جونسون في إيران: عناوين تؤجل الخلافات

11 ديسمبر 2017
جونسون أثناء زيارته طهران أمس (عطا كناري/ فرانس برس)
+ الخط -

أنهى وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون زيارة إلى إيران استمرت ليومين، أمس الأحد، بعد أن التقى فيها بعدد من المسؤولين وبحث عناوين مختلفة. زيارة قد لا تكون استثنائية جداً، لكن أهميتها بالغة في هذا التوقيت بالذات، فهناك العديد من الملفات الثنائية والإقليمية التي دفعت جونسون لزيارة إيران آتياً إليها مباشرة من سلطنة عُمان، الوسيط المعروف بين إيران والغرب. جونسون أدرك أن السياسيين في البلاد من مختلف الأطياف غير راضين كلياً عن مسار عملية تطبيق الاتفاق النووي، وبعضهم لم يخفِ امتعاضه من خطوات وسياسات اتخذتها أو كان يجب أن تتخذها لندن على مختلف الصعد. وفي مقابل هذا حمل جونسون في جعبته طلبات محددة لإيران. ربما يكون الاتفاق النووي هو من أبرز عناوين هذا الحوار الإيراني البريطاني، فقد أعلن جونسون صراحة خلال لقائه بالمسؤولين أن "بلاده معنية باستمرار العمل بالاتفاق، رغم سياسات الإدارة الأميركية المتشددة إزاء هذا الأمر". وأبدى رغبة في دخول بريطانيا لقطاع الاستثمارات الإيرانية، واصفاً الاتفاق بـ"الإيجابي كونه يفتح الباب لفرص اقتصادية وتجارية".

في المقابل، تعلم طهران أن لندن لم تحصل على حصة كبرى من كعكة مكتسبات الاتفاق النووي، وسط ترحيب بالغ من أطراف الاتحاد الأوروبي التي وقّعت صفقات تجارية ضخمة معها، فعرضت على الضيف البريطاني رغبتها في تطوير العلاقات مقابل التزامات قد تطيل عمر الاتفاق، وهو ما يصب في مصلحتها في النهاية. في هذا السياق، قال الرئيس حسن روحاني، إنه "من الضروري الحفاظ على الاتفاق، كونه يصبّ في مصلحة الجميع"، داعياً لتطوير العلاقات المصرفية بالذات بين إيران وبريطانيا، ذلك لأن العراقيل المصرفية هي التي تعطل المشاريع الكبرى.

كذلك قام جونسون بزيارة لافتة لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية، ملتقياً برئيسها علي أكبر صالحي، على الرغم من أن الأعراف والبروتوكولات الدبلوماسية لا تشمل لقاءً من هذا القبيل. وكان صالحي قد التقاه في وقت سابق من العام الحالي في لندن، ونقلاً عن المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، فقد أوصل صالحي لضيفه رسالة مفادها بأن "طهران لا تريد استمرار الاتفاق على هذا المنوال من دون حصد مكتسباتها"، مؤكداً أن "هذا سيصل من خلال جونسون للإدارة الأميركية". وأضاف كمالوندي، بحسب موقع هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، أن "صالحي دعا لتسريع حل المشكلات المصرفية من خلال دور تمارسه بريطانيا في المصارف الدولية الكبرى، المتوجسة من التعامل مع طهران بسبب تهديدات واشنطن". كذلك أكد أن "الطرفين اتفقا على تعزيز التعاون في مشاريع نووية". ونُقل عن جونسون قوله إن "هناك مسؤولين أميركيين كثيرين راغبون في الحفاظ على الاتفاق"، متعهّداً بالتزام بلاده بما عليها من بنود خلال لقائه مع نظيره محمد جواد ظريف فور وصوله إلى العاصمة الإيرانية، يوم السبت الماضي.



بدورها، أوصلت أطراف ثانية عتاباً شديد اللهجة، على الرغم من أن جونسون كان من المدافعين عن الاتفاق النووي حتى أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقال له رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني، إن "لندن لم تتخذ أي خطوات جادة تزيد من التعاون الاقتصادي مع طهران عقب الاتفاق، كما لم تحل أي من المشكلات المصرفية حتى تلك المتعلقة بسفارة إيران فيها". كذلك انتقد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى علي شمخاني، ما وصفه بـ"التقصير الأوروبي والأميركي إزاء الاتفاق"، معتبراً أن "السياