أظهرت وثائق قضائية أن شركة "فورخاس تورس" البرازيلية، وهي أكبر شركة لصناعة الأسلحة في أميركا اللاتينية، باعت مسدسات لمهرب أسلحة يمني معروف، نقلها إلى اليمن في انتهاك للعقوبات الدولية.
واتهم ممثلو ادعاء اتحاديون في جنوب البرازيل اثنين من المسؤولين التنفيذيين بشركة "فورخاس تورس"، في مايو/أيار، بشحن 8000 مسدس في 2013 إلى فارس محمد حسن مناع، وهو مهرب سلاح يعمل في منطقة القرن الأفريقي منذ أكثر من عشر سنوات، بحسب الأمم المتحدة.
وفارس مناع، فرضته جماعة الحوثيين بقوة السلاح محافظاً لمحافظة صعدة الواقعة تحت سيطرتها من دون صدور قرار رئاسي بتعيينه في المنصب، عام 2011 إلى 2014، كما يعد وسيطاً بين الرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، وجماعة الحوثيين.
وكشفت صحيفة "ذي نيو إنديا إكسبرس" الهندية، عام 2014، أن مناع هو أبرز تاجر سلاح لدى قادة العصابات المسلحة في نيجيريا، ليبيريا، السودان، سورية، العراق وغيرها من البؤر الساخنة في العالم.
وأشارت الوثائق القضائية، التي نقلتها وكالة "رويترز"، إلى أن تورس شحنت المسدسات إلى جيبوتي، ثم نقلها مناع إلى اليمن.
وقال ألكسندر وندرلينغ، محامي الرئيسين المسؤولين التنفيذيين السابقين، إدواردو بيزول وليوناردو سبيري، إن الاتهامات "لا تعكس حقيقة الأمر"، ولم يتسن الحصول على تعليق من مناع، بحسب "رويترز".
وأصدرت محكمة برازيلية أمر استدعاء لمناع في مايو/أيار في إطار التحقيقات.
ورفضت تورس الرد على أسئلة مفصلة بشأن قضية الأسلحة، نظرا لسرية التحقيقات، لكنها قالت إنها "تساعد المحاكم في استجلاء الحقائق".
وبعد تقرير "رويترز" أكدت الشركة، أمس الإثنين، أن اثنين من مسؤوليها التنفيذيين السابقين وجهت لهما اتهامات تتعلق بشحنة أسلحة يشتبه بأنها أرسلت إلى اليمن عام 2013.
وبعد أن علمت بالشكوك المحيطة بتاجر الأسلحة اليمني، قالت الشركة إنها أوقفت شحنة أخرى كان يتفاوض عليها.
والقضية، التي ينظرها قاض في مدينة بورتو ألليغري بجنوب البلاد، قرب مقر شركة تورس، قد يترتب عليها تدقيق قانوني في عمل الشركة، وهي مورد رئيسي لأسلحة الشرطة والجيش في البرازيل، وواحدة من أكبر خمس شركات مسدسات في السوق الأميركية التي تبيع فيها نحو ثلاثة أرباع إنتاجها.
والبرازيل رابع أكبر دولة مصدرة للأسلحة الصغيرة في العالم.
ويقول الادعاء إن المسؤولين التنفيذيين السابقين كانا يتفاوضان مع مناع العام الماضي على شحنة أخرى تشمل 11 ألف مسدس، عندما كشفت الشرطة الأمر ودهمت مقر الشركة في نوفمبر/تشرين الثاني.
ولم يوجه الادعاء اتهامات للشركة، لكنه قال إن الأدلة التي تم جمعها في المداهمة شملت عشرات من رسائل البريد الإلكتروني، التي تظهر أنها على علم بعقوبات الأمم المتحدة المفروضة على تجارة الأسلحة مع مناع واليمن، لكنها سعت إلى طرق للالتفاف عليها.
وقالت الوثائق: "استخدمت تورس بوضوح مهرب أسلحة دوليا سيئ السمعة لتوزيع بضائعها على دول أخرى، لا سيما اليمن".
وأضافت: "لا يمكن لتورس وموظفيها ادعاء أنهم لم يكونوا على علم بالأفعال المنسوبة لمناع، لأن ليوناردو سبيري شهد بأن تورس تحرص على أن تجري بحثا على الإنترنت عن الأشخاص الذين تدعوهم إلى البرازيل".
وأدلى سبيري وبيزول بشهادتيهما أمام الشرطة الاتحادية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015. وترك الاثنان الشركة العام الماضي، بحسب سيرتهما الذاتية على موقع "لينكد إن" على الإنترنت.
