يواصل النائبان في البرلمان اللبناني نجاة عون صليبا وملحم خلف اعتصامهما داخل المجلس النيابي، لحين فتح دورات متتالية لانتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، في خطوة واكبها عددٌ من النواب المعترضين على سياسة التعطيل التي مورست على مدى 11 جلسة، وعلى طريقة التعاطي مع الاستحقاق الأول في البلاد بمنطق التسويات والصفقات.
وأمضى النائبان عون صليبا وخلف، (يمثلان قوى التغيير)، ليلة الخميس-الجمعة في مبنى البرلمان الذي تغيب عنه الكهرباء غالبية الساعات، وقد انضم إليهما من بوابة التضامن نوابٌ يمثلون "قوى التغيير" و"الكتائب اللبنانية" (برئاسة النائب سامي الجميل)، وبعض المستقلّين، كما جرى تزويدهما بأغطية ووسائد، ومستلزمات أخرى، في ظل إصرارهما على البقاء في المجلس.
(١٤/١٤) لكلّ ذلـــــــــــــــــــــك،
— Melhem Khalaf (@MelhemKhalaf) January 19, 2023
وإلتزاماً بالمواد الدستورية وانتظاماً لها،
ودَفعاً لإنتخاب رئيس للجمهورية، بدورات متتالية مِن دون انقطاع،
إتخذتُ القرار، اليوم،
بعدم الخروج من قاعة المجلس النيابي والبقاء بداخلها، وحتى تحقيق هذه الغاية!
والسلام!
وتقول النائبة نجاة عون صليبا لـ"العربي الجديد": "باقون في المجلس النيابي حتى فتح دورات انتخابية متتالية، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، إذ إنه أمام الظروف القاسية التي تمرّ بها البلاد، ويعاني منها المواطنون وسط غياب تام للعدالة وأبسط حقوق العيش، لا يمكن البقاء مكتوفي الأيدي، بل واجب علينا رفع الصوت، ونحن هنا لا نعتصم بل نمارس حقنا الدستوري وواجبنا الذي يملي علينا انتخاب رئيس".
نحن هنا لنرفع الصوت بضرورة ان يكون لنا رئيس قادر على وضع حدّ لانهيار البلد!
— Najat Aoun Saliba (@najat_saliba) January 19, 2023
ادعوا الزملاء النواب للتوجه فورا الى المجلس حتى انتخاب الرئيس! pic.twitter.com/LPhkSVHCjg
وتشير صليبا إلى أنه "صحيح أنني والنائب خلف بقينا في المجلس النيابي وسنبقى، لكن عدداً كبيراً من النواب انضم إلينا وبقي لساعات متأخرة من الليل، ونأمل من جميع النواب أن يؤدوا واجبهم سريعاً بانتخاب رئيس جديد للبلاد لوضع حدّ للانهيار".
من جهته، يرى النائب ملحم خلف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "فتح الدورات المتتالية هو الخطوة الأولى التي تضعنا على مسار الديمقراطية الملزم للمجلس النيابي"، مؤكداً أنه "لا يمكن البقاء أمام النهج التدميري للديمقراطية والوطن، ولن نبقى في منازلنا نتفرج على هذه المشهدية، ولن نقبل أن نكون خارج المسؤولية الملقاة علينا، أو أن يستمر تكرار سيناريو انتخاب رئيس من دون نتيجة، ما بات يشكل أمراً عبثياً ومستهجناً".
ويضيف خلف: "لسنا وحدنا، نحن بادرنا أولاً، ولكن المبادرة تواكَب من قبل عددٍ كبير من النواب الذين لم يتركونا، وما نفعله واجب دستوري، إذ علينا جميعاً أن نكون موجودين داخل المجلس تأميناً لانتخاب رئيس إنقاذي لا تسووي، يعيد انتظام المؤسسات الدستورية، وينطلق معه قطار الإنقاذ".
ويلفت النائب اللبناني إلى أن "المسؤولية ملقاة على 128 نائباً، للدخول إلى المجلس النيابي وانتخاب رئيس وفق ما تمليه الأنظمة البرلمانية، إذ إنه من غير المسموح أن تسقط الديمقراطية لصالح تسويات ومحاصصات تغلَّف بإطار التوافق، بينما هو في الحقيقة تقاسم السياسيين للسلطة"، معتبراً أن "استمرار خلو سدة الرئاسة يذهب بنا إلى مزيد من البؤس والانهيار القاتل".
