تستمرّ احتفالات مناصري حزب القوات اللبنانيّة والتيار الوطني الحرّ بتفاهم زعيميهما، سمير جعجع وميشال عون، على ورقة من عشرة بنود، وعلى دعم جعجع لترشيح عون للرئاسة. تُشير بعض المصادر المطّلعة على التفاهم، إلى أن النتائج الأبرز لهذا الاتفاق، ستكون عبر تشكيل لوائح انتخابية مشتركة في الانتخابات النيابيّة المقبلة. وقد تكون الانتخابات البلديّة، إذا ما جرت في موعدها المفترض في مارس/آذار المقبل، محطة لتجربة لهذا التفاهم.
لكن لا بدّ لوتيرة هذه الاحتفالات أن تتراجع تدريجياً، وخصوصاً في الجهة العونيّة، مع ظهور مدى صعوبة وصول عون إلى الرئاسة، وأن مفعول ترشيح جعجع له اقتصر على زيادة 8 نواب إلى عدد ناخبي عون، وهو رقم غير كافٍ لإيصال عون إلى مبتغاه الرئاسي.
يحضر هذا النقاش في كلّ جلسة يُشارك فيها عوني أو قواتي. تشعر بفائض النشوة عند مناصري الطرفين لتحقيق "إنجاز" التفاهم. يعود هؤلاء بالذاكرة إلى اللحظة التي عمل فيها الرئيس الراحل الحليف لإسرائيل بشير الجميل، على "توحيد البندقية" عبر سلسلة من الحروب والتصفيات السياسيّة. يرغب عقلهم الباطني بعيش تلك اللحظة مجدداً. لحظة وصول رئيس مسيحي قوي إلى رئاسة الجمهوريّة. لحظة الوهم بالقدرة على حكم البلد. وهم عاشته وتعيشه الطوائف اللبنانيّة بشكلٍ متتالٍ، لينتهي هذا الوهم لاحقاً بطريقة عنيفة.
في الجلسات الخاصة، يقول القواتيون ما لا يقولونه علناً: "أنهينا حالة العداء مع ميشال عون خلال حياته، وبالتالي سنكون جزءاً من الورثة بعد وفاته، خصوصاً مع عدم قدرة التيار الوطني الحرّ بعد على التحوّل إلى حزب متماسك". السعي لوراثة عون، يعني ضمناً، منع الخصم المسيحي الآخر، أي حزب الكتائب، من وراثة الحالة العونيّة. ومن المعروف، أن علاقات جيدة جمعت رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، بعدد من الكوادر العونيّة، وهو يحرص على تقديم خطاب سياسي حديث يلامس قناعات الجيل الشاب، لا سيما في إصراره على السيادة واحترام القانون ومواجهة الفساد. بالتالي، يسعى القواتيون لتوجيه ضربة مزدوجة: وراثة جزء من الحالة العونية، وتضييق الحصار على الجميّل، والشخصيات المسيحيّة المستقلة.
اقرأ أيضاً "السنية السياسيّة" في أضعف مراحلها اللبنانية:أزمة تيار المستقبل نموذجاً
من المؤشرات على "ضيق صدر" جعجع من الشخصيات المسيحية، توجيهه لها عبارات حادة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على خلفية موافقة النواب المسيحيين المستقلين على المشاركة في جلسة تشريعية قبل الموافقة القواتية. حينها توجه جعجع إلى النواب المسيحيين المستقلين بالقول: "إذا سكتنا فلا يعني أنّ حيطنا واطي، بل لأن معاركنا كبيرة ولا وقت لنا لحزازيات الحي، ونحن لم نتعامل يوماً مع أحد على أساس تمثيله، ولكن لا يجوز أن نرضى بالهمّ والهمّ لا يرضى بنا".
عملياً، يسعى تحالف عون ــ جعجع لتقديم نفسه كممثل المسيحيين، وهو أمر يسعى الطرفان لتكريسه في الانتخابات النيابيّة. هذا يعني حكماً، استهداف القوى المسيحيّة الأضعف، مثل تيار المردة وحزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار والشخصيات المستقلة.
وإذا كان تيار المردة ورئيسه النائب سليمان فرنجيّة، في وضع متين في قضاء زغرتا (شمال لبنان ولديه بحسب التقسيم 3 نواب في البرلمان من أصل 128)، لكنه يشعر "بخطر" انتخابي في دوائر أخرى له، تأثير فيها في العادة، مثل الكورة والبترون وعكّار (كلهم في الشمال).
