تجمدت الحياة السياسية في الجزائر، منذ مساء أمس الأربعاء، بعد الإعلان عن وفاة حسين آيت أحمد، الزعيم التاريخي وأحد أبرز قادة ثورة الجزائر، واستفاق المجتمع السياسي على صدمة رحيله في ظل أوج الصراع بين السلطة والمعارضة.
الصحف الجزائرية اختارت إلغاء كل عناوينها في صدر صفحاتها الأولى، وأبقت على صورة الرجل وعبارات التأبين، ولم يحظ رجل سياسي في الجزائر بكل هذا الوقار والإجماع السياسي والشعبي كما آيت أحمد، وهو الرجل الديمقراطي الذي دافع منذ شبابه عن الحرية في الجبال مقاتلا في ثورة التحرير، وكافح من أجل الديمقراطية والدولة المدنية، وعارض كل الانقلابات العسكرية وتدخل الجيش في صناعة القرار منذ عام 1962 عندما استولى الجيش على السلطة وانقلب على الحكومة المؤقتة عشية استقلال الجزائر.
وفاة آيت أحمد تعد بحسب المراقبين خسارة سياسية وتاريخية كبيرة للصف الديمقراطي والمعارضة السياسية التي باتت تواجه سلطة تتوجه اكثر إلى الحكم المركزي والتفرد في العقد الأخير. القوى السياسية في الجزائر أجمعت على هذا موقف. وقال عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر، في تصريحات صحافية إن " فقدان هذا الرجل التاريخي هو مصاب كل الجزائريين، لقد كان ممن ظلمتهم القوى التي انقلبت على الشرعية وعلى التاريخ غداة الاستقلال، لطالما كنت أقول بأن النظام السياسي الذي يغتال كريم بلقاسم وخيضر ويعدم شعباني ويسجن ويشرد بوضياف وآيت أحمد هو نظام لا يملك الشرعية التاريخية التي ادعاها وحكم بها، وهو نظام فوت الفرصة على بناء منظومة سياسية ديمقراطية يقودها هؤلاء الذين لم يطالبوا سوى بالتعددية والديمقراطية".
ووجه ناشطون ونخب فكرية وإعلامية انتقادات إلى السلطة في الجزائر بسبب تجاهلها وضع آيت أحمد في الفترة الأخيرة، وإقصائها له سياسيا ومحاولات تهميشه من التاريخ، وكتب الناشط السياسي في حركة "بركات" المعارضة، سمير بلعربي، إن آيت أحمد كان من أبرز الموقعين على وثيقة العقد الوطني التي انتهى إليها اجتماع المعارضة في روما 1995 من أجل حل سياسي سلمي مدني شامل ونبذ العنف كوسيلة للوصول للسلطة أو البقاء فيها".
وقال الكاتب والمؤرخ رابح لونيسي إن آيت أحمد كان يدعو إلى عقد وطني يجمع كل الأطياف والقوى السياسة والأيديولوجية في الجزائر لضمان أدنى المبادئ الديمقراطية، وقال أستاذ العلوم السياسية زهير بوعمامة إن "حسين آيت أحمد قامة تاريخية وطنية أخرى تمضي مخلفة وراءها إرثا تاريخيا عظيما، لقد لاقى الرجل الملاحقة والسجن والنفي والإقصاء من المستعمر ثم من رفاق سلاحه بعد أن اختلف معهم بعد الاستقلال، فلم يبدل ولم يغير قناعاته رغم كل الضغوط والمغريات".
وتقرر دفن آيت أحمد في بلدته الصغيرة عين الحمام بولاية تيزي وزو عاصمة منطقة القبائل، ويتوقع أن تشهد الجنازة حضورا شعبيا مهيبا.
وأعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الحداد الوطني في الجزائر لثمانية أيام بدءا من يوم غد الجمعة، وتنكيس العلم الوطني من على المؤسسات الحكومية، فيما قطع التلفزيون الرسمي برامجه وبث القرآن الكريم، وتقرر فتح السفارات الجزائرية لتلقي العزاء في كل الدول التي فيها تمثيل دبلوماسي للجزائر.