وقال محاميهما في رسالة بالبريد الإلكتروني: "كل الأفعال الواردة في القضية نفذت بالكامل داخل الشركة وضمن الحدود القانونية". ورفض الإجابة على أسئلة أخرى متعللا بسرية التحقيقات.
تأجيج الحرب
وقال ممثلو الادعاء إن العلاقات بين تورس ومناع ترجع إلى عام 2007 دون الخوض في تفاصيل بالوثائق القضائية، موضحين أن العلاقة سكنت لعامين، بعد أن فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات على مناع في عام 2010، لانتهاك حظر للأسلحة في الصومال.
وحظرت عقوبات الأمم المتحدة أية مبيعات أسلحة أو تمويل لمناع، وأمرت بتجميد أصوله وآخرين، ومنع سفرهم للاشتباه في بيعهم أسلحة للصومال.
وأدرج الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أيضا، اسم مناع وعشرة آخرين في أمر تنفيذي عام 2010 يحظر العمل مع أشخاص وجماعات تواجه اتهامات بالإسهام في الاضطرابات بالصومال، لكن ممثلي الادعاء قالوا إن العقوبات لم تردع تورس عن العودة للعمل مع مناع في أعقاب اندلاع المواجهات في اليمن.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني غير مؤرخة، نقلها الادعاء، دون ذكر اسم متلقيها، كتب بيزول: "إذا قررت تورس البيع لليمن، فسيكون المسار فيما يبدو من خلال فارس مناع"، وأضاف أنه أقام مسارا من خلال جيبوتي عبر مضيق باب المندب.
وحصلت شركة تورس على إذن من الجيش البرازيلي في أكتوبر/تشرين الأول 2013 لشحن 8000 قطعة سلاح إلى وزارة الدفاع في جيبوتي، لكن ممثلي الادعاء قالوا، في الوثائق، إن مناع أعاد توجيه الأسلحة إلى اليمن باستخدام شركات مثل شركة الشرق للصيد والأسماك.
وقالت وزارة الدفاع البرازيلية إن إذن التصدير إلى جيبوتي لا يسمح بإعادة التصدير إلى دول أخرى.
وتشير الوثائق القضائية إلى أن مناع دفع لتورس مليوني دولار مقابل الأسلحة، واستندت الوثائق إلى مدفوعات منتظمة منه إلى الشركة منذ عام 2013. ولم تذكر الوثائق الجهة التي تلقت الأسلحة في اليمن.
وكتب ممثلو الادعاء في الاتهامات: "كانت جيبوتي نقطة وهمية للتصدير... شرعوا في الاحتيال لإخفاء الوجهة الحقيقية للأسلحة وإخفاء ضلوع فارس مناع في الأمر".
ويقول ممثلو الادعاء إن الاحتيال امتد إلى هوية مناع الذي جاء إلى البرازيل في يناير/كانون الثاني عام 2015 لزيارة مصنع تورس، على الرغم من الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة.
ونيابة عن الشركة، طلب سبيري وبيزول من وزارة الخارجية البرازيلية توجيه دعوة رسمية لتاجر الأسلحة، لكن الوزارة رفضت الطلب استنادا إلى القيود الاقتصادية المفروضة على اليمن.
وأشار ممثلو الادعاء إلى أن سبيري وبيزول قاما بعد ذلك بإثناء مناع عن السفر إلى البرازيل باسمه الحقيقي، وحاولا دون جدوى استخراج جواز سفر له من جيبوتي.
وقال ممثلو الادعاء إن مناع دخل في نهاية المطاف إلى البرازيل بجواز سفر باسم وتاريخ ميلاد مزورين.
وورد في الاتهامات أنه بعد شهرين من ذلك كان مناع وتورس بصدد الترتيب لشحنة مسدسات ثانية عبر جيبوتي، في تجاهل لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على اليمن في أبريل/نيسان 2015.
ويقول ممثلو الادعاء إن شحنة تشمل 11 ألف مسدس كانت ستذهب إلى اليمن لو لم تحبط الشرطة المخطط.
وبعد ذلك كتب سبيري رسالة بالبريد الإلكتروني إلى مناع يبلغه بتعليق الشحنة، "بسبب اتصال جرى في الآونة الأخيرة مع السلطات البرازيلية".
وأظهرت الوثائق القضائية أنه في مايو/أيار دعا قاض اتحادي ينظر في القضية إلى إبلاغ وزارة الخارجية البرازيلية والشرطة الدولية (الإنتربول) والأمم المتحدة وسفارات المملكة العربية السعودية ومصر والولايات المتحدة في برازيليا بالأمر.
لكن بعد يومين حصلت تورس على أمر قضائي من محكمة استئناف لمنع ذلك القرار، بدعوى أنه سيكبد الشركة "خسائر اقتصادية".