السباق إلى سرت: هل يتحوّل قتال "داعش" لحرب أهلية؟

29 ابريل 2016
قوات الطرفين تتحضر للتوجّه نحو المدينة (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
مع تزايد حدة الخلاف السياسي بين شرق وغرب ليبيا، وإصرار كل طرف على موقفه من دون أي تنازل، تتصاعد التحضيرات في الجهتين، وتستعد الحشود من الشرق والغرب للتوجّه نحو مدينة سرت التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بالشعار نفسه وبأهداف معلنة مشابهة: محاربة التنظيم وضربه في آخر معاقله في ليبيا. غير أن المخاوف تتزايد بسبب الأهداف غير المعلنة من الجهتين، إذ يغيب أدنى تنسيق عسكري بين "جيشين" يسيران إلى الهدف نفسه في ذات الوقت، ما يعني أن لكل منهما استراتيجيته الحربية الخاصة، وأهدافه الخاصة أيضاً.
هذه المخاوف ظهرت واضحة في بيان للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، عبّر فيه عن مخاوفه "من أن تتحوّل معركة تحرير سرت إلى مواجهة بين القوى العسكرية، ما قد يجر البلاد إلى حرب أهلية لا يعلم مداها وتبعاتها إلا الله". ودعا المجلس، القوى العسكرية الليبية إلى انتظار تعليماته بصفته "القائد الأعلى للجيش الليبي وفق ما نص عليه الاتفاق السياسي، في انتظار تشكيل قيادة مشتركة للعمليات في مدينة سرت وتوحيد الجهود تحت قيادة المجلس الرئاسي".
وعلى الرغم من ترحيبه بهذا "التدافع لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في مدينة سرت من عدة أطراف وقوى مسلحة من منطلق حرصها على إنهاء معاناة أهلنا في مدينة سرت والقضاء على البؤرة الإرهابية التي تهدد الوطن والمنطقة بأسرها"، ولكنه لم يخفِ تخوّفه من "غياب التنسيق والقيادة الموحدة لهذه القوى نظراً لما تعانيه البلاد من انقسام سياسي ما زالت آثاره متجلية في عدم الثقة بين جميع الأطراف الفاعلة على الصعيدين السياسي والعسكري، ما قد يحوّل معركة تحرير سرت إلى مواجهة بين تلك القوى العسكرية وقد تجر البلاد إلى حرب أهلية، يكون المستفيد الأول منها تنظيم داعش الإرهابي مستغلاً الخلافات والمواجهات التي قد تنشب بين القوى المناهضة للإرهاب". ونبّه المجلس، كل من يخالف هذه التعليمات بأنه سيكون منتهكاً للقوانين العسكرية ومعرقلاً لجهود محاربة الإرهاب ومتاجراً بقضايا الوطن العادلة لتحقيق غايات ومصالح شخصية، بحسب البيان.
ورحب المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر بهذا البيان، وسعي المجلس الرئاسي لتشكيل قوة عسكرية مشتركة لمحاربة "داعش".
وتخفي الرغبة المفاجئة في التوجّه إلى سرت، نيات سياسية واقتصادية واستراتيجية على درجة كبيرة من الأهمية، فسرت الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، تقع في منتصف الساحل الليبي بين طرابلس وبنغازي، إذ تبعد عن العاصمة طرابلس 450 كيلومتراً، وأكثر منها بقليل عن بنغازي، وتحتل موقعاً متوسطا بين شرق ليبيا وغربها، وهي في الوقت نفسه بوابة للمناطق الداخلية في فزان، وقريبة من أهم حقول النفط وتصديره، ما يجعل منها قلب ليبيا.
وإذا ما تمكن أي طرف من السيطرة على المدينة، فإنه سيسيطر بالتالي على نصف البلد وعلى أهم مقدراته الاقتصادية: النفط، بالإضافة إلى السيطرة على مفترق طرقات الغرب والشرق والجنوب، وهي أهمية استراتيجية بالنسبة إلى قوى يتزايد صراعها السياسي كل يوم.
