على الرغم من انقسام الأوساط السياسية والرأي العام العراقي بشأنها، إلا أن مليشيا "الحشد الشعبي" تمكنت من بناء جهاز استخبارات خاص بها واختارت له موقعاً مميزاً وسط بغداد، غير مبالية بالأصوات التي تصفها بانها مليشيات خارجة على القانون. فالمار في شارع سدة الهندية الراقي في بغداد، يرى البناية الكبيرة التي منحتها السلطات العراقية للمليشيا لتتخذها مقراً للاستخبارات وسط حماية أمنية مشددة، ورصد بالكاميرات على مسافة مئات الأمتار من البناية.
استخبارات مليشيا "الحشد" هو تشكيل حديث لا يزيد عمره عن عام واحد، لكنه أصبح مؤثراً بشكل جعله أقوى الأجهزة الأمنية العراقية، بحسب ضابط كبير في وزارة الداخلية العراقية، أكد لـ"العربي الجديد"، أن تشكيل استخبارات "الحشد" منح المليشيا استقلالية أكبر، وجعلها تستقي معلوماتها من مصادرها الخاصة، من دون الرجوع إلى جهاز الاستخبارات العراقي المركزي، أو استخبارات وزارة الدفاع، أو استخبارات وزارة الداخلية، موضحاً أن العناصر الاستخبارية التابعة لـ"الحشد" مزودة بأجهزة تتبّع وتنصت حديثة زودتها بها إيران.
ولفت الضابط إلى استعانة "الحشد الشعبي"، بسياسيين وبرلمانيين وضباط ووزراء سابقين لإدارة العمل الأمني الواسع الذي تقوم به، آخرهم وزير الداخلية السابق محمد الغبان الذي انضم لـ"الحشد" حديثاً. وكانت مليشيا "الحشد" أعلنت أن الغبان تسلّم مهامه في ترؤس لجنة عليا في المليشيا، موضحة في بيان أن الغبان اجتمع بمدراء "هيئة الحشد الشعبي" وناقش معهم مسألة تكييف الوضع القانوني للهيئة، وكيفية ترتيب عمل منتسبي المليشيا.
يشار إلى أن مليشيات "الحشد" تضم برلمانيين عراقيين بارزين، وبعضهم لا يزال يمارس مهامه في الدولة العراقية، كرئيس مليشيا "بدر" المنضوية ضمن "الحشد الشعبي" هادي العامري، والمتحدث باسم "الحشد الشعبي" أحمد الأسدي، والقيادي في "الحشد الشعبي" قاسم الأعرجي، والثلاثة أعضاء في البرلمان العراقي الحالي.
ولا يجد عضو "التحالف الوطني" محمد البياتي مانعاً من مشاركة سياسيين وبرلمانيين ووزراء في إدارة عمل "الحشد الشعبي" العسكري والاستخباري، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "الحشد" أصبحت مؤسسة رسمية من حقها إنشاء تشكيلات مسلحة واستخباراتية لملاحقة الإرهابيين والمطلوبين للقضاء. وأضاف: "من يعترض على وجود جهاز استخباراتي مرتبط بالحشد الشعبي، عليه أن يعترض على الأجهزة الأمنية الأخرى، لأن جميعها مرتبط بالحكومة العراقية"، مطالباً بعدم اقتصار عمل استخبارات "الحشد" على ملاحقة عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ودعاها إلى ممارسة العمل الامني داخل المدن للحد من انتشار الجريمة المنظمة.
لكن أطرافاً أخرى تتهم مليشيا "الحشد" بالوقوف وراء كثير من عمليات القتل والخطف التي تشهدها بغداد، والمحافظات العراقية الأخرى. وأكد عضو مجلس أعيان حزام بغداد، عبود المشهداني، أن العناصر الاستخبارية التابعة لمليشيا "الحشد" كانت وراء اعتقال العشرات من أبناء بلدة الطارمية شمالي العاصمة العراقية في الحادي والعشرين من الشهر الحالي، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد" أن عشرات السيارات المظللة كان يستقلها عناصر في "الحشد"، وآخرون يرتدون زي القوات العراقية اقتحموا البلدة، واقتادوا أكثر من أربعين شاباً إلى جهة مجهولة. وأضاف "تمت الاعتقالات بناء على قوائم كان يحملها عناصر الحشد"، مؤكداً أن المليشيا أبلغتهم بأن الاعتقالات تمت نتيجة لورود معلومات استخبارية دقيقة، تفيد بوجود خلايا نائمة من عناصر تنظيم "داعش" في هذه المنطقة.
