استُبعد حزب "حراك تونس الإرادة"، والذي يتزعمه الرئيس السابق منصف المرزوقي، من مشاورات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، والتي أطلقها خلفه الرئيس الباجي قائد السبسي. ويكاد يكون "الحراك" الحزب الوحيد الذي لم يتم إشراكه من بين الأحزاب المهمة في تونس، ما يعكس موقفاً سياسياً واضحاً من جانب الرئيس، قابله موقف سياسي مماثل من "الحراك"، والذي أعلن في ندوة صحافية أن الحكومة الجديدة ستكون أكثر كارثية من سابقتها، وأنه غير معني بها أصلاً.
ويعتبر المرزوقي أن مبادرة حكومة الوحدة الوطنية غير واضحة، متسائلاً عن الإضافة التي ستحققها. ويصف المرزوقي، في تصريح إذاعي بمدينة القيروان، الوضع في تونس بـ"الكارثي في ثوب مهزلة"، مشيراً إلى أنه لم يتم استدعاء حزبه في مشاورات حكومة الوحدة الوطنية لأن "الباجي قائد السبسي لا يتصل إلا بجماعته"، بحسب تعبيره، ومؤكداً أن دوره اليوم يتمثل بالعودة إلى ساحة النضال.
ويبدو هذا المشهد مثالياً لفهم العلاقة التي تربط الرئيسين التونسيين من ناحية، والعلاقة الثلاثية بينهما وبين زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، من ناحية أخرى. وإقصاء "الحراك" من المشاورات دون بقية الأحزاب يعكس رغبة من السبسي، ومن أحزاب أخرى، في عزل تحرك المرزوقي، إذ لا يبرر الاختلاف السياسي هذا الإقصاء، بدليل دعوة أحزاب أخرى يختلف معها السبسي جذرياً، ويعتبرها مصدراً لإثارة التحركات الاجتماعية في عدد من المدن التونسية.
ويستهدف المرزوقي بخطابه فئة خاصة من هذا الجمهور؛ وهي فئة الشباب، ويقول إن رسالته موجهة إليهم تحت شعار "إما أن تأخذوا مصيركم بأيديكم أو أن يقرره لكم العجائز"، وهو تصريح سياسي وخيار استراتيجي، لكنه في ذات الوقت مغلف بإشارات شخصية لا شبهة فيها، ما يجعل صراع المواقع السياسية صراعاً شخصياً وسياسياً في آن معاً.
ويأتي تصريح المرزوقي حول "العودة إلى ساحة النضال"، ليؤكد الاختلاف الجذري في الفلسفة السياسية للرجلين، ولكنها خلافات شخصية أيضاً، تميزت بتجاهل متبادل بينهما، رفض فيها المرزوقي حضور بعض الاحتفالات البروتوكولية التي دعي إليها في قصر قرطاج، ولم يفوّت فرصة لانتقاد منافسه، لا سيما حول وعوده الانتخابية، والتي يؤكد أن شيئاً منها لم يتحقق، وأنها كانت وعوداً زائفة.
لكن المرزوقي لم يرفض الذهاب إلى قصر قرطاج فقط، وإنما كان غيابه عن افتتاح مؤتمر "النهضة" لافتاً، على الرغم من توجيه الدعوة إليه. واعتبر أن حضوره في هذا المؤتمر سيكون "من باب النفاق"، بسبب موقفه من قيادة "النهضة" في الانتخابات الرئاسية التي ظهر فيها أن جزءاً وازناً من ناخبي "النهضة" أعطوا أصواتهم للسبسي لا للحليف السابق، المرزوقي.
ويعتبر المرزوقي أن حليفه السابق، الغنوشي، خدعه عندما غيّر خياراته السياسية بالتحالف مع "نداء تونس"، وإبرام اتفاق مع السبسي في اجتماع باريس الشهير. ويعتبر المرزوقي أنه من حق الأحزاب والشخصيات أن تغير مواقفها وخططها، لكنه يعتبر في المقابل أنه كان من المفروض أن يتم الإعلان عن فحوى اتفاق الغنوشي ــ السبسي "كي لا يتم الزج بالشعب التونسي في انتخابات تميّزت بمعركة مفرغة بين قطبين تحالفا عقب الانتخابات".
ويذكّر المرزوقي دائماً بأن الانتخابات الماضية كانت بالفعل حرة، لكنها لم تكن نزيهة. ويبدو أن المرزوقي وقياداته تحاول باستمرار أن تثبت لـ"النهضة" أنها كانت على خطأ وأنها لن تجني شيئاً من تحالفها مع النظام القديم. ويعتبر المرزوقي أنه "عوض أن يوثق الإسلام السياسي المدني تحالفاته مع القوى الحاملة لمشاريع المستقبل، نراه في أكثر من بلد عربي يسعى ليُقبل به شريكاً داخل المنظومة التي انتفضت ضدها شعوب الربيع العربي، وذلك بعدما سلّم بعجزه عن أن يكون لها بديلاً. إنها الهدية الملكية الثانية للمنظومة القديمة وهي لم تعد بحاجة لقمع مكلف. فمقابل بعض الفتات من السلطة ها هي تتمكن من تدجين خصم فقد باصطفافه وراءها كل خطره السابق".
وفيما يلتزم الغنوشي دائماً الصمت، ولا يرد على اتهامات حلفاء الأمس المتكررة، يقول المتحدث باسم النهضة، أسامة الضغير، لـ"العربي الجديد" في الدوحة: "إننا في حزب حركة النهضة نتحفظ على هذه الاتهامات، التي نعتبرها غير حقيقية وغير واقعية، ومن الصعب تصديقها، ولن نرد عليها، لأن رئيس حركة النهضة، الشيخ راشد الغنوشي، أوصانا ألا نخون العشرة مع المرزوقي، قبل الثورة وبعدها، ونحن لن نخون هذه العشرة بالرد على هذه الاتهامات، رغم أن لدينا الكثير مما نقوله".
وعلى الرغم من أن هذه الخلافات الثلاثية بين هذه الشخصيات الكاريزماتية هي خلافات جوهرية حول مضامين ورهانات وأشكال سياسية، وحول النظرة إلى مستقبل البلاد وتطورات الثورة التونسية، فإنها في ذات الوقت لا تخلو من مناكفات شخصية، ومزايدات، غايتها ضرب هذا الطرف أو ذاك في نقاط ضعفه، استعداداً لحلقات مقبلة من هذا الصراع الثلاثي.