وتزامناً مع الخلاف الحاد حول تصدير النفط الذي برز في الأيام الأخيرة، وقرار مجلس الأمن الدولي منع أي عملية بيع للنفط خارج سلطة حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، يدرك الشرق الليبي (برلمان طبرق وحكومة عبدالله الثني وقوات خليفة حفتر) أن هذا يعني خنقه تماماً وتجريده من أهم الأسلحة التي تُمكّنه من التفاوض السياسي حول مستقبل ليبيا. وأمام غياب جهود وساطة واضحة لإنهاء الخلاف سياسياً (فيما هو معلن على الأقل) يحاول الشرق الليبي كسب نقاط على الميدان تمكّنه من تحسين شروط التفاوض، ويبدو شعار محاربة "داعش" عنواناً مغرياً للدول الغربية، ودول الجوار، المنزعجة جداً من وجود التنظيم في سرت الاستراتيجية.
في المقابل، لا يبدو الغرب الليبي مستعداً لإفساح هذه الفرصة أمام معارضيه، وعلى الرغم من عدم وجود قوات عسكرية حقيقية تحت أمرته، وانغماس المجلس الرئاسي في مشاكل أخرى، فإنه أعلن بدوره العزم على التوجّه إلى سرت لمحاربة "داعش". ويبدو رئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي، أكثر المتحمسين لهذه الفكرة. ولم يقف السويحلي عند الفكرة وإنما بدأ في الإعداد لها، ودفع المجلس الرئاسي إلى وضع هذا الأمر على قائمة أولوياته، وتكليف قوة عسكرية لتحرير مدينة سرت والمناطق المحيطة بها.
ودعا مجلس الدولة في بيان له، إلى أن يتولى قادة عسكريون محترفون من مناطق مختلفة قيادة الحملة العسكرية، إلى حين تسمية شاغلي كافة المناصب العسكرية والأمنية العليا، إكمالاً لما نصت عليه المادة الثامنة من الاتفاق السياسي. وطالب الحكومة بمخاطبة مجلس الأمن الدولي للسماح باستيراد الأسلحة النوعية اللازمة للقوة المشار إليها، والتي تحتاجها لإنجاز مهمتها بشكل يحدّ من الآثار الجانبية التي قد يتعرض لها المدنيون، نتيجة العمليات العسكرية، بحسب البيان.
ويعكس هذا الاستعجال من مجلس الدولة، بتشكيل جيش خاص يتوجه إلى سرت، وعياً بالأهمية الاستراتيجية لهذه المعركة، وبأهمية العامل الزمني الذي لا يحتمل الانتظار، وتنافساً واضحاً بين الطرفين، للوصول قبل الآخر إلى مداخل المدينة، على الرغم من انشغال حفتر ببنغازي وانشغال المجلس الرئاسي بطرابلس.
وتتزايد المخاوف من تحوّل هذه المنافسة إلى مواجهة، خصوصاً إذا وصل الجيشان إلى بوابات المدينة، بأهداف وأغراض متباينة، على الرغم من أن هدفهما المعلن واحد وهو محاربة "داعش". وتتداخل معطيات متعددة في الموضوع، بعضها داخلي وآخر خارجي. فقوات حفتر، بحسب بعض المتابعين، غارقة في وحل بنغازي، ولم تخرج منه بعد على الرغم من الانتصارات المعلنة، وهي منهكة ولا تبدو قادرة على التوجّه إلى سرت بكل الزخم المعلن، ولكنها أعلنت أنها على أهبة الاستعداد وتنتظر الأوامر بالتوجّه إلى سرت.