ويفضّل خلف عدم البحث في أسباب التباينات التي طاولت كتلة "التغييريين"، والانقسام الذي خرق صفوفهم، مشيراً إلى أن الوقت اليوم ليس للتطرق إلى التباينات في الآراء، بل الأولوية لانتخاب رئيس من أجل استعادة المؤسسات، وإعادة الحياة إليها، لافتاً إلى "أننا كنواب تغييريين قدمنا مباردة رئاسية، وطرحنا 4 أسماء لرئاسة الجمهورية، فلنمارس حقنا الديمقراطي، ويدخل جميع النواب إلى البرلمان ويدلوا بأصواتهم، نحن هنا لا نخترع البارود، والبلد لا يمكن تركه وسعر صرف الدولار تجاوز الخمسين ألف ليرة، ومعاناة الشعب إلى تزايد يومي".
وعقد المجلس النيابي، أمس الخميس، جلسته الحادية عشرة لانتخاب رئيس يخلف الرئيس السابق ميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلا أن السيناريو نفسه تكرّر، بإدلاء النواب بأصواتهم التي توزعت بالدرجة الأولى بين الورقة البيضاء التي تمثل "حزب الله" وحلفاءه، والنائب ميشال معوض، الذي يلقى تأييد الأحزاب المعارضة، وبعض النواب ضمن قوى التغيير والمستقلّين، قبل أن تكرّ سُبحة النواب المنسحبين، يتقدمهم ممثلو "حزب الله" في البرلمان، ويُفقد النصاب، ويرفع رئيس البرلمان نبيه بري الجلسة دون أن يحدّد موعداً جديداً.
وخرق المشهد، أمس، إعلان النائبين نجاة عون صليبا وملحم خلف البقاء داخل مجلس النواب حتى فتح دورات متتالية وانتخاب رئيس للجمهورية، في خطوة وصفها نواب ما يعرف بـ"قوى 8 آذار"، لا سيما المنتمين إلى "حركة أمل" (بزعامة بري)، بالاستعراضية، سواء لناحية الاعتصام، أو إدخال صور لضحايا انفجار مرفأ بيروت إلى الجلسة التي تزامن معها تحرك احتجاجي للأهالي ومؤيدين لهم، رفضاً لتعطيل المسؤولين السياسيين التحقيق.
كذلك، خرق المشهد تلويح نواب "الحزب التقدمي الاشتراكي" (يتزعمه وليد جنبلاط)، الذين يدعمون ترشيح النائب ميشال معوض، بتعليق مشاركتهم في الجلسات المقبلة في حال استمرار المشهدية نفسها.
وكان لافتاً أيضاً اللقاء المسائي الذي جمع وفداً قيادياً من "حزب الله" بالنائب السابق وليد جنبلاط، ليس الأول من نوعه، لكنه يأتي بتوقيت يفتح الباب أمام وجود نقاش لكيفية مقاربة الاستحقاق الرئاسي، والنقاط التي ممكن الالتقاء حولها، لا سيما أن جنبلاط مقرّب جداً من رئيس البرلمان، حليف "حزب الله"، وملقّب بـ"بيضة القبان" في الاستحقاقات الدستورية المهمة.
وعلى الرغم من تمسك جنبلاط حتى الساعة برفض دعم رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، المرشح غير المعلن لـ"حزب الله" و"حركة أمل"، بيد أن جنبلاط كان قد انحاز إليه في الاستحقاق الماضي، وفضّله على الرئيس عون.
وجدّد الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، أمس الخميس، معادلة يمكن تلخيصها بانتخاب رئيس وفق مواصفات الحزب أو استمرار الفراغ، على غرار ما حصل عند نهاية ولاية الرئيس الأسبق ميشال سليمان عام 2014، وتعطيل الاستحقاق لأكثر من سنتين، حتى فرض انتخاب عون رئيساً.
وتتركز مواصفات "حزب الله" الرئاسية، على انتخاب رئيس "لا يطعن المقاومة في ظهرها، ولا يكون خاضعاً للأميركيين أو لتهديداتهم"، وهي شروطٌ تحدث فيها نصر الله مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، في جلسة داخلية، في وقتٍ بات تفاهمهما على المحكّ، بعد الإشكال الكبير بينهما في مقاربة جلسات الحكومة في ظل الشغور الرئاسي، ورفض باسيل دعم ترشيح فرنجية، وهو أبرز منافسيه إلى رئاسة الجمهورية.