في المقابل، فإن حزب الكتائب في وضع أصعب، خصوصاً أنه مناصريه غير متكتلين في منطقة جغرافية واحدة. وحتى منطقة المتن، التي يترشّح عنها رئيس الحزب، فإنها معروفة بأنها من أكثر المناطق اللبنانية التي لا يلتزم ناخبوها بلائحة حزبية، بل يُشكلون لوائحهم الخاصة، وهي منطقة شديدة التنوّع سياسياً من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. وينطبق الأمر عينه على الوزير بطرس في البترون (شمال)، ونواب الأشرفية (المنطقة المسيحية من بيروت)، والحالة "السكافية" في زحلة (شرق).
كما أنه لا بد من الإشارة إلى أن أحد عناصر هذا التحالف، هو أنه تحالف "القوى غير التقليديّة" في وجه القوى التقليدية. ففرنجية "بيك ابن بيك" والجميّل "شيخ ابن "شيخ"، وكذلك الحال بالنسبة لحرب والوزير ميشال فرعون. في المقابل، فإن عون دخل الحياة السياسيّة عبر المؤسسة العسكرية التي تولى قيادتها في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي. وهو لم يرث منصبه من والده. أما جعجع، فهو ابن موسيقيّ في الجيش اللبناني من بشرّي (أقصى الشمال النائي)، نزح إلى بيروت بهدف دراسة الطب في جامعتها، وكمقاتل في صفوف القوات اللبنانيّة. لم يرث جعجع أي موقع، لا بل حصل على مواقع من خلال معارك سياسيّة وعسكرية.
لكن مواجهة "الإقطاع" المسيحي، ليس بسهولة مواجهته، والقضاء عليه تقريباً، في الحالة الشيعيّة والسنية. ولهذا الأمر أسباب كثيرة، منها طبيعة المجتمع المسيحي، ونوع العلاقة بين الإقطاع والجمهور، وتحوّله إلى مؤسسات حزبية ــ عائليّة، وخوضه معارك تحت عنوان الحرية وحقوق المسيحيين، ودفع أثمان في هذه المعارك، جاءت على شكل الاغتيالات التي طاولت بشير وبيار الجميّل وطوني فرنجية. كما أن الحالتين، العونية والقواتية، ليستا مجرد انتفاضة الطبقتين الوسطى والفقيرة على الإقطاع، بل إنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً برجال أعمال ومتمولين كبار، وجزء منهم من أثرياء الحرب الأهليّة والمرحلة التي تلتها.
في السياق عينه، فإن "المجتمع المسيحي" لم يُسلّم يوماً لزعيم أوحد، حتى لبشير الجميّل. فحتى بشير الجميّل في ذروة قوّته، لم يكن الزعيم الأوحد. وفي الغالب، "يتعاطف" هذا الجمهور، مع الطرف الذي يتعرّض لـ"حرب إلغاء". وفي "التسونامي" العوني في انتخابات 2005 النيابيّة نموذج حيّ. فمن أسباب حصول لوائح عون على نحو 70 في المائة من أصوات الناخبين، كانت محاولة عزل عون في حينها.
لكن لا بدّ لوتيرة هذه الاحتفالات أن تتراجع تدريجياً، وخصوصاً في الجهة العونيّة، مع ظهور مدى صعوبة وصول عون إلى الرئاسة، وأن مفعول ترشيح جعجع له اقتصر على زيادة 8 نواب إلى عدد ناخبي عون، وهو رقم غير كافٍ لإيصال عون إلى مبتغاه الرئاسي.
في الجلسات الخاصة، يقول القواتيون ما لا يقولونه علناً: "أنهينا حالة العداء مع ميشال عون خلال حياته، وبالتالي سنكون جزءاً من الورثة بعد وفاته، خصوصاً مع عدم قدرة التيار الوطني الحرّ بعد على التحوّل إلى حزب متماسك". السعي لوراثة عون، يعني ضمناً، منع الخصم المسيحي الآخر، أي حزب الكتائب، من وراثة الحالة العونيّة. ومن المعروف، أن علاقات جيدة جمعت رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، بعدد من الكوادر العونيّة، وهو يحرص على تقديم خطاب سياسي حديث يلامس قناعات الجيل الشاب، لا سيما في إصراره على السيادة واحترام القانون ومواجهة الفساد. بالتالي، يسعى القواتيون لتوجيه ضربة مزدوجة: وراثة جزء من الحالة العونية، وتضييق الحصار على الجميّل، والشخصيات المسيحيّة المستقلة.
