هل يكفي التعديل الحكومي في تونس لحل الأزمة؟

09 اغسطس 2023
من اجتماع سعيد برئيس الحكومة الحشاني وعدد من الوزراء (الرئاسة التونسية/فيسبوك)
+ الخط -

يترقب موالون للرئيس التونسي قيس سعيّد، تغييراً شاملاً في حكومة أحمد الحشاني، لتجاوز الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد، في حين يعتبر معارضوه أن الأزمة هيكلية ولا يمكن حلّها بتعديل حكومي مع المحافظة على نفس السياسات.

ورافق قرار الرئيس سعيد إعفاء رئيسة حكومته نجلاء بودن، الثلاثاء الماضي، وتعويضها بالموظف الحكومي المتقاعد من البنك المركزي أحمد الحشاني، غموض بشأن مصير بقية وزراء حكومة بودن.

وينتظر مساندون للرئيس سعيد إجراء تعديل حكومي قد يشمل غالبية الحقائب الوزارية، ويسد الشغور في وزارة التشغيل، التي تعمل بلا وزير منذ أشهر.

ويصوب أنصار الرئيس اهتمامهم على وزراء الاقتصاد والمالية، والقطاعات الانتاجية، والاجتماعية، فيما يستثنون وزراء السيادة من أسهم انتقاداتهم، معتبرين أن أزمة البلاد بالأساس اقتصادية واجتماعية، كما تلوح تغييرات في وزارات الثقافة والشباب والرياضة والمرأة والتعليم العالي.

فيما تعد وزارات السيادة الأقل انتقاداً، وخصوصا الداخلية والدفاع والخارجية، وكذلك وزراء الصحة والتعليم، إذ يبدو أن هناك رضى عن أدائهم.

وقال عضو مكتب البرلمان، والقيادي في حزب حركة الشعب، بدر الدين القمودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن المسألة "أعمق من الحديث عن وزارة فاشلة، نحن تعاملنا مع حكومة بودن وكان أداؤها دون المأمول، ودون ما ينتظره شعبنا من مسار  25 يوليو 2021، وكان هناك تقصير واضح في الملف الاقتصادي والاجتماعي وغياب الرؤية والبدائل، للخروج مما نحن فيه، وهو ماجعل الأرقام والمؤشرات تتراجع، وحتّم علينا في حركة الشعب الدعوة إلى إعادة النظر في هذه الحكومة، التي خيبت آمال التونسيات والتونسيين، ولم تشتغل وفق بوصلة 25 يوليو".

وشدد على أنه يؤيد "تعديلاً حكومياً لكامل الفريق مع المحافظة على بعض الحقائب".

برنامج الحكومة المعدّلة

واستدرك القمودي قائلاً "القضية ليست في التعديل الحكومي بل البرنامج الذي ستحمله الحكومة، وهو يتطلب اختيار كفاءات تكون منسجمة، وفي تقديرنا أغلب الحقائب يجب أن تتغير على غرار وزارة المالية التي كانت فاشلة، وكذلك النقل، والاقتصاد، والتخطيط، يينما وزراء السيادة يمكن الإبقاء عليهم، فقد نجحوا إلى حد ما". 

وحول إشراك أحزاب في مشروع وبرنامج الحكومة، قال القمودي، إن "توسيع الاستشارة أمر مطلوب على الأقل في وضع ملامح البرنامج وقد سبق وقدمنا ورقة لرئيس الجمهورية حول تصورنا لأداء الحكومة المقبلة".

وقال رئيس المكتب السياسي لمسار 25 يوليو عبد الرزاق الخلولي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "طولب بهذا التعديل الحكومي منذ أشهر، بعد تقييم أداء أغلب الوزراء، وخاصة الحقائب الاقتصادية والاجتماعية والمالية، ولا نعلم إن كان هذا يعود لعدم وجود سلطة لرئيسة الحكومة بودن عليهم أو لانفلات أدائهم ونتائجهم". 

وتابع "نحن نعتقد أنه لا بد من ضخ دماء جديدة تشمل 7 وزارات على الأقل وهي: الاقتصاد والمالية والشؤون الاجتماعية والتجارة والصادرات والسياحة والنقل والتجهيز، فهذه الوزارات التقنية والقطاعية لم نلاحظ نتائجها، ولا مشاريع وتصورات كبرى أو إصلاحات"، إضافة إلى وزارة الثقافة التي شملت "مهازل"، بحسب تعبيره.

