فتحت الفاجعة الإنسانية التي شهدتها إحدى القرى التابعة لإقليم الصويرة على الساحل الغربي للمملكة المغربية، بمصرع 15 سيدة وجرح أخريات نتيجة التدافع لنيل مساعدات غذائية، البابَ على مصراعيه لتبادل الاتهامات بين أحزاب المعارضة والحكومة بأحزابها الستة المشكلة لها.
ودفعت الكارثة التي وقعت، والتي تابعتها منابر إعلامية دولية بأوصاف غير لائقة من قبيل "حمقى الدقيق" و"مملكة الجفاف"، أحزاب المعارضة إلى نصب مشانق للحكومة، بتحميلها مسؤولية الفاجعة، باعتبار أنها لم تحارب فقر المواطنين، وشجعت المقاربة الإحسانية وثقافة الصدقات وسط الشعب.
واستنفر حزب الأصالة والمعاصرة، خصوصاً متهماً الحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية بأنها استمرّت بالصمت والعجز أمام تفاقم حاجات الطبقات الفقيرة في المجتمع المغربي، وبأنها تتحمل كامل المسؤولية في ما وقع للنساء الأرامل والمطلقات اللاتي دفعن حياتهن ثمناً لكسب صدقة وإحسان من طرف إحدى الجمعيات الخيرية.
ولم يقف الحزب المعارض عند هذا الحد فقط، بل طالب أيضاً حكومة سعد الدين العثماني بتقديم استقالتها في هذا الظرف، باعتبار أن أرواحاً بشرية سقطت نتيجة ما سمّته المعارضة "تقصيراً حكومياً واضحاً في تدبير ملف الفقر والمساعدات الإحسانية".
ومن التهم الأخرى التي وجدتها المعارضة فرصة ذهبية لقصف الحكومة بها، أن الحزب الذي يقودها ـ أي العدالة والتنمية ـ سمح بإقحام فقهاء الدين في السياسة تحت مسمى الجمعيات الخيرية، في إشارة إلى موضوع كسب تعاطف الناس وأصواتهم من خلال توزيع الدعم والمعونات الغذائية عليهم من طرف جمعيات تحسب على أنها ذات امتدادات إسلامية.
ويرأس الجمعية، التي أشرفت على توزيع المساعدات الغذائية من دقيق وزيت وسكر، والتي تدفقت إليها حشود بشرية نسائية هائلة فاقت ما كان متوقعاً، ما أفضى إلى وقوع الكارثة، شيخ قارئ معروف يدعى عبد الكبير الحديدي، الأمر الذي دفع حزب الأصالة والمعاصرة المعارض إلى لمز الحكومة بموضوع إقحام الدين في السياسة.
وأمام سيل الاتهامات التي تلقتها من أطراف المعارضة التي توسّعت إلى جماعة العدل والإحسان باتهامها للحكومة بأنها عاجزة عن صون كرامة المواطنين الفقراء، داعية إلى تظاهرات احتجاجية ضد الدولة، ردّت الحكومة بأنها ترفض التنابز والمزايدات السياسية.
وقالت الحكومة المغربية إنها تتحمل مسؤوليتها في ما وقع في الصويرة من إزهاق أرواح نساء فقيرات كنّ يبحثن عن نيل حصصهن من الدقيق، لكنها أكدت أنه أيضاً، من أحزاب سياسية ومجتمع مدني وسلطات محلية، وليس طرفاً واحداً.
ووعدت الحكومة بأن الفاجعة ستجعلها يقظة حيال سياستها الاجتماعية في البلاد، من خلال تسريع وتيرة البرامج والمخططات التي تساهم في تقليص الفوارق بين الفئات الاجتماعية، فضلاً عن الدعم المباشر للفقراء بعد أن يتم تحديدهم من خلال بطاقات وسجلات خاصة".
ويرى مراقبون أن جهات في المعارضة تتحيّن مثل هذه الفرص للضغط على الحكومة ودفعها إلى اقتراف أخطاء متوالية، أو حتى إرغام بعض أعضائها على الاستقالة من خلال حشد وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت قوة ضاغطة ومؤثرة في الرأي العام السياسي.
وليست هذه المرة الأولى التي تشتعل فيها الاتهامات والصراعات بين أحزاب المعارضة وأحزاب الأغلبية الحكومية في المغرب، جراء حدوث مآسٍ اجتماعية تتسم بوقوع وفيات جماعية. فقبل ذلك، حدثت كارثة وفاة 11 طفلاً غرقاً في أحد الشواطئ غير المحمية، ما دفع المعارضة حينها إلى سلخ الحكومة واتهامها بالتقصير والعبث بأرواح "رجال المستقبل".
أيضاً خلال حالات متكررة من وفيات وقعت بسبب سقوط منازل وعمارات في الدار البيضاء وفاس وغيرهما، كانت الفرصة مواتية لاتهام المعارضة للحكومة بفشلها في سياسة الإسكان، محملةً إياها هذه المآسي الاجتماعية التي يذهب ضحيتها مواطنون أبرياء.
ودائماً ما يأتي رد الحكومة لترد الصاع إلى المعارضة بأنها تؤجج مشاعر الرأي العام في البلاد من أجل كسب نقاط سياسية فحسب، وبأنه لا يهمها أرواح أو مصير المواطنين الضحايا، بقدر ما ترغب في إفشال ما تعتبره خطط الإصلاح التي تباشرها، ليستمر التنابز بين الطرفين في كل مرة يموت فيها المغاربة بشكل جماعي نتيجة أخطاء يتحمل مسؤوليتها الجميع.