يرفض المسؤول عن المركز، شميديت، التجول في المبنى لاستطلاع أحوال اللاجئين، ويؤكّد أنّه حالما يستكملون تجهيزه، لن يمانع في ذلك، مشيراً إلى أن المركز سيحتضن حالما يجهز نحو 800 عائلة. يقدّم المركز الطعام والمنامة للعائلات، لكن يبدو أنها غير كافية. وتثير استياء اللاجئين، الذين يشكون أحياناً من سوء المعاملة من قبل المترجمين أو المشرفين الألمان، تحديداً ممن ينتمون إلى أصول عربية أو أفغانية، أي من الجيل السابق للمهاجرين. في الرواق، خارج مكتب شميدت، تنتظر عائلة، وصلت حديثاً لتسجيل بياناتها، قبل الانضمام إلى العائلات الأخرى في المبنى. العائلة من أربعة أفراد، جميعهم يضعون السوار البلاستيكي حول معاصمهم، وإن تغيّر لونه أحياناً. يرفض المسؤول القول إن ذلك تمييزاً بحق اللاجئين، أو إنّه يعرّضهم للمخاطر، خصوصاً من الجماعات العنصرية.
يثير متحف شتازي، حيث يلعب أطفال سوريون في باحته، فضول فتىً من اللاجئين. هو مبنى مؤلف من أربعة طوابق، تتوزع فيه مكاتب الوزارة والوحدات الاستخباراتية. من مكتب وزير الداخلية الأخير في ألمانيا الشرقية، إريخ ميلك، وصولاً إلى غرفة نومه ومكتبه الخاص في الوزارة، مروراً بقاعات اجتماعات القيادات الأمنية والاستخباراتية في "GDR". وغرف التحقيقات. وغرف المراقبة والتجسس على المواطنين. إضافة إلى معرض يحتوي على صور وعينات من أساليب عمل وزارة الداخلية في تلك الفترة؛ أدوات وأساليب التجسس. ووثائق وصور تشير إلى وجود جهاز "شتازي" في كل مكان. صورة تعود لمواطن يدخل إلى بيته، وأخرى للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في أحد الاجتماعات. وثالثة لفرقة موسيقية. فضلاً عن تقارير استخباراتية، وصور لمخبرين، وأوامر جلب وتحقيق وانتزاع اعترافات تحت التعذيب، وقتل وتصفية.
يُقال إنّ هوس "شتازي" لمعرفة أدق التفاصيل حول نشاط مواطني "GDR" بلغ حدّ نشر مخبر لكل ستة مواطنين، وإنه كان يملك أكبر أرشيف للاستخبارات في العالم، وإنه شمل على وحدات متنوعة ومتخصصة للتجسس، إحداها، على سبيل المثال، لمتابعة ودراسة توجّهات الرأي العام ومزاجه.
ليس مبنى وزارة الداخلية وحده ما بات متحفاً لدكتاتورية "GDR"؛ ففي منطقة جينسلير شتراسي، يقع سجن "شتازي" المركزي. تتوزّع غرفه، وهي بالمئات، على عدّة طوابق، وتتراوح من حيث الحجم. الأصغر منها لا يتجاوز 6 أمتار مكعبة وارتفاع مترين. الجولة داخل رموز نظام قمعي انهار بين ليلة وضحاها، تستحضر معها تلقائياً أجهزة النظام السوري. جابر المؤيد للنظام، يرى في سجن شتازي، وفي أساليب التحقيق والتعذيب والتجسس،"رفاهية" لا تعرفها المخابرات السورية أو فروعها المتشعبة؛ فإذا ضم مجمّع سجون "شتازي"، سجن "يو بوت" السوفييتي في طابق واحد تحت الأرض، فإن فرع فلسطين يحتوي على ثلاثة طوابق تحت الأرض. في ليلة التاسع من نوفمبر/تشرين الأول 1989، إنهار جدار برلين، لتتساقط معه هيئات نظام "GDR" تباعاً. اخترق المواطنون الجدار بشكل عفوي، ودخلوا مبنى "mfs" وبعثروا محتوياته، واجتاحوا سجون "شتازي" وحوّلوها إلى متاحف.
لم تكن تلك الموجة الأولى، فقد سبقها انتفاضة عام 1953، سُجن وعُذّب أفرادها، وازداد النظام بعدها استبداداً، لكن في النهاية سقط مرّةً واحدة. ينظر جابر وأحمد إلى الغرف المظلمة، ولا يخفيان ابتسامة ملؤها أمل في أن يعودا إلى سورية يوماً ما، وقد أصبحت سجونها وأدواتها القمعية واستخباراتها متاحف.
اقرأ أيضاً: استخبارات النظام السوري: مافيات بصفة أجهزة أمنية