تمثل الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، بعد ظهر اليوم الأحد، إلى الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة، أقصى جنوبي الضفة الغربية، وإشعاله الشموع بمناسبة عيد "الأنوار" اليهودي في القسم المخصص لصلاة اليهود هناك؛ دليلاً آخر على المكانة الكبيرة التي يحظى بها المشروع الاستيطاني كأحد ثوابت "الإجماع" في إسرائيل.
ويعدّ اختيار هرتسوغ الخليل، وتحديداً الحرم الإبراهيمي، لكي يحتفي فيه بالعيد؛ بمثابة دعم صريح للاعتداءات التي ينفذها المستوطنون اليهود، سواء الذين يقطنون في الجيوب الاستيطانية داخل المدينة، أو في المستوطنات والنقاط الاستيطانية في محيطها، وهي الاعتداءات التي تعاظمت بشكل كبير، باعتراف قيادة جيش الاحتلال، وعلى لسان وزير الأمن بني غانتس، مع العلم أنه لم يصدر عن هرتسوغ أي تعليق على هذه الاعتداءات.
وسيتواجد أعضاء تشكيل "فتية التلال"، الذي يتولى تنفيذ الاعتداءات ضد القرويين، تحديداً في منطقة جنوب الخليل، بهدف طردهم؛ إلى جانب هرتسوغ في المسجد، الذي فرضت فيه إسرائيل التقاسم الزماني والمكاني بين الفلسطينيين واليهود، بزعم أن المكان يضم بعض قبور الأنبياء.
وسيؤدي الصلاة برفقة هرتسوغ قادة الحركة الكهانية، وتحديداً النائب إيتمار بن غفير وباروخ مرزيل، اللذان يقطنان الجيوب الاستيطانية في المدينة، وكثيراً ما تم توثيق مشاركتهما في تنفيذ اعتداءات ضد الفلسطينيين في البلدة القديمة، وتحديدا قلب بسطات الباعة بشكل استفزازي.
إلى جانب ذلك، فإن مجرد توثيق زيارة هرتسوغ سيقدم للعالم أوضح صورة عن سياسة التمييز العنصري في أبشع صورها التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. فمن أجل أن يتمكن بضع مئات من الإسرائيليين من الوصول إلى الحرم الإبراهيمي سيحظر جيش الاحتلال على أكثر من 130 ألفا من مواطني الخليل الفلسطينيين التحرك في البلدة القديمة ومحيط المسجد، حيث إن سلطات الاحتلال تعمد إلى حظر التجوال في المكان في كل مناسبة دينية لليهود.
وعلى الرغم من أن هرتسوغ كرئيس لا يعد شخصية حزبية أو سياسية؛ فإنه لا يمكن تجاهل حقيقة أنه كان زعيماً لحزب العمل؛ الذي كان يعدّ يوماً ضمن "معسكر السلام" الإسرائيلي، وهو ما يشي بحجم الدعم الذي يحظى به المشروع الاستيطاني، الذي يرمي إلى تهويد الفضاء الفلسطيني في الضفة الغربية.
ومن الواضح أن الخطوة التي أقدم عليها هرتسوغ تعزز الطروحات الأيديولوجية والدينية التي تنطلق منها قوى يهودية متطرفة، تطالب باستنساخ ما حدث في الخليل في نابلس؛ وتدشين مستوطنات هناك، حتى يتمكن اليهود من السيطرة بشكل دائم على منطقة "قبر يوسف" التي يزورها اليهود هناك تحت حماية جيش الاحتلال بشكل أسبوعي.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن تنبري بعض النخب المحسوبة على اليسار الصهيوني واليسار غير الصهيوني لتوجيه نقد لاذاع لهرتسوغ.
فقد اختار موسي راز، عضو الكنيست عن حركة "ميرتس"، في تغريدة على حسابه على "تويتر"، أن يذكّر هرتسوغ بما قاله يوماً الوزير والنائب السابق يوسي ساريد: "الخليل اليوم هي سدوم الماضي (بلد قوم لوط)، كل من زارها واطلع على مصير سكانها الفلسطينيين وحياتهم يجب أن يتملكه العار والرعب. إذا كان الاحتلال كله مشهداً قبيحاً، فحكم الخليل هو جوهر هذا القبح ومنتهاه".
"חברון של היום היא סדום של פעם: מי שביקר בה והתוודע לגורלם ולחייהם של תושביה הפלסטינים לא ידע את נפשו מרוב בושה ופלצות. אם הכיבוש כולו הוא חזיון מכוער, המימשל בחברון הוא תמציתו, גולת החטוטרת שלו".
— Mossi Raz | מוסי רז | موسي راز 🟣 (@mossi_raz) November 27, 2021
יוסי שריד, ז"ל, 16 בפברואר 2011.
أما الكاتبة أورلي نوي، فقد لفتت أنظار هرتسوغ إلى أن ما ستقع عليه عيناه في الخليل يمثل "خريطة طريق النهب والاحتلال". وفي مقال نشره اليوم الأحد موقع "سيحا مكوميت"، كتبت نوي: "هرتسوغ يمثل الإجماع القومي الذي يقدس التفوق اليهودي؛ فما يحدث في الخليل يعد ذروة التعبير عن الشعور بهذا التفوق. هرتسوغ سيلمس أن الطريق من القدس إلى الخليل معبدة بالظلم".
وفي افتتاحيتها، وجّهت صحيفة "هآرتس" الأنظار إلى حقيقة أن الخليل، التي سيزورها هرتسوغ اليوم الأحد، تعبّر عن "بشاعة الاحتلال ووحشيته وعنف المستوطنين وسيطرتهم".
وأوضحت الصحيفة أن زيارة هرتسوغ للخليل، التي يتعرض الفلسطينيون فيها للقمع فقط من أجل تمكين اليهود من الحركة بأمان في المدينة؛ "تضفي شرعية رسمية على الظلم البغيض الذي يحدث هناك كل يوم".