إذا سألت السوريين عن رأيهم فسيجيبونك بصراحة، من عقود تجربتهم مع نظام اعتاد ممارسة الابتزاز، وخلق أرضياتها، إن اقتضى الأمر. فالمقايضة والابتزاز يبدآن مبكراً في يومياتهم. كان على المرء أن يكون بعثياً، ولو صورياً، سواء أكان سورياً أم فلسطينياً-سورياً، ليقبلك النظام في وظيفة ما.
المسألة أصبحت منذ 2011 أكثر شيوعاً؛ فمقابل الهتاف بحياة "القائد"، بعد حصار دامٍ، يمكن أن تحصل على كسرة خبز وشربة ماء. شمل ذلك ابتزاز عشرات آلاف المحاصرين، تحت طائلة القصف والتجويع. وفي الوقت الذي تباكى فيه نظام "الممانعة" على دماء فلسطينية تسيل بأيدٍ صهيونية، كان قناصوه وكانت حواجزه يُسيلان دماء الفلسطينيين في مخيم اليرموك وغيره.
اليوم تعود سياسات البعض العربي لتذكّر بحقيقة نظام دمشق. فحتى لو نحينا وقاحة التباكي على ضحايا الزلزال الأخير، ونهب المساعدات الخارجية، فثمة ما هو ماثل ويمس العرب جميعاً. فمنذ ما قبل القمة العربية في الجزائر في خريف العام الماضي، ارتفعت أصوات البعض لعودة نظام بشار الأسد إلى المؤسسة العاجزة عن التحول إلى مجموعة غير افتراضية.
وقبل قمة جدة، في مايو/أيار الماضي، طُرحت "مبادرة الخطوة مقابل خطوة"، من أجل "تطبيع" العلاقة به، بعيداً عن معاناة الشعب السوري. ووصل البعض إلى حد استجداء خطوات رمزية، لحفظ ماء الوجه السياسي. ذلك ما أدركه السوريون، ولم يشأ كثيرون الاستماع إليهم.
فنظام الأسد معتاد على المقايضة والابتزاز عربياً، منذ سبعينيات القرن الماضي، مروراً بالحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وسياساته في لبنان وحيال الفلسطينيين، وغيرها من قضايا كثيرة، وصولاً إلى تفضيل قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي لنظامه الاستبدادي، "خوفاً من المجهول"، كما يبررون إلى اليوم.
يدرك كثيرون من سوريي اليوم، حتى قبيل حراك السويداء، أن المطروح هو تسويف، وتحويل قضيتهم إلى "المسألة السورية"، بعيداً عن مستقبلهم الحر، مقابل وقف تهريب الكبتاغون، أو خفضه، وبعيداً عن "الحل السياسي". وقضية إغراق العرب بالمخدرات، إلى جانب أموال صناعة الكبتاغون، ليست سوى أحد أعراض تذاكي معسكر الابتزاز، وصولاً إلى صيغ "الكبتاغون مقابل المال".
على كل، في عقود مضت كانت المتفجرات وعمليات الاختطاف والاغتيالات، وبيع أوهام مواقف سياسية، عناوين واضحة للابتزاز والمقايضة، مع أنظمة وصفها الأسد بنفسه بأوصاف لا تليق. وبالتالي، مع انسداد الأفق، فليس غريباً زيادة عيار الكبتاغون، دونما اكتراث للشعارات القومية في دمشق عن الشباب العربي، والعودة إلى بروباغندا "متآمرين" و"خونة". فهل سيختار العرب المراهنة على حصاد الخيبات مجدداً؟