يُشكّل حصاد عمليات تنظيم "ولاية سيناء"، في مصر، ضد الجيش والشرطة، صدمة كبيرة، لناحية حجم الخسائر الكبير الذي لحق بالقوات المشاركة في العمليات ضده. وقد تطوّر التنظيم المسلّح بشكل كبير خلال العام الماضي، تحديداً مع مبايعة قادته، أمير تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أبو بكر البغدادي، وهو ما أتاح لهم زيادة القدرات بشكل كبير، ما انعكس على العمليات التي ينفذها ضد الجيش والشرطة. ولم تتمكن قوات الجيش والشرطة في مواجهة التنظيم على مدار عامين، والقضاء عليه بشكل فعلي، على الرغم من بعض التصريحات لقيادات عسكرية، بأن "الإرهاب في سيناء انتهى بنسبة 90 في المائة".
بيد أن هذه التصريحات تدحضها العمليات التي ينفّذها التنظيم بشكل شبه يومي، وخصوصاً بعد أن تمّ نقل مسرح العمليات داخل مربع عمليات الجيش والشرطة، في مدينة العريش. وتراجعت عمليات التنظيم في الشيخ زويد ورفح، مع ضربه أكثر المناطق أمناً في سيناء، في ظلّ قلّة حملات الجيش في تلك المناطق، إلا بشكل متقطع. وقد أسهم تطوّر القدرات التكتيكية وإدخال أسلحة حديثة متطورة، في جعل عمليات التنظيم أكثر إيلاماً. وهو أمر آخر يُعدّ أكثر خطورة، ويُفنّد مسألة إحكام الجيش السيطرة على كل مداخل ومخارج سيناء. كما أن العناصر المقاتلة التي انضمت للتنظيم من خارج مصر، ضاعفت القدرات، وخصوصاً أن أغلبهم ربما شارك في عمليات سابقة في مناطق الصراع، سواء في العراق أو سورية أو ليبيا.
وقد أعلن التنظيم عن حصاد عملياته خلال عام من مبايعة "داعش"، وهو، إن صح، لا يقترب من الأعداد التي أعلنها المتحدث الرسمي العسكري العميد محمد سمير. وتوقّف سمير عن إعلان أي تفاصيل خاصة بسيناء وسير العمليات بشكل شبه كامل، منذ إقرار "قانون الإرهاب" (16 أغسطس/آب الماضي)، والذي يُحظّر نشر أخبار عن سيناء، إلا من خلال الجهات الرسمية.
بيد أن تفاصيل عمليات التنظيم تكشف حجم الأزمة التي تواجه الجيش في سيناء، في ظل عدم قدرته على الحسم حتى الآن، فضلاً عن وقوع خسائر بشرية كبيرة، بخلاف الخسائر المادية المُقدّرة بالملايين، جرّاء استهداف هذا الكمّ من الآليات العسكرية.
ويُفنّد التنظيم عملياته بالأرقام، كتدمير 24 آلية من نوع دبابة "أم 60"، و17 آلية من نوع "أم 13"، و3 آليات من نوع "واي بي آر" وكاسحة ألغام، و17 آلية من نوع "هامر"، و5 آليات مصفحة، و54 آلية غير محددة النوع، وحافلتين لنقل الجنود.
كما أعلن "ولاية سيناء" عن تفجير سبع جرافات، وعشر شاحنات نقل وقود، مشيراً إلى أنه "نجح في استخدام صواريخ مضادة للدروع، لتدمير 6 آليات بصواريخ كورنيت، وآلية بقذيفة آر بي جي". وبشأن الخسائر في الأرواح من الجيش والشرطة، يكشف التنظيم أنه "استهدف بأربع عبوات ناسفة تجمّعات للأفراد، وقنص 11 مجنّداً، واغتال 37 آخرين، وتصفية 30 جاسوساً للجيش". ويكشف أنه "قتل 80 جندياً في عمليات اقتحام لثكنات، ونفّذ 12 عملية استشهادية، واستخدم 30 انغماسياً، وفخّخ مقرّين للجيش، فضلاً عن تفخيخ 20 منزلاً لأمناء الشرطة، وسيارة مفخخة مركونة". ويُردف بأنه "دكّ ثكنات الجيش بـ44 صاروخ كاتيوشا، واستهدف المستعمرات الصهيونية بثلاثة صواريخ غراد، واستخدم 80 قذيفة هاون في هجمات على ثكنات للجيش".
