سرقت المواجهات العنيفة بين رجال الشرطة ومئات المحتجين في شوارع العاصمة الأميركية واشنطن، الأضواء من مراسم التنصيب الرسمي للرئيس دونالد ترامب وانتقاله إلى البيت الأبيض، أمس الجمعة.
وبدت أعمال العنف والشغب التي قام بها مئات الناشطين، رغم التحضير المسبق لها، وكأنّها ردّ في الشارع على خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس الجديد، وهاجم فيه الطبقة السياسية التقليدية الحاكمة، مستعيداً شعارات حملته الانتخابية من "أميركا أولاً" و"جعل أميركا عظيمة مجدّداً".
كما استحضر الوعود بإعادة الوظائف، وتحريك الاقتصاد، ومحاربة "الإسلام الراديكالي" وغيرها من مفردات الخطاب الترامبي التي لاقت رواجاً في أوساط الأميركيين من العمال وسكان الأرياف، الحانقين على صنّاع القرار السياسي في واشنطن.
وعلى خلاف العادة التي درجت في حفلات تنصيب الرؤوساء السابقين، لم تجر بسلاسة وهدوء مراسم تسلّم الرئيس الجديد مقاليد السلطة، من الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، رغم الابتسامات واللياقات البروتوكولية التي حرص أوباما وزوجته ميشيل على الالتزام بها، مظهرين أكبر قدر ممكن من التعاون والترحيب بالقاطنين الجدد في البيت الأبيض.
ويمكن القول إنّ الاحتفالية التي قاطعها أكثر من خمسين عضواً في الكونغرس من الحزب الديمقراطي، كان من الممكن أن تمرّ بهدوء لولا الخطاب التصعيدي لترامب الذي خيّب ظن الكثيرين ممن كانوا توقّعوا خطاباً رئاسياً توحيدياً، يطوي صفحة المعركة الانتخابية ويخفّف من حدّة الانقسامات السياسية التي خلفتها.
وقد عزّز حضور مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، إلى جانب زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون، لحفل تنصيب خصمها اللدود، الاعتقاد أنّ بإمكان خطاب الرئيس الجديد رأب الصدع، وتنفيس الأزمة التي باتت تهدّد النظام السياسي الأميركي برمّته، وبدء ولايته الرئاسية بأجواء تصالحية.
لكنّ الرئيس الجديد الذي بدت عليه إشارات عدم الارتياح خلال محطات عديدة من المراسم الاحتفالية، اختار استئناف المعركة مع "الإستبلشمنت" من على منصة التنصيب في كابيتول هيل وقبل عبور عتبة البيت الأبيض، في رسالة واضحة إلى أنصاره والناخبين الذين صوّتوا له بأنّه لم يتخلّ بعد عن شعارات محاربة الفساد السياسي في واشنطن، رغم الحديث في الأسابيع التي تلت انتخابه عن صفقة عقدها مع "الإستبلشمنت" بعد تعيين شخصيات في فريقه الحكومي من أصحاب الثروات، ومدراء البنوك المحسوبين على "وول ستريت".
اختار ترامب الوفاء بوعوده الانتخابية، وعدم خيانة جمهور الحانقين على الطبقة السياسية في واشنطن، لكن للمواجهة المفتوحة مع خصومه الكثر أثماناً كبيرة وتداعيات خطيرة، ظهر بعض منها في المواجهات غير المسبوقة على مقربة من البيت الأبيض، والمتوقعة أن تتواصل خلال الأيام المقبلة بوتيرة أكبر، مع امتداد الاحتجاجات والتظاهرات إلى المدن الأميركية الأخرى.
وتنذر حرب الشوارع في واشنطن التي رافقت وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وبدء مهام الرئاسة، بمواجهات واحتجاجات غير مألوفة في الولايات المتحدة.
وبموازاة المواجهة في الشارع، ينتظر أن تتصاعد حدة المعركة السياسية بين ترامب وخصومه من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس، وفي المؤسسات الأمنية والاستخباراتية التي رفض الرئيس الجديد نتائج تقاريرها، حول عمليات التجسّس الروسي، والتدخّل لصالحه في الانتخابات.
على أنّ هذه المواجهات والمعارك المفتوحة على الجبهات المختلفة، ستعطّل قدرة إدارة ترامب على الحكم وتسيير شؤون البلاد، وتبشّر بأربع سنوات عجاف لا يعلم أحد ما إذا كانت ستجعل "أميركا عظيمة مجدّداً" أم أنّها ستزيد من حدة الانقسامات والصراعات السياسية، في الولايات المتحدة.