كما أن الطريق من بنغازي إلى سرت يمر عبر أجدابيا، حيث يوجد خلاف بين قوى هذه المدينة حول الجيش الذي ستدعمه، إذ أعلن المسؤول في حرس الحدود في أجدابيا محمد بسيط، أن "القوات العسكرية المكلفة من القيادة العامة التابعة لمجلس النواب، ستصل إلى جنوب أجدابيا، وإن محاور القتال لتحرير مدينة سرت ستُفتح في آجال قريبة، وأنهم سيتعاملون مع كل من يخالف أوامر القيادة العامة على أنهم مليشيات". في المقابل أعلن آمر القاطع الحدودي في أجدابيا بشير أبو ظفيرة، "أننا سنتصدى لأي قوات عسكرية تحاول الدخول إلى المنطقة من دون علمنا أو التنسيق معنا"، كما نقل عنه موقع إخباري ليبي. وأشار أبو ظفيرة إلى أن المنطقة الممتدة من المقرون غرب بنغازي، إلى الوادي الأحمر شرق سرت، لم تتسلّم أي بلاغ بدخول قوات عسكرية.
أما عميد بلدية أجدابيا سالم الجضران، المعروف بمعارضته حفتر، فقال إنهم لن يسمحوا بمرور أي قوة عسكرية تحت قيادة لا يثقون بها، معتبراً أن هدف هذه العملية هو السيطرة على المنشآت النفطية وتوظيفها سياسياً، حسب قوله. وأضاف الجضران، في حديث تلفزيوني، أنهم أبلغوا الوفد الذي أرسله رئيس مجلس النواب عقيلة صالح للتشاور بشأن مرور القوة العسكرية لمقاتلة تنظيم الدولة في ‏سرت، أنهم لا يثقون في القيادة العامة للجيش الليبي التابع لمجلس النواب، ولا يمتثلون إلا للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني.
وفي السياق، تبرز المواقف الدولية التي أُعلنت أخيراً، وأبرزها موقف وزيرة الدفاع الإيطالية، روبيرتا بينوتي، التي أكدت أن روما ستندد بأي عملية عسكرية تنطلق في أي منطقة في ليبيا من دون موافقة حكومة التوافق. ولكن في المقابل، جاء تصريح وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، من هانوفر، للتأكيد على ضرورة التصدي لـ"داعش" في ليبيا، بما يعكس أيضاً تبايناً في المواقف الدولية تجاه التحركات على الأرض.
وكانت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية أكدت الأربعاء أن بريطانيا باتت مستعدة لتوجيه ضربات عسكرية من الجو والبحر لطرد "داعش" من مدينة سرت، لكن لندن تريد أن يكون الأمر عبر حملة دولية تسهم فيها بريطانيا، علماً أن تأكيدات بريطانية وأوروبية كشفت بأنه لا خطط لتدخّل عسكري في ليبيا.
أما داخل المدينة نفسها، فتؤكد تقارير ليبية أن موجة نزوح الأهالي قد ارتفعت وتيرتها في الأيام الأخيرة. وقال سكان من مدينة سرت لموقع إخباري ليبي، إن سيارات تابعة لما يسمى بـ"ديوان الحسبة" التابع لتنظيم "داعش" جابت شوارع المدينة وعلى متنها عناصر من التنظيم يطلقون نداءات لـ"الجهاد" ومواجهة "الكفار"، في إشارة إلى توقّع تعرض التنظيم إلى هجوم محتمل في المدينة. وأفاد أحد هؤلاء السكان، أن إذاعة التنظيم المحلية بدأت بث أناشيد "داعش"، بينما ازدادت مخاوف السكان مما قد تحمله الأيام المقبلة لمدينتهم.
فيما قالت مصادر محلية، وفق مواقع أخبار ليبية، إن تحشيداً لمقاتلي تنظيم "داعش"، يتم غرب سرت في منطقتي وادي جارف والظهير، وإن معلومات ترددت حول قيام عناصر التنظيم بتلغيم بعض المناطق غرب سرت، وقرب خزان القرضابية شرق المدينة، ومدخل جزيرة أبوهادي. وأشارت المصادر إلى نزوح عدد كبير من العائلات من سرت باتجاه الجنوب والغرب.