اقرأ أيضاً "السنية السياسيّة" في أضعف مراحلها اللبنانية:أزمة تيار المستقبل نموذجاً
من المؤشرات على "ضيق صدر" جعجع من الشخصيات المسيحية، توجيهه لها عبارات حادة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على خلفية موافقة النواب المسيحيين المستقلين على المشاركة في جلسة تشريعية قبل الموافقة القواتية. حينها توجه جعجع إلى النواب المسيحيين المستقلين بالقول: "إذا سكتنا فلا يعني أنّ حيطنا واطي، بل لأن معاركنا كبيرة ولا وقت لنا لحزازيات الحي، ونحن لم نتعامل يوماً مع أحد على أساس تمثيله، ولكن لا يجوز أن نرضى بالهمّ والهمّ لا يرضى بنا".
عملياً، يسعى تحالف عون ــ جعجع لتقديم نفسه كممثل المسيحيين، وهو أمر يسعى الطرفان لتكريسه في الانتخابات النيابيّة. هذا يعني حكماً، استهداف القوى المسيحيّة الأضعف، مثل تيار المردة وحزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار والشخصيات المستقلة.
وإذا كان تيار المردة ورئيسه النائب سليمان فرنجيّة، في وضع متين في قضاء زغرتا (شمال لبنان ولديه بحسب التقسيم 3 نواب في البرلمان من أصل 128)، لكنه يشعر "بخطر" انتخابي في دوائر أخرى له، تأثير فيها في العادة، مثل الكورة والبترون وعكّار (كلهم في الشمال).
في المقابل، فإن حزب الكتائب في وضع أصعب، خصوصاً أنه مناصريه غير متكتلين في منطقة جغرافية واحدة. وحتى منطقة المتن، التي يترشّح عنها رئيس الحزب، فإنها معروفة بأنها من أكثر المناطق اللبنانية التي لا يلتزم ناخبوها بلائحة حزبية، بل يُشكلون لوائحهم الخاصة، وهي منطقة شديدة التنوّع سياسياً من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. وينطبق الأمر عينه على الوزير بطرس في البترون (شمال)، ونواب الأشرفية (المنطقة المسيحية من بيروت)، والحالة "السكافية" في زحلة (شرق).
لكن مواجهة "الإقطاع" المسيحي، ليس بسهولة مواجهته، والقضاء عليه تقريباً، في الحالة الشيعيّة والسنية. ولهذا الأمر أسباب كثيرة، منها طبيعة المجتمع المسيحي، ونوع العلاقة بين الإقطاع والجمهور، وتحوّله إلى مؤسسات حزبية ــ عائليّة، وخوضه معارك تحت عنوان الحرية وحقوق المسيحيين، ودفع أثمان في هذه المعارك، جاءت على شكل الاغتيالات التي طاولت بشير وبيار الجميّل وطوني فرنجية. كما أن الحالتين، العونية والقواتية، ليستا مجرد انتفاضة الطبقتين الوسطى والفقيرة على الإقطاع، بل إنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً برجال أعمال ومتمولين كبار، وجزء منهم من أثرياء الحرب الأهليّة والمرحلة التي تلتها.
في السياق عينه، فإن "المجتمع المسيحي" لم يُسلّم يوماً لزعيم أوحد، حتى لبشير الجميّل. فحتى بشير الجميّل في ذروة قوّته، لم يكن الزعيم الأوحد. وفي الغالب، "يتعاطف" هذا الجمهور، مع الطرف الذي يتعرّض لـ"حرب إلغاء". وفي "التسونامي" العوني في انتخابات 2005 النيابيّة نموذج حيّ. فمن أسباب حصول لوائح عون على نحو 70 في المائة من أصوات الناخبين، كانت محاولة عزل عون في حينها.
اقرأ أيضاً توافق عون ـ جعجع: تشديد على "المناصفة" يكرّس "المثالثة"؟