واعتبر أن "أداء غالبية الوزارات السيادية ووزارة التعليم، قامت بدورها وأنجزت، وعليها أن تستكمل ما قامت به، خصوصاً وزير التعليم (محمد علي البوغديري) الذي قام بواجبه في تطبيق القانون ونجح في معالجة أزمة التعليم، وبينما قام وزير الداخلية (كمال الفقيه) بواجبه أيضاً، لاحظنا تراجعا وتراخيا في أداء وزيرة العدل (ليلى جفال)، عكس الفترة السابقة، بداية مسار 25 يوليو، عندما أثارت ملفات فساد عديدة. يمكنها أن تتدارك ذلك أو أن يتم تغييرها".

وحول غياب صلاحيات الوزراء ومسؤولية الرئيس في رسم السياسات وتوجيه الوزراء، قال الخلولي، إن "المعارضة توظف هذه المسألة للاستهداف، وهذه مغالطة كبرى، ففي الأصل رئيس الدولة منتخب، ويرسم سياسة عامة للدولة في إطار تحقيق أهداف مسار 25 يوليو، وهي أهداف معلومة في المحاسبة، والإنقاذ، والإصلاح، ومراجعة النظام الاقتصادي، وبالتالي الجهاز الننفيذي، الذي هو امتداد للسلطة السياسية، عليه أن يعمل على تنفيذ هذه الأهداف والبرامج".

وأشار إلى أن "الرئيس لا يتحمل مسؤولية فشل أي وزير في تحقيق هذه الأهداف، بل هو تراخ وتهاون من بعض الوزراء، ممن يخشون تحمل مسؤولياتهم؛ وزراء مازالوا يتأرجحون بين 25 يوليو 2021 وما قبله، ولم يستوعبوا اللحظة".

وشدد على أن "هناك وزراء معذورين، لم يجدوا تعاوناً من قبل إدارات ومسؤولي دواوين يعرقلون المشاريع وبالتالي، وجب تطهير الإدارة من هؤلاء".

"ذرّ للرماد في العيون"

في مقابل ذلك، تعتبر المعارضة أن تعديل الحكومة لن يغير شيئاً من الأزمة القائمة، فالمسؤول عن السياسات الحكومية والتعيينات هو الرئيس نفسه، وتغيير الحكومة هو ذرّ للرماد في العيون، والتفاف عن المشاكل الحقيقية.

وتساءل القيادي في جبهة الخلاص الوطني، نائب رئيس حزب الإنجاز والعمل، أحمد النفاتي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أنه "قبل الحديث عن التعديل الحكومي المرتقب... لماذا قام الرئيس بتغيير رئيسة الحكومة نجلاء بودن؟ وعلى أي أساس تم التعاقد معها؟ وهل كانت تدير الحكومة فعلاً؟"، مضيفاً أن "الإجابة عن هذه الأسئلة ستساعد الحشاني نفسه على لعب دوره بشكل جيد، فمنذ لحظة 25 يوليو 2021 والدولة التونسية تعيش حالة انفلات سياسي، بسبب استجماع الرئيس لكل السلطات التنفيذية والتشريعية، ما جعل رئيس الحكومة غير قادر على أخذ القرار".

وتابع: "تعيين الحشاني سيزيد من عزلة تونس عن محيطيها الإقليمي والدولي في ظل استمرار سياسة الإقصاء والتهميش للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وغياب لحوار وطني جامع، يساهم في بلورة خطة إنقاذ تساعد البلاد على تجاوز الأزمات المتعددة، التي بات يتخبط فيها الشعب التونسي".

وختم بأن ذلك "سيؤدي لنفس المآلات، لأنه ضمن نفس فلسفة الحكم الواحد، ونفس العقل السلطوي المتفرد بكل السلطات، ولن تكون هناك حلحلة للوضع الراهن، ولا للأزمة الخانقة التي تمر بها تونس، إلا بالعودة إلى العقل الجمعي، وإلى الصندوق لاستئناف المسار الديمقراطي الذي تعطل منذ فترة".

المساهمون