اقرأ أيضاً "رايتس مونيتور": الفشل الأمني سبب "مجزرة العريش"
أما في ما يخص العمليات النوعية، فيكشف التنظيم أنه "ضرب خطوط الغاز المؤدي إلى الأردن مرتين، واستهدف طائرتي أباتشي للجيش المصري، ودمّر فرقاطة تابعة لسلاح البحرية في البحر المتوسط". ويدّعي التنظيم أنه "اغتنم عدداً كبيراً من الأسلحة والذخائر خلال العمليات ضد الجيش، منها: 4 آليات من نوع أم 113، وآليتان من نوع واي بي آر، وثلاث سيارات هامر، وخمس سيارات، ومحرّك دبابة، وسلاحان مضادان للطائرات، وخمسة أسلحة دوشكا، وخمسة رشاشات من نوع أم جي، وست قذائف آر بي جي، وخمسين كلاشنكوف، و2 دوشكا، و15 جوالاً، و25500 طلقة كلاشنكوف، و5 آلاف طلقة رشاش أم جي، و8 آلاف طلقة دوشكا، وألف طلقة بيكا، و125 قذيفة مدفعية، و650 طلقة سلاح مضاد للطائرات، و30 قذيفة آر بي جي. بالإضافة إلى قنّاصة، وسلاح بيكا، وستة مسدسات، ومسدسين حلوان، وجهازين للرؤية الليلية، و10 مناظير ليلية، ومنظارين نهاريين".
من جانبه، يقول خبير عسكري لـ"العربي الجديد"، إن "حصاد عمليات التنظيم، إذا كان صحيحاً، يعدّ كارثة كبيرة للجيش، مع تكبّد هذا الكمّ من الخسائر البشرية والمادية". ويضيف الخبير أن "الجيش لم يتمكّن من صدّ التنظيم حتى الآن، لغياب الرؤية والتعامل المختلف مع الأوضاع، في ظلّ قدرة وتنامي التنظيم وانضمام عناصر جديدة له". ويتابع قائلاً إن "الجيش في حيرة شديدة للتعامل مع هذا التنظيم، والأخطر هو كيف دخلت الأسلحة المستخدمة في تلك العمليات، وكيف تواجد مكان تصنيع العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، والذي لم يتم كشفه حتى الآن". ويتوقع الخبير "تزايد عمليات التنظيم واستهداف الجيش والشرطة، في ظلّ نقل مسرح العمليات إلى العريش، وهي خطوة شديدة الخطورة، وخصوصاً أن الإمداد البشري على ما يبدو، يسير بشكل طبيعي لدى التنظيم".
ويشدد على "ضرورة محاكمة القيادات المسؤولة عن هذا الفشل في سيناء، وخصوصاً أن الأوضاع ليست مستقرة، خلافاً لما يرددون". من جانبه، يقول الخبير العسكري، طلعت مسلم، إن "لا دليل على صحة المعلومات التي نشرها التنظيم الإرهابي". ويضيف مسلم، لـ"العربي الجديد"، أن "الجيش يدرك جيداً أن هذه الأرقام ليست صحيحة، وهدفها إظهار قوة التنظيم على غير الحقيقة"، متسائلاً: "لو أنه بهذه القوة لماذا فشل في احتلال الشيخ زويد، ولماذا لم يُنفّذ عمليات كبيرة من أشهر؟". ويشير إلى أن "الجيش يواجه صعوبة في التعامل وهو أمر واقع، لأن حروب مواجهة الإرهاب تحتاج وقتاً، فالجيوش النظامية ليست مدرَّبة على حروب العصابات". ويرى بأن "نقل مسرح العمليات للعريش، هو آخر فرصة للتنظيم المسلح لإثارة الفوضى، بعد تنفيذ الجيش عمليات إخلاء الشريط الحدودي من دون مشاكل".
اقرأ أيضاً مصر: الإعدام والسجن 405 أعوام لحبارة وآخرين بأحداث "رفح"