وطالب المشهداني الحكومة العراقية بضرورة كبح جماح المليشيات، وعدم السماح بتنامي أجهزتها الاستخبارية، موضحاً أن هذه الأجهزة سهلت اختطاف وإطلاق سراح الصحافية العراقية أفراح شوقي من دون علم الجهات الأمنية العراقية، كما كانت السبب في اختطاف مليشيات مسلحة للناشطة المدنية غفران فاضل مع والدها وشقيقها. وأبدى استغرابه من حدوث كل هذه الجرائم في بغداد ومحيطها في ظل رد فعل حكومي خجول لا يرتقي إلى مستوى التهديدات التي يشكلها الجهاز الاستخباري لـ"الحشد".
فيما طالب عضو البرلمان العراقي عن "ائتلاف الوطنية" كاظم الشمري الحكومة العراقية بالخروج عن صمتها وكشف ملابسات اختطاف عشرات العراقيين من بلدة الطارمية، واصفاً في بيان موقف الحكومة بالغريب.
من جهته، أقر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بمسؤولية فصيل في "الحشد الشعبي" عن عمليات الاعتقال التي جرت في الطارمية، مؤكداً خلال مؤتمر صحافي أنه طالب "هيئة الحشد الشعبي" ووزارتي الدفاع والداخلية وقيادة العمليات المشتركة بإجراء تحقيق في ملابسات الحادث.
وأكد العقيد في قيادة عمليات الجيش في بغداد كاظم الجحيشي، أن الطارمية تقع في منطقة "الحشد الشعبي"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن المليشيا تحوّلت إلى جهاز أمني رسمي لديه جهاز استخبارات وقوة للاعتقالات وسجون خاصة، وليس بالضرورة أن تعلم قيادة العمليات بجميع تحركاتها. وأشار إلى وجود إرباك كبير في العمل الأمني داخل بغداد بسبب تداخل الصلاحيات بين أكثر من جهاز استخباري، لافتاً إلى وجود جهاز الاستخبارات العراقي، وجهاز الأمن الوطني، واستخبارات وزارة الداخلية، واستخبارات وزارة الدفاع، فضلاً عن جهاز استخبارات "الحشد الشعبي".
من جهته، رأى عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، أن تعدد الأجهزة الاستخبارية في بغداد يؤدي إلى مزيد من الخلل، مشيراً في تصريح صحافي إلى وجود خمسة أجهزة استخبارية لكنها تعمل بشكل منفرد، وهذا الأمر يمثل خللاً أساسياً، بحسب رأيه. ولفت إلى أن الجهد الاستخباري لا يزال من دون المستوى المطلوب، مطالباً بنصب كاميرات في المناطق التي تشهد خروقا امنية متكررة.
من جهته، اعتبر اللواء المتقاعد حامد الدوري أن "تجرؤ مليشيات مسلحة خارجة على القانون على تأسيس اجهزة استخبارية يمثل دليلاً واضحاً على ضعف الدولة العراقية"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن العمل الاستخباراتي يجب أن يتسم بالسرية التامة، ويرتبط بالجهات السيادية مباشرة". وأضاف أن "تشكيل استخبارات الحشد يمثل أول تأسيس لجهاز استخبارات عراقي مرتبط بمليشيا، وهذا الأمر ينذر بالخطر"، لافتاً إلى أن "السماح للمليشيات بتشكيل أجهزة استخبارية، سيمكّنها من اختراق المجتمع والمؤسسات الحكومية، وهذا الأمر سيطيح بهيبة الدولة، ويقلل من سطوتها بشكل كبير".
وكانت "العربي الجديد" قد كشفت في وقت سابق عن تصاعد سطوة "الحشد" داخل المؤسسات العراقية، من خلال ربط الدوائر والمقرات الحكومية بالأجهزة الاستخبارية للمليشيا، عن طريق أجهزة تنصت وكاميرات تجسس. وأكدت مصادر في وزارة التعليم العالي العراقية، قيام فريق خاص من "الحشد الشعبي" بربط الجامعات العراقية في العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية بكاميرات وأجهزة تنصت وُضعت في القاعات الدراسية والممرات والمكتبات والبوابات لرصد حركة الطلاب والسيطرة على ما تسميه المليشيا "الأمن الجامعي"، مبينة أن هذا النظام يدار من قبل المسؤول عن أمن الجامعات في "الحشد الشعبي" المدعو أبو علي الخميني.