أطلقت القوات التركية، اليوم الأحد، عملية "المخلب-السيف" الجوية، وشنت خلالها عدة غارات في شمالي العراق وسورية، وذلك رداً على التفجير الأخير الذي هز منطقة تقسيم وسط إسطنبول، والذي اتهمت السلطات التركية حزب "العمال الكردستاني" بالوقوف خلفه، في ظل تساؤلات حول إمكانية تنفيذ القوات التركية عملية برية شمالي سورية.
ولم تتأخر أنقرة في تنفيذ وعيدها في شمال وشمال شرق سورية، حيث توجد "قوات سورية الديمقراطية"، بعدما قصف الطيران والمدفعية التركية، خلال الساعات الماضية، عشرات المواقع والأهداف في غرب الفرات وشرقه.
وقتل وأصيب بالقصف العشرات من عناصر هذه القوات المعروفة اختصارا بـ"قسد"، والتي تعتبرها تركيا امتداد لحزب "العمال الكردستاني".
ويشي هذا التصعيد الجوي ضد الأهداف التابعة لـ"قوات سورية الديمقراطية" بأن الجانب التركي ليس بصدد القيام بتوغل بري في الشمال السوري. ولطالما لوّحت أنقرة بعملية واسعة النطاق في الشمال السوري لـ"تحييد" خطر "قسد"، غير أن الرفض الروسي والأميركي حال دون ذلك.
ويرى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القصف الجوي والمدفعي هو تعويض عن عملية برية في شمال سورية"، مضيفا: "القصف ردة فعل على تفجير إسطنبول". وتابع قائلا: "أنقرة تستفيد من التعاطف الدولي معها بعد التفجير، فأي قصف لن يجد أي رفض من قبل أحد".
وأكدت مصادر في "الجيش الوطني السوري" المعارض التابع لتركيا، في حديث مع "العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر أسمائها، أن عملية برية غير مطروحة حاليا. وأوضحت أن "الجيش الوطني" لم يكن له أي دور في عمليات القصف، مضيفة أن أيا من قيادات الجيش الوطني لم تتلق تعليمات من الجانب التركي لتغيير أماكن تموضعها أو رفع جاهزيتها.
من جانب آخر، أوضح القيادي بـ"قسد" محمود حبيب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القصف التركي في سورية أدى إلى "مقتل وإصابة العشرات، فضلا عن تدمير مرافق عامة".
وتابع قائلا: "هناك شلل كبير في الحياة العامة بسبب القصف. تركيا تريد تحويل الشريط الحدودي إلى منطقة من المستحيل العيش فيها كي تهجر سكانها".
ظروف غير مهيئة
وأشار حبيب إلى أن "قسد" تقوم بحماية السجون التي تضم عناصر من تنظيم "داعش" الإرهابي، إضافة الى محاربته.
وحذر قائلا: "حدوث أي خرق أمني ستكون تكلفته باهظة على المنطقة"، من دون أن يستبعد تنفيذ الجيش التركي عملية برية في شمال شرق سورية. بيد أنه استدرك بالقول إن "الظروف غير مهيئة لعملية برية"، موضحا أن "قسد مستعدة تماما لأي عملية عسكرية تركية".
ومضى القيادي بـ"قسد" يقول: "سنحول الشريط الحدودي إلى جبهة مفتوحة مع العدو التركي"، مطالباً روسيا والولايات المتحدة بـ"إجبار الجانب التركي على احترام اتفاقات وقف إطلاق النار".
وأضاف: "على قوات حكومة دمشق (النظام السوري) الموجودة أن تكون أكثر فعالية. عندما وافقنا على انتشار هذه القوات في شمال شرق سورية، كان الاتفاق ينص على وجود سلاح ثقيل ومنصات دفاع جوي".
من جانبه، يرى المحلل السياسي السوري الكردي فريد سعدون، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الجانب التركي سيكتفي بالقصف الجوي"، مضيفا: "العملية البرية تحتاج الى استعداد لم نلحظه في المناطق الحدودية، إضافة إلى أن الظرف الدولي لا يسمح بهذه العملية".
وشمل القصف التركي مواقع للقوات الكردية في ريف حلب الشمالي، غرب نهر الفرات، منها عين دقنة ومرعناز ومنغ ومحيط بلدة تل رفعت ودير جمال. ولكن القصف الأشد كان في شرق الفرات وخاصة على مواقع عسكرية في مدينة عين العرب (كوباني) وريفها، وأبرزها قرية شعير غرب المدينة، وجبل مشتى نور، وقرب المستشفى العسكري.
"حق الدفاع عن النفس"
وفي أقصى الشمال الشرقي من سورية، قصف الطيران التركي مواقع وأهداف بريف بلدة المالكية (ديرك)، وبريف الدرباسية، فضلا عن محيط بلدة عين عيسى شمالي الرقة. كما نفذ الطيران التركي ضربتين على نقاط لقوات النظام السوري على خطوط التماس، ما أدى الى مقتل عدد من عناصر تلك القوات، وفق وكالة "سانا" للأنباء التابعة للنظام، في جنوب غرب الدرباسية ومحيط المالكية وقرية تل حرمل، شمال بلدة أبو راسين بالريف الشمالي.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية، ليلة الأحد، الشروع في عملية "المخلب-السيف" الجوية ضد مواقع لحزب "العمال الكردستاني" و"وحدات حماية الشعب" الكردية شمالي العراق وسورية. وقالت الوزارة في بيان إن "العملية تستند إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على الحق المشروع في الدفاع عن النفس"، مشيرة إلى أنها "تهدف لضمان أمن الحدود ومنع أي هجمات إرهابية تستهدف الشعب التركي والقوات الأمنية، واجتثاث الإرهاب من جذوره، عبر تحييد التنظيمات الإرهابية".
وأوضحت الوزارة أن العملية استهدفت مناطق في شمال سورية والعراق "يستخدمها الإرهابيون قواعدَ لاستهداف تركيا". ونقلت وكالة "الأناضول" عن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، قوله إنه "تم هدم أوكار ومغارات وجحور الإرهابيين فوق رؤوسهم"، مضيفا: "سنواصل محاسبة الذين استهدفوا أمن بلادنا وأمتنا مثل ما حاسبناهم من قبل وحتى اليوم".
كما أكد أن العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي "لم تلحق أذى بالأبرياء والبيئة"، مشيرا إلى أنه "تم التخطيط بمنتهى الدقة للعملية". وفي المقابل، قال الرئيس المشارك لدائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية" الكردية في شمال شرق سورية، بدران جيا كرد، في تصريحات له اليوم: "تركيا تدفع المنطقة إلى حروب ومعارك لا تصب في مصلحة أحد".
ويأتي التصعيد التركي عقب اتهام أنقرة حزب "العمال الكردستاني" و"وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تعد النواة الصلبة لـ"قسد"، بالمسؤولية عن التفجير الذي وقع في مدينة إسطنبول التركية في الـ13 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وأسفر عن سقوط ستة قتلى وإصابة أكثر من 80 آخرين.