تمكنت قوات المجلس الرئاسي التابعة لحكومة الوفاق الليبية من استعادة كل المناطق الواقعة بين سرت ومصراتة وباتت تحاصر تنظيم "داعش" داخل سرت، في فترة قياسية، أي بعد أقل من أسبوعين على إطلاقها عملية "البنيان المرصوص". واستطاعت قوات المجلس الرئاسي السيطرة على مناطق أبو قرين والوشكة والهيشة وزمزم وأبو انجيم، في غرب وجنوب سرت، في أول عملية عسكرية أطلقها المجلس منذ وصوله إلى طرابلس في شهر مارس/آذار الماضي.
وبعدما اكتسح "داعش" مناطق عدة في غرب سرت، في الخامس من شهر مايو/أيار الجاري، مستغلاً هشاشة الوجود الأمني الرسمي، ومستفيداً من انخراط حوالى 6 آلاف مقاتل في صفوفه، وفق تقديرات التقارير الغربية، قرر المجلس الرئاسي المباشرة بخطوات عملية للرد على "داعش" ومحاولة تصفية وجوده في تلك المناطق. وتجسدت خطة الرد العسكري بتشكيل "غرفة مصراتة - سرت" بقيادة ضباط من مدينة مصراتة، التي تم إرفاقها بـ"الحرس الرئاسي"، الحديث النشأة، الأمر الذي وفّر الأرضية التنظيمية اللازمة لانطلاقة عملية "البنيان المرصوص".
ويعود سبب النجاحات العسكرية لقوات المجلس الرئاسي الليبي إلى الفارق بالإمكانات بينها وبين "داعش". يعتمد تنظيم "داعش" على أساليب وتكتيكات الهجوم المفاجئ والاعتداءات الانتحارية، في حين أن "قوات الرئاسي" تحقق تقدمها بفضل الأسلحة الثقيلة التي تمتلكها، وبفضل مقاتلين اكتسبوا خبرات قتالية خلال حروب ليبيا على مدى السنوات الخمس الماضية، فضلاً عن امتلاكها طيراناً، مما يوفّر تفوقها العسكري ويسهّل عملياتها الميدانية.
كذلك لجأت قوات المجلس الرئاسي إلى تكتيك تدعيم التحصينات الدفاعية في المواقع الجديدة التي تسيطر عليها. وفي السياق ذاته، يؤكد مراقبون أن عملية "البنيان المرصوص" سمحت ببناء درع عسكري حصين في المناطق المستعادة، الأمر الذي من شأنه إيقاف أي زحف مقبل من جهة الشرق، وتحديداً قوات ما يعرف بـ"عملية الكرامة" التي يقودها اللواء خليفة حفتر، المرابطة في مناطق غرب أجدابيا، والتي لم تخف سعيها للسيطرة على الهلال النفطي.
في السياق ذاته، يرى متابعون للشأن الليبي أن اقتراب قوات المجلس الرئاسي من منطقة سرت، بل تجاوزها إلى جنوبها، والتحام "القوة الثالثة" الآتية من جنوب ليبيا بها، يشكّل دعماً عسكرياً قوياً لــ"حرس المنشآت النفطية" التابع للمجلس الرئاسي. ومن غير المستبعد أن يكون للوزير المفوض، في وزارة الدفاع، المهدي البرغثي، المناوئ، أيضاً، لحفتر، دورٌ في هذه الخطة العسكرية، خصوصاً أنه زار رئيس حرس المنشآت، إبراهيم الجضران، قبل انتقاله الى طرابلس أخيراً.
كذلك، من المرجح أن تكون خطوة المجلس الرئاسي في احتواء مقاتلي "مجلس مصراتة العسكري" ضمن عملية "البنيان المرصوص"، قد ساهمت في احتواء التشكيلات الأخرى التي كانت لا تزال، حتى وقت قريب، على موقفها الرافض للاتفاق السياسي بين القوى الليبية.
على المستوى الدولي، أدى نجاح عملية "البنيان المرصوص" إلى تعزيز ثقة المجتمع الدولي بالمجلس الرئاسي وبقدرة قواته على محاربة "الإرهاب". ومن المتوقع أن يساهم هذا الأمر في تسريع استجابة الدول الكبرى لطلب رفع "حظر توريد السلاح" عن ليبيا، وفي دعم قوات المجلس الرئاسي.
تجدر الإشارة إلى وجود عامل داخلي مهم يصبّ في مصلحة قوات المجلس الرئاسي، يتمثل في أن القوات الموالية لحفتر، تعيش حالياً في حالة من "السبات"، إذ ترابط منذ ما يقارب الشهر في حوض "مرادة وزلة"، ولا يفصلها سوى 170 كيلومتراً عن سرت.
وكان لافتاً في الفترة الأخيرة أن قوات حفتر لم تقدم على إطلاق رصاصة واحدة ضد "سرايا داعش" الاستطلاعية، التي تتنقل في جنوب سرت، مما زاد الشكوك حول علاقة ما بينها وبين مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهي شكوك تغذّيها تحركات ميدانية، مثل مرور عناصر "داعش"، أثناء انسحابها من مرتفعات درنة شرقي البلاد، خلال الشهر الماضي، في خمسة معسكرات لحفتر من بينها ثلاث قواعد جويّة، دون تعرّضها لأي إطلاق نار.