض الكربون، فيما بدت لوبان "متشائمة بيئيا" بحسب تعبير الرئيس. وكانت بعض طروحات لوبان على صعيد البيئة، مضحكة، حين تعهدت بـ"صناعة الهيدروجين الأخضر" من الطاقة النووية، وهو ما ردّ عليه ماكرون بأن الهيدروجين ليس مصدراً للطاقة بحدّ ذاته، وأن هذا ليس الهدف من الطاقة النووية.