يرى دبلوماسيون مصريون أن التقارب التركي الروسي، الذي تجسد مع لقاء الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، يعمّق من "تقزم" الدور المصري في منطقة الشرق الأوسط. وتأتي زيارة أردوغان إلى روسيا أخيراً، تتويجاً لتقارب بين الطرفين خلال الفترة الماضية، لا سيما مع ما شهدته العلاقة بين البلدين من توتر شديد عقب إسقاط سلاح الجو التركي لمقاتلة روسية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعد الحديث عن اختراقها الحدود التركية خلال تنفيذ عمليات قصف للمعارضة السورية. وشهدت العلاقات بين القاهرة وموسكو توتراً مشابهاً في أعقاب إسقاط طائرة ركاب روسية فوق سيناء، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في تفجير إرهابي. ولم يتمكن النظام الحالي من تدارك اﻷزمة، خصوصاً بعد قرار روسيا وقف السياحة إلى مصر.
ويعتبر مراقبون ودبلوماسيون أن تركيا هي، بالنسبة لروسيا، مركز ثقل وذات دور محوري في المنطقة، في حين أن مصر ليست على الدرجة نفسها من الأهمية، فضلاً عن قوة العلاقات الاقتصادية التي تربط تاريخياً بين أنقرة وموسكو.
ويشير الدبلوماسي إلى أن التقارب التركي الروسي يتعلق بأمور أكثر أهمية من علاقة مصر بروسيا أو محاولة التأثير عليها، وهي ترتبط بالتنسيق بالنسبة للأوضاع في سورية تحديداً، لا سيما أن أنقرة طرف فاعل في اﻷزمة السورية. ويشدد على أن التوجه التركي نحو روسيا لا يعني مطلقاً الابتعاد عن الحليف اﻷميركي، لكن ربما هناك توتر ملحوظ ليس فقط بسبب رفض تسليم زعيم حركة "الخدمة"، فتح الله غولن، ﻷنقرة، لكن يتعلق الأمر بدعم الولايات المتحدة للأكراد، في ظل العداء الكبير مع تركيا.
وفي ما يتعلق بتأثير ذلك التقارب على علاقة روسيا مع مصر، يستبعد المصدر الدبلوماسي أن تساهم زيارة أردوغان بتراجع العلاقات المصرية الروسية. لكن لن يكون هناك اعتماد على مصر في ظل الرؤية المشتركة بين الأتراك والروس حول عدد من قضايا المنطقة، في مقدمتها الملف السوري. ويشير إلى أن مصر كانت دائماً تؤيد الموقف الروسي في الملف السوري، لناحية دعم النظام الحالي برئاسة بشار اﻷسد، وهو ما كان يغضب دول الخليج وتركيا وأميركا. لكن ليس لموقف القاهرة أي تأثير في حسابات موسكو حول هذا الملف تحديداً، ﻷن تركيا أكثر فعاليةً وتأثيراً، نظراً لقوة علاقاتها بالفصائل السورية المعارضة.
ويقارن الدبلوماسي بين تحركات تركيا ومصر في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية. ويقول إن الدبلوماسية التركية ترتكز على دور محوري في محيطها وهي فاعلة فيه لدرجة كبيرة، معتمدة على قوة اقتصادية وعسكرية لا يستهان بها. أما الدبلوماسية المصرية، فتحركها الأهواء الشخصية والمواقف الرخوة والمتأرجحة، وفق تعبير المصدر نفسه. ويشير إلى أن الأمثلة على ذلك كثيرة، بدءاً من ملف سد النهضة وصولاً إلى الملف الليبي.
في هذا السياق، يقلل مساعد وزير الخارجية السابق، السفير إبراهيم يسري، من تأثير التقارب الروسي التركي على مصر، نظراً ﻷن القاهرة لم يعد لها تأثير من اﻷساس في المنطقة. ويقول يسري، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن مصر لم تشهد على مدار تاريخها تحجيماً لدورها، مثل ما يحصل في الفترة الحالية من حكم عبد الفتاح السيسي، معتبراً أنها ليست طرفاً فاعلاً في أي أزمة بالمنطقة، وسط تراجع شديد في أفريقيا وفي المحيط العربي. ويضيف أن مصر خارج المعادلات اﻹقليمية، نظراً ﻷنها بعيدة عن اﻷزمة السورية، فضلاً عن اتخاذ موقف مؤيد ﻷحد أطراف الصراع في ليبيا.
من جهته، يقلل عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، طارق رضوان، من تأثير التقارب الروسي التركي على العلاقة مع مصر. لكن رضوان يعتبر أن هذا الدولة محورية في المنطقة ولديها علاقات صداقة استراتيجية مع روسيا، لا يهزها التقارب مع تركيا، لافتاً إلى أن هذا التقارب يهدف لتسوية الخلافات بين أنقرة وموسكو في أعقاب إسقاط المقاتلة الروسية. ويشير إلى أن مؤسسات الدولة تتابع التحركات التركية في المنطقة، لا سيما في ما يتعلق بالمشاحنات والرغبة في تشويه صورة مصر ﻷنها داعمة لجماعة اﻹخوان المسلمين وتعادي النظام الحالي، على حد قوله.