أعاد إصدار وزير العدل المصري، حسام عبد الرحيم، قراراً بتشكيل محكمتي القيم والقيم العليا، طرح تساؤلات عن أوضاع العدالة الناجزة في مصر، التي تعتبر من الدول الأقدم في النظام القانوني والقضائي الحديث في المنطقة العربية. وعلى الرغم من الخبرات الطويلة لدى الدولة في إدارة شؤون العدالة، واعتبار المحاكم جزءاً أساسياً من النواة الصلبة للبيروقراطية في مصر، إلا أن القضاء هناك لا يزال عاجزاً عن تلبية احتياجات المواطنين البسيطة المتمثلة في إنجاز القضايا الخاصة بهم، ولا سيما المتعلقة بالأوضاع المالية، إذ تستغرق القضية الواحدة سنوات وربما عقوداً لحسمها.
وأنشئت محكمة القيم لأول مرة عام 1980، للفصل في القضايا التي يتولى التحقيق فيها ويحركها المدعي العام الاشتراكي آنذاك، وهو منصب مكافئ للنائب العام، استحدثه الرئيس الراحل أنور السادات بالقانون 95 لسنة 1980، المعروف بـ"حماية القيم من العيب". وأسند إليه سلطتي التحقيق والاتهام في قضايا الحراسات على الأراضي الزراعية المنزوعة من أثرياء وإقطاعيين، في عهد جمال عبد الناصر، وفي الفساد المالي للمسؤولين في الدولة ورجال الأعمال. كما أنشئت محكمة "القيم العليا" للطعن على الأحكام الصادرة من محكمة "القيم".
لكن ظاهرة بطء سير العدالة التي يتسم بها القضاء المصري أدت إلى استمرار عمل محكمتي القيم والقيم العليا حتى الآن. وعلى مدار أكثر من 9 سنوات، فشلت المحكمتان بكل القضاة الذين عملوا فيهما، في إنهاء المنازعات المنظورة أمامهما، لتتراكم أمامهما عشرات المشاكل التي تخص المواطنين، وبعضهم أصحاب حقوق مسلوبة منذ عقود، في حين أن بعض القضايا يتولاها حالياً أبناء وأحفاد المتهمين أو المدعين الأصليين.
ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لقضايا الطوارئ الخاصة بوقائع الإرهاب والتظاهر والعنف، التي حدثت في ظل حالات الطوارئ التي أعلنت قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011 أو بعدها. ولا تزال هناك أربع دوائر تنعقد خصيصاً بهيئة محكمة أمن دولة طوارئ عليا، لنظر حوالى 20 جناية لم يتم الفصل فيها بعد، وذلك من إجمالي نحو 50 قضية لم تحركها النيابة العامة ومكتب أمن الدولة حتى الآن.
ولا تعمل الحكومة بجدية لحل مشكلة بطء العدالة، على الرغم من تعدد الخطط لمواجهتها منذ منتصف العقد الماضي. وكانت وزارة العدل قد أطلقت، على مدار 10 سنوات، 5 برامج ممولة من جهات محلية وأجنبية لرقمنة المحاكم، لكنها جميعاً باءت بالفشل واستمر الاعتماد على العنصر البشري في مساعدة القضاة وحفظ القضايا وجدولتها وكتابة التحقيقات، وهو ما يفتح الباب للفساد والتلاعب. كما تقاعست وزارة العدل عن حل مشاكل الخبراء الفنيين وزيادة أعدادهم، ما يؤدي لبطء إنجاز المنازعات المدنية، فضلاً عن إصرار الهيئات القضائية على عدم زيادة أعداد الخريجين المقبولين للعمل بها حفاظاً على الدخول المالية المرتفعة لأعضائها الحاليين، في ظل عدم توافر مخصصات مالية إضافية من الحكومة، خصوصا منذ تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية ومحاولته تخفيض الامتيازات المالية للقضاة.