شنّ أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، في كلمة متلفزة مساء يوم الاثنين، هجوماً كبيراً على المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار ومن خلفه مجلس القضاء الأعلى، الذي وجّه له نداء "المعالجة" وإلا على مجلس الوزراء حلّه، لأن حسبه "لا إمكانية باستمرار الأمور على الشكل الذي تسير به، ولا سيما في الأيام القليلة المقبلة".
وعشية جلسات الاستجواب التي تبدأ الثلاثاء مع وزير المال السابق النائب علي حسن خليل (ينتمي إلى حركة أمل بزعامة نبيه بري حليف حزب الله) وتستكمل الأربعاء مع الوزيرين السابقين، النائبين نهاد المشنوق وغازي زعيتر ولاحقاً مع رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب، رفع نصر الله لهجته تجاه القاضي البيطار، محذراً من "كارثة" إذا ما تابع تحقيقاته بالشكل "الاستنسابي" المبني على "الاستهداف السياسي وقصّ الرؤوس والتصفية السياسية"، على حدّ تعبير أمين عام "حزب الله".
واتهم نصر الله القاضي البيطار باستغلال مأساة انفجار بيروت في خدمة الهدف والاستهداف السياسي، وكذلك بالاستنسابية لا بالعدل والحقيقة، متكئاً بقوله هذا على عدم استدعاء المحقق العدلي أو الاستماع إلى رئيسي الجمهورية الحالي ميشال عون والسابق ميشال سليمان، ورؤساء الحكومات السابقين والوزراء السابقين العدل، والمالية، والأشغال، والدفاع، والداخلية، وقادة الأجهزة الأمنية الذين تعاقبوا على المناصب منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 تاريخ دخول باخرة روسوس وحتى الرابع من أغسطس/آب 2020 يوم وقوع الانفجار.
وحرص نصر الله على استخدام تصريح رئيس الجمهورية ميشال عون وحليفه السياسي بأنه جاهز للامتثال أمام القاضي، ليقطع الطريق استباقياً أمام من سيفسّر حديثه بأنه "يطالب بالاستماع إلى الرئيس عون".
وبعد دفاعه الشرس عن المدعى عليهم وفي طليعتهم دياب الذي غادر إلى الولايات المتحدة قبيل جلسة استجوابه، وبعد إصدار مذكرتي إحضار بحقه معتبراً أن المحقق العدلي "يستضعفه"، وضع نصر الله "حزب الله" في موقع المتضررين معنوياً وسياسياً وإعلامياً نتيجة الاستهداف، متوجهاً لعوائل الضحايا بالقول "إذا كنتم تنتظرون أن تصلوا مع هذا القاضي إلى الحقيقة والعدالة ولو على مستوى القرار الظني فلن تصلوا".
وأشار أمين عام "حزب الله" إلى أن القاضي الحالي لم يتعلم من أخطاء سلفه القاضي فادي صوان "وضرب بالملاحظات والنصائح عرض الحائط، وذهب إلى ما هو أسوأ رغم تنبيهاتنا وقبل أن نطالبه بالمغادرة، وإذ به يتصرّف كحاكم بأمر الملف".
من جهة ثانية، تذرع نصر الله باتهاماته للمحقق العدلي "الذي يحرّض عوائل الشهداء في لقاءاته المكثفة معهم" كما قال، بأن "المحقق العدلي ركّز أولاً على مسألة الإهمال الوظيفي، ومرّ على الموضوع الأساسي وتجاهله ألا هو من هي الجهة التي أتت بالباخرة؟ وكيف أتت؟ وبإذن من دخلت؟ ومن أبقى على مواد نترات الأمونيوم في العنبر رقم 12؟ وبموافقة من؟".
كما انتقل نصر الله إلى موضوع القضاة الذين حمّلهم مسؤولية أعظم وأكبر من تلك التي تقع على المسؤولين السياسيين والأمنيين باعتبارهم أجازوا إدخال المواد وإبقاءها، متوقفاً عند عدم استدعائهم أو إصدار مذكرات توقيف بحقهم تاركاً المسألة لمحكمة خاصة، ليعرّج على أن المحقق العدلي لم يسلك المسار نفسه مع الرؤساء والوزراء السابقين لناحية إحالتهم إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء (لم ينعقد منذ التسعينيات).
