تكشف الأرقام المعلنة من جانب المفوضية العليا للانتخابات، وجهاً آخر للعملية الانتخابية في ليبيا، بعيداً عن الصراع المكتوم والمعلن بين الأطراف المتحكمة بالمشهد، والتي تسربت إلى كل شيء وسيّسته لمصالحها؛ بداية من القوانين الانتخابية التي تعدّ الأساس للانتخابات، وانتهاءً بالقضاء الذي يفترض أن يكون الحكم في أي خصومة. هذا الوجه الآخر الذي كشفته إحصائيات المفوضية، يتعلّق بالناخبين؛ العمود الفقري للعملية الانتخابية.
وانتهت أمس الأربعاء فترة تسلّم الناخبين لبطاقاتهم، والبالغ عددهم الكلي 2 مليون و865 ألفاً و624 ناخباً، من بينهم مليون و628 ألفاً و305 من الرجال، ومليون و237 ألفاً و319 من النساء. لكن من تسلّموا بطاقاتهم الانتخابية بالفعل هم فقط مليون و390 ناخباً من الرجال، و891 ألفاً من النساء.
وعلاوة على الفارق الكبير بين الإقبال على التسجيل في المنظومة الانتخابية، وبين تسلُّم من سجل في المنظومة لبطاقته، فالبيانات السابقة للمفوضية، عند الإعلان عن بدء تسليم البطاقات الانتخابية، أشارت إلى إقبال كبير في الأسبوعين الأولين، لقاء تراجع لافت لاحقاً. ومن دون شكّ، فإن التراجع بدأ مع ظهور حالات الخلاف والصراع إلى السطح. لكن قد تبدو هناك أسباب أخرى، من أهمها أن الناخبين الذين كان الأمل يحدوهم في أن تجلب الانتخابات وجوهاً جديدة تؤلف طبقة سياسية جديدة، قد انطفأ. فالقائمة الأولية للمرشحين أبانت الوجوه السابقة ذاتها، ولا جديد في المشهد السياسي المقبل، وأغلب الأسماء الأخرى في القائمة الأولية، مجرّد شخصيات تنتمي للاصطفافات المعروفة في المراحل السابقة. إذاً لماذا الانتخابات؟
كان جلياً أن المفوضية استشعرت ذلك العزوف من قبل المواطنين، فأعلنت عن تمديد فترة تسلّم البطاقات لأسبوع آخر، انتهى أمس الأربعاء، بعد أن حثت الناخبين على ضرورة تسلّم بطاقاتهم. لكن اللافت هو مشاركة المرشحين البارزين، من أمثال خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي وعبد الحميد الدبيبة، في حثّ المواطنين على ضرورة تسلم البطاقات الانتخابية لإنقاذ البلاد، والقول إن الانتخابات هي الحل لأزمة ليبيا!
لا إنكار لوجود شخصيات في القائمة الأولية للمرشحين، لم تشارك في أي مرحلة سياسية سابقة كانت سبباً في كل ما مر بالبلاد، لكن يبدو أن الناخب يدرك أن هذه القلة، ضمن القائمة الانتخابية، لا يمكنها الوصول إلى مراحل الاقتراع الأخيرة في السابق الانتخابي، مقابل قدرة الوجوه الحاكمة ذاتها في الفترات السابقة على مزاحمة بعضها البعض والتفرد بالمشهد مجدداً.
لذا، تبدو النسبة المتدنية للناخبين الذين أقبلوا على تسلم بطاقاتهم، وعزوف المواطنين المسبق عن المشاركة في العملية الانتخابية، رفضاً ضمنياً لشكل العملية الانتخابية. فهل يمكن أن تشهد الانتخابات مزيداً من الرفض إذا ما أحجم أيضاً من تسلموا بطاقاتهم الانتخابية عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع في المراحل اللاحقة؟