نتنياهو ينتقل من إدارة الصراع إلى ضمان الأمن

07 أكتوبر 2014
نتنياهو يسعى لضرب أية شرعية للسلطة الفلسطينية (وين ماكنمي/Getty)
+ الخط -
تكشف قراءة متأنية في خطابات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سواء في الأمم المتحدة، أو أمام اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وفي المقابلات الصحافية، أنه وعلى الرغم من تستّره وراء مقولاته عن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وما تبعها من محاولات لمساواتها بحركة "حماس"، فضلاً عن اكتشافه للمرة الأولى، على الأقل، في خطاباته وبلاغته السياسية، أنّ "شيعيّة" إيران لا تختلف عن "داعش" و"جبهة النصرة" و"القاعدة" و"حماس" إلا بسعيها الى خلافة شيعيّة، لكنّه تعمّد حشر كل هذه التنظيمات في سلّة واحدة، بعبارات مدروسة ومقصودة.

وبطبيعة الحال، استحوذت تنظيرات نتنياهو عن "داعش" ومحاربة الإرهاب وإيران على اهتمام وسائل الإعلام، التي تجاهلت في سياق تسويقها نتنياهو وتركيزها على خط الدعاية المعلن له في مرحلة "داعش" والحرب عليها، رسائله القصيرة في السياق الفلسطيني، على الرغم من أهميّتها.

وبدا لافتاً في هذا السياق، أنّ مقابلات نتنياهو مع الصحف الإسرائيلية، حملت في واقع الحال رسائل موجّهة للعالم، بما فيه "المحور السنّي المعتدل"، بينما كان خطابه في الأمم المتحدة، موجّهاً عمليّاً الى إرضاء الإسرائيليين واليمين، في الرد على خطاب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وتلقين الفلسطينيين والعالم درساً في "فضح الأكاذيب" التي تُنشر ضد إسرائيل. أما خطابه أمام ممثلي المنظمات اليهودية، فوجهه إلى الجمهوريين في الولايات المتحدة، في انتظار الانتخابات القريبة لمجلسي النواب والشيوخ مطلع الشهر المقبل.

ومع أنّ نتنياهو كرر في لقائه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عبارة القبول بدولتين والسعي الى منع فقدان الدولة اليهودية أغلبيتها اليهودية، لكنّ ذلك كان في واقع الحال مخرجاً مريحاً له، فبمجرد ذكر موضوع الدولتين، يعتقد نتنياهو أنه يؤدي واجبه وحصّته من الصفقة تجاه الولايات المتحدة وإدارة أوباما، مما يتيح له، كما حدث فعلاً، الحديث عن لقاء ناجح مع أوباما، يرفض بعده التنديد الأميركي بإعلان مناقصات بناء استيطانيّة جديدة، ناسباً ذلك إلى جهله تفاصيل الموضوع.

وأهم الرسائل التي وجّهها نتنياهو في الأسبوع الأخير، وكررها عمليّاً في مقابلة بثتها شبكة "سي بي إس" الأميركية، تتعلق بكلامه عن أنّ إسرائيل بحاجة الى ضمان الترتيبات الأمنية اللازمة لها، وأنه سيتعيّن على الفلسطينيين القبول بوجود أمني إسرائيلي في مناطقهم.

وكان نتنياهو أعلن، الخميس الماضي، في مقابلة مع إحدى الإذاعات الأميركية، أنّ أهمّ الاستنتاجات من الحرب على غزة، هي ضرورة وجود أمني إسرائيلي طويل الأمد في الضفّة الغربيّة، داعيّاً في المقابلة نفسها، حسبما أورده موقع الإذاعة الإسرائيلية، إلى وجوب التمييز بين الاستقلال السياسي وبين الترتيبات الأمنيّة.

وتُشكّل هذه الرسالة، امتداداً للموقف الذي أعلنه رئيس الحكومة الإسرائيلي منذ تعثّر مفاوضات سبتمبر/أيلول الماضي، ورفض مقترحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وإفشال التوصل إلى اتفاق إطار مع الفلسطينيين، وهو موقف يرتبط بقرار نتنياهو منذ توقيع اتفاق المصالحة الفلسطيني، بضرب أية شرعيّة للسلطة الفلسطينية ورئيسها، محمود عباس، بعد أن اختار الأخير وفق نتنياهو، "صنع السلام مع حماس"، ولاحقاً الإعلان أن عباس ليس شريكاً في المفاوضات.

وإذا كان الرئيس الفلسطيني لم يعد شريكاً، بعد أن حاول نتنياهو خلال العدوان على غزة، اشتراط أي وقف لإطلاق النار باستعادة دور عباس في غزّة، ونشر قواته فيها كشرط أولي لأية تسوية دائمة، فذلك يعني أنّ المرحلة المقبلة، وفق تصوّر نتنياهو وتصريحاته الأخيرة عن الترتيبات الأمنية، ستكون خالية من أية مفاوضات سياسية. فعباس ليس شريكاً في المفاوضات، و"حماس" تساوي "داعش"، وبالتالي فإن أقصى ما يمكن لإسرائيل تقديمه في المرحلة المقبلة، هو الحديث عن ترتيبات أمنيّة وحلول أمنيّة طويلة المدى، سواء في الضفّة الغربيّة، وتحديداً في الأغوار، وهذا يعني مفاوضات أمنيّة في الأساس مع الأردن، وتنسيقاً أمنيّاً مع "السلطة الفلسطينية"، ومفاوضات أمنيّة مشابهة مع النظام المصري مع محاولات فرض نوع من التنسيق الأمنيّ على "حماس"، أو "حكومة الوفاق" في القطاع، قبل الخوض في أي ترتيبات أو مفاوضات بشأن مستقبل رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر. ويكرّس هذا النهج المتبلور حاليّاً عند نتنياهو، الفصل القائم بين القطاع وبين الضفّة الغربيّة، في كلّ التحرّكات والمبادرات المقبلة.

وينقل نتنياهو في واقع الحال، من خلال تصريحاته هذه، التعامل الإسرائيلي من مرحلة إدارة الصراع، التي ميّزت الموقف الإسرائيلي منذ حكومة أرييل شارون، إلى مرحلة جديدة شعارها ضمان الأمن، وتجميد أي نشاط آخر. وتعكس هذه التصريحات على ما يبدو برنامج عمل تبلور أخيراً في ذهن نتنياهو، يقيه على الصعيد الداخلي من الشدّ والجذب مع اليمين الإسرائيلي المتطرّف (باعتبار أنّه لا يخوض مفاوضات سياسية)، وعلى الصعيد الدولي من الضغوط الدوليّة، طالما بمقدوره الاعتماد على الفيتو الأميركي لإجهاض أيّ تحرك فلسطيني في مجلس الأمن، باتجاه الإعلان عن فلسطين دولة تحت الاحتلال.

المساهمون