وإذ تساءل نصر الله "هل هذه دولة عندها قانون ومؤسسات وأخلاق؟"، شكّك بنزاهة القضاة ربطاً بقراري محكمتي الاستئناف والتمييز رفض طلبات الردّ المقدمة من المدعى عليهم بوجه المحقق العدلي بحجة عدم الاختصاص. ووجه سؤاله لمجلس القضاء الأعلى "من المختص إذاً؟ ولأي جهة يلجأ الرؤساء والوزراء والنواب الذين يشعرون بالمظلومية؟".
وبعد نقله المشهد من وجهة نظره التي تعزز نظرية الاستهداف السياسي، أكد نصر الله أن "ما يحصل خطأ كبير، ولن يوصل إلى الحقيقة ولا العدالة بل الظلم وإغفال الحقيقة"، مشدداً على أننا "لا نطالب بإقفال التحقيق بل نؤيد استمراره، ولكن مع قاض صادق وشفاف يعمل وفق الأصول لا الاستنسابية".
على صعيدٍ آخر، تطرق نصر الله إلى الملف الانتخابي مبرئاً نفسه من تهمة "نيته تأجيل الانتخابات النيابية والتمديد للمجلس"، مؤكداً أنه مع إجرائها في موعدها ضمن المهلة الدستورية.
كما ردّ نصر الله على اتهامه بإقصاء حق المغتربين في الاقتراع، مؤكداً أنه لا يمانع اقتراعهم في دوائرهم الانتخابية أو لصالح النواب الستّة الذين يمثلونهم في الخارج، متوقفاً عند المظلومية التي سيتعرض لها وغياب تكافؤ الفرص ربطاً بصعوبة الترشح أو إجراء الحملات الانتخابية أو اقتراع المغتربين من المناصرين لـ"حزب الله" بحرية في بعض دول الخليج والعربية وأميركا، كذلك شدد على أنه من المؤيدين لخفض سنّ الاقتراع إلى 18 سنة.
وفي ملف الكهرباء، طالب نصر الله الحكومة بعقد جلسة استثنائية مطوّلة للوصول إلى حلول جذرية لا تقتصر فقط على المسكّنات، واصفاً العتمة الشاملة التي شهدها اللبنانيون في عطلة الأسبوع بـ"الموت السريري".
ودعا نصر الله الحكومة للنظر بالعروض المقدمة لحلّ الأزمة، منها الإيراني "ببناء معملين لتوليد الطاقة"، كما توجه إلى أصدقاء وحلفاء أميركا بأن يطلبوا استثناء منها لفكّ الفيتو والتعامل مع إيران.
وأثار نصر الله في السياق شبهة بوجود لعبة معينة، كما حصل مع البنزين والمازوت والمواد الغذائية ومشاهد طوابير الذل والإشكالات والحوادث الأمنية، للوصول إلى رفع الدعم، وهو مطلب صندوق النقد الدولي الذي يرفض "حزب الله" الانصياع له ولشروطه.
كما أثار شبهة وجود نية بخلق أزمة الكهرباء لتعبيد الطريق أمام خصخصة القطاع بعد انهياره وفرضه كخيار بديل عن العتمة.
كما وجه النداء إلى المسؤولين السياسيين بالانفتاح على العروض المقدمة من إيران عند طرحه موضوع المازوت الإيراني وإفساح المجال للشركات بشرائه من إيران، وعندها سينسحب من الملف، مؤكداً استمرارية المرحلة الأولى لنهاية أكتوبر/ تشرين الأول، وتمديد الهبة المقدمة للمستشفيات الحكومية ودور العجزة والمسنين ودور الأيتام ومراكز ذوي الاحتياجات الخاصة والمؤسسات ومصالح المياه الرسمية وآبار المياه التابعة للبلديات الفقيرة وأفواج الصليب الأحمر والدفاع المدني لمدة شهر إضافي.
وأضاف نصر الله الصيادين إلى الفئة التي يمكنها الاستفادة من المازوت الإيراني، في حين أعلن أن المرحلة الثانية ستشمل التدفئة مع اقتراب فصل الشتاء، وسيصار إلى إعطاء المازوت أولوية، وبالتالي تأجيل مسألة إحضار البنزين، وخصوصاً بعدما حلّت الأزمة.