ربما كان من أهم أسباب فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية وتحقيقه لمفاجأة فاقت كثيراً من توقعات المراقبين، هو ما أعلنه من تصريحات وسياسات تتعلق بالداخل الأميركي وبملفات تمس أمن المواطن الأبيض هوياتياً واقتصادياً، وتمس قضايا الهجرة والدعوة لبناء أميركا عظيمة مرة أخرى، قاصداً في ذلك ضمنياً عودة هيمنة الرجل الأبيض على مقاليد الاقتصاد والهوية والمجتمع. لذلك، بحسب كثير من المراقبين، يكتنف ملف السياسة الخارجية الكثير من الغموض.
محمد المنشاوي، الخبير في الشؤون الأميركية ومدير مكتب شبكة التلفزيون العربي في واشنطن، كان واحداً من هؤلاء، لذلك بدأ حواره مع "العربي الجديد" بدعوة المواطن العربي الذي يترقب ما يمكن أن يقدم عليه ترامب في السياسة الخارجية، إلى أن "يفرق بين المرشح ترامب والرئيس ترامب، وأن يضع فاصلاً واضحاً بينهماً؛ فالمرشح ترامب لم يكن يطرح أي سياسات فعلية في وقت حملته الانتخابية، كان فقط يطرح وعوداً وتصورات من أجل إثارة حماس الناخبين".
ويرى المنشاوي أنه "للتنبؤ بالسياسة الخارجية لأي مرشح يجب أن ننظر لشكل الفريق الرئاسي الذي سيشكله في الأسابيع القادمة، سواء على مستوى وزير الخارجية أو وزير الدفاع أو مستشار الأمن القومي أو مدير المخابرات، وهي مناصب يختارها الرئيس مباشرة في أميركا".
ويعزو المنشاوي أهمية هذه النقطة إلى أنه "لا يمكن لرئيس أميركي أن يدير ملف السياسة الخارجية بمفرده، فالتفاعل مع مؤسسات صنع السياسة الخارجية تحد من حركة أي مسؤول حتى لو كان رئيس أميركا، فماذا لو كان هذا الرئيس ليس لديه سجل حربي أو عسكري أو تولى أي منصب يتعلق بهذا الملف، لذا فمبدئيا هذا الملف يحمل تساؤلات كثيرة ولا يتضمن أجوبة وافية".
ويبدأ المنشاوي في استقرائه هذا الملف بالنظر في مراكز الدراسات الأميركية التي اقتربت من ترامب في حملته الرئاسية، إذ يشير إلى أن مركزي دراسات "هيرتج فونديشن" و"أميركان إنتربرايز" هما من لجأ إليهما ترامب، وهما معروفان باليمينية في السياسة الخارجية الأميركية، وليسا صديقين للقضايا العربية أو الإسلامية، ويعدان العقلين المفكرين لغزو العراق".
بدأ المنشاوي حديثه عن أبرز القضايا التي ستطرح، بما أثاره ترامب عن نيته الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، قائلا "هذا الوعد لم ينفذه أي رئيس أميركي حتى الآن، حتى من عرفوا بصداقتهم لإسرائيل، سواء الجمهوري رونالد ريغان أو زميله في الحزب جورج بوش". لكن المنشاوي يرى أنه حال أقدم ترامب على فعل هذا فسيكون "اختباراً للحكام ولصانعي السياسة العرب، خصوصاً في ما هو معروف من مبدأ لدى منظمة المؤتمر الإسلامي، بسحب سفرائها من الدول التي تعترف بهذا الأمر أو تنقل سفارتها للقدس".
أما عن قضايا الشرق الأوسط الأخرى، فيرى المنشاوي أن "تدمير تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) هو مجرد رغبة لدى ترامب وليس سياسة واضحة، فضلاً أن ذلك سيحدث الآن"، لافتاً إلى أن "كل علاقاته بالشرق الأوسط أو بعض دوله هي علاقات تجارية عبر المشاريع والفنادق هنا وهناك".
أما عن الاتفاق النووي مع إيران، فيرجح المنشاوي "عدم قدرة ترامب على تنفيذ وعده بإلغاء الاتفاق"، لأنه، بحسبه "لم يكن اتفاقاً بين أميركا وإيران فقط، بل لم يعتبره الكونغرس معاهدة دولية، فقد كان بين سبع دول كبرى وإيران، وأقره مجلس الأمن، ومن ثم لا يستطيع التنصل منه، ولكن ما يستطيع فعله هو تحجيم العلاقات تجارياً أو سياسياً".
وفي إطار العلاقات مع آسيا، نبه المنشاوي إلى أن اتفاقية التجارة الحرة مع دول المحيط الهادي والتي تشمل دولاً كاليابان وكوريا والصين وأندونسيا والفيليبين، هي من أكثر الملفات الخارجية "قلقاً" وأهمية بالنسبة للعالم الخارجي، فترامب وعد بعدم إقرار اتفاقية التجارة الحرة ووضع قيود على التجارة في صورة زيادة التعريفة الجمركية أو زيادة الضرائب، مع هذه البلدان التي تزيد حجم المعاملات التجارية معها عن نصف حجم التجارة الأميركية مع العالم الخارجي.
وتطرق المنشاوي إلى مطالب ترامب بدفع دول الأعضاء في حلف شمالي الأطلسي (الناتو) وحلفاء الولايات المتحدة الأميركية في المحيط الهادي كاليابان وكوريا الجنوبية، بدفع ثمن ما اعتبره ترامب "منظومة الدفاع الأميركية" التي تشارك في حماية هذه المناطق". واعتبر المنشاوي أن "هذا الأمر قد يسبب توترات مع هذه الدول، ولا سيما أن كثيراً من هذه الأنظمة الدفاعية موجود منذ الاتحاد السوفييتي، وامتدت إلى الآن خشية توسع روسي أو أفعال غير متوقعة من كوريا الشمالية"، لافتاً إلى "إصرار ترامب على زيادة دول الاتحاد الأوروبي، ولا سيما الكبيرة، منها كفرنسا وألمانيا لميزانيات الدفاع لديها، أمر سيؤدي إلى حالة من الجدل في الفترات المقبلة". وقال إن "ترامب في هذه النقطة يفكر بعقلية التجار ورجل الأعمال لغياب أي خبرة لديه في هذه الملفات وأبعادها الدولية والإقليمية".
وتطرق المنشاوي في حديثه إلي المنطقة العربية، معتبراً خبر فوز ترامب جيدا للديكتاتوريات العربية، ذلك لأن ترامب لا يرغب في الحديث عن الملفات الحقوقية وملفات حقوق الإنسان والحريات والمرأة وغيرها مما كان رؤساء سابقون يطالبون بها بعض الدول العربية، ولو من باب أدبي أو قيمي، فهو يفضل حكومات ديكتاتورية مستقرة من دون أي تدخل أو ضغط عليها في تلك الملفات.
واستبعد المنشاوي قدرة ترامب على طرد المهاجرين المكسيكيين وبناء السور الذي قال إنه سيبنيه على الحدود، ولا سيما مع الشرط الذي وضعه بإجبار المكسيك على دفع ثمنه، "فالجالية المكسيكية وحجم وجودها وامتدادها في الداخل الأميريكي والعلاقات التجارية مع المكسيك ستصعب هذا الأمر".
وعن الإعجاب المتبادل بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والاتهامات الموجهة له بمعاونة المخابرات الروسية له في حملته، قال المنشاوي، إن الإدارات الأميركية في الدفاع والمخابرات والخارجية لديها عقيدة العداء مع روسيا، وليس من السهل أن يؤثر ترامب في رؤيتها أو عقيدتها هذه، أو يلقى لديها آذاناً صاغية".
وبخصوص العلاقة مع مصر، رأى المنشاوي أن ترامب وفريقه المعاون لسياسات الشرق الأوسط "يجمعهما مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عوامل مشتركة، وفي المقدمة العداء للقوى الإسلامية وللديمقراطية العربية، ومن ثَمّ فخبر فوز ترامب جيد للحكومة المصرية. كما أبدى ترامب تأييده لسياسات السيسي من قبل".