وتتزامن زيارة نتنياهو لكل من أوغندا، وكينيا، ورواندا، وإثيوبيا، ولقاؤه مع زعماء جنوب السودان وزامبيا، ووزير خارجية تنزانيا، مع تردّ ملحوظ في علاقة مصر بمحيطها الإقليمي وامتدادها الأفريقي، سواء من خلال المشاكل المتزايدة بين القاهرة وأديس أبابا على خلفية اقتراب أعمال الإنشاء في سد النهضة المتوقع أن يؤثر على حصة مصر من مياه الشرب. ويضاف إلى ذلك، المشكلة الدبلوماسية الأخيرة بين مصر وكينيا بسبب تصريحات مزعومة لمسؤول مصري والتي كشفت ضعف العلاقات بين الجانبين، أو بسبب عدم قيام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأي زيارة لأي من الدول التي استهدفها نتنياهو باستثناء إثيوبيا.
وتملك إسرائيل في إثيوبيا 70 ألف فدان مزروعة بقصب السكر بتكلفة إجمالية 200 مليون دولار. وتشارك عدد من الشركات الإسرائيلية في إدارة محطات إنتاج حيواني وتنظيم للري بمياه النيل، كما تثور شائعات بين الحين والآخر عن انخراط بعض شركات المقاولة الإسرائيلية في العمل بسد النهضة، وهو المشروع الذي تديره شركة إيطالية وتعمل به شركات إيطالية وصينية وفرنسية وأيضاً مملوكة لمستثمرين سعوديين. وبمناسبة تصاعد الحديث عالمياً عن "التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب"، فمن المنتظر أن توقّع إثيوبيا مع إسرائيل اتفاق تعاون أمني في مجال مكافحة التهديدات الأمنية، والتي تسوّق إسرائيل أنها على رأس دول العالم في الخبرة في هذا المجال، باعتبار أنها تواجه إرهاباً من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وفتحت إثيوبيا بعد الإطاحة بالحكم الشيوعي بقيادة منغستو هايلاميريام عام 1987، ومع صعود رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي على رأس الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي الحاكمة حالياً، أبوابها للاستثمارات الإسرائيلية بغزارة، إذ شاركت إسرائيل في إنشاء وإدارة 33 مشروعاً للري وتوليد الكهرباء على الرغم من أن إسرائيل كانت داعماً استراتيجياً لمنغستو الذي كان يجاهر بالعداء لمصر ويتهم رئيسها الراحل أنور السادات بإشعال الفتن السياسية في إثيوبيا.
إلا أن الأشهر التالية كشفت أنّ ما وقّع عليه السيسي وما تعهد به في البرلمان الإثيوبي، رسّخ فقط حق إثيوبيا في إقامة السد، وأسقط من يد مصر كل أوراق الضغط لا سيما مع وجود مصالح اقتصادية واستثمارية ضخمة وواعدة في إثيوبيا، تداعب خيال العواصم الغربية الكبرى.
وتعتبر الأكاديمية المصرية زبيدة عطا في كتابها "إسرائيل في النيل" الذي نشرته مكتبة الشروق الدولية عام 2010، أن الاهتمام الإسرائيلي بإثيوبيا جزء من مشروع أسمى لتوصيل مياه النيل إليها عبر سيناء. وتستند في هذا الطرح إلى ما كتبه الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" عن اهتمام الدولة الإسرائيلية بهذا المشروع.
أما كينيا، طرف الأزمة الدبلوماسية الأخيرة مع مصر، فهي وجهة مفضّلة للاستثمارات الإسرائيلية بسبب قوة العائلات اليهودية العاملة في مجالات الطاقة والزراعة والصناعة في العاصمة نيروبي. كما أن إسرائيل تدعم الجيش والشرطة الكينية، مستغلة حالة الخصومة بين الحكومة وبعض التيارات والقبائل الإسلامية المتشددة.
أما أوغندا التي استضافت اجتماع نتنياهو التاريخي بممثلي 7 دول أفريقية، أول من أمس الثلاثاء، فكانت من أوائل الدول الأفريقية التي فتحت أبوابها للاستثمارات الإسرائيلية. وتحوم شبهات تحكم إسرائيل في خطابها السياسي حول موقفها المتشدد إزاء مصر والسودان في اتفاقية عنتيبي حول حوض النيل، وهجوم رئيسها يوري موسيفيني على القاهرة والخرطوم أكثر من مرة بحجة حصولهما، تاريخياً، على حصص ظالمة من مياه النيل.
ويزداد النفوذ الإسرائيلي سياسياً واستخباراتياً في رواندا وجنوب السودان، إذ بات معروفاً من أدبيات إسرائيلية عديدة من بينها كتاب ضابط الموساد السابق، موشيه فرجي عن موقف إسرائيل من حركة تحرير جنوب السودان، أنّ الموساد الإسرائيلي كان أحد الروافد المالية واللوجستية والتنظيمية للانفصاليين. وارتباطاً بهذه العلاقات التاريخية، خصصت إسرائيل ميزانية 13 مليون دولار لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون مع الدول الأفريقية، تتضمن التدريب في مجالات مكافحة الإرهاب والصحة، بحسب رئاسة الوزراء الإسرائيلية.
ولا تعمل إسرائيل من خلال هذه التحركات فقط على ملء فراغ تركته مصر والسودان والدول العربية القادرة في جزء مهم من محيطها الاستراتيجي، وفقاً لمراقبين، بل تسعى أيضاً إلى تجنيد هذه الدول بغرض إعادتها إلى المحيط الأفريقي لأول مرة منذ عام 2002، إذ تم حرمانها من صفة "العضو المراقب" في منظمة الوحدة الأفريقية بالتزامن مع تأسيس الاتحاد الأفريقي.
وتزعمت الدول العربية الأفريقية وعلى رأسها الجزائر، والسودان، وليبيا حملات لمقاطعة إسرائيل على مدار العقود الأربعة الماضية. ويرى نتنياهو أن الوقت أصبح مناسباً لتجاوز هذه الظروف، واستغلال العلاقات الاقتصادية والعسكرية بدول وسط أفريقيا ومنابع النيل لفتح آفاق سياسية جديدة أمام بلاده. كما يراهن نتنياهو على هذه الدول في مساندة إسرائيل أمام أي انتقادات أممية أو إقليمية بسبب سياساتها ضد المدنيين العزل في الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى توسيع مظلة التستر خلف ادعاءات مكافحة الإرهاب.
في المقابل، تكتفي الحكومة المصرية بدورها كمشاهد مثل اختيارها ممثلاً لأفريقيا بمجلس الأمن في دورته الحالية، وفق قاعدة ترتيبية داخل الاتحاد الأفريقي، وتحاول الترويج لها في الداخل كنموذج للنجاح الدبلوماسي والعودة للقارة الأفريقية، متناسية مؤشرات ضعف الاستثمارات المصرية في أفريقيا والمشاكل غير القابلة للحل مع إثيوبيا، وعدم تبادل الزيارات على المستوى الرئاسي والوزاري مع دول حوض النيل تحديداً منذ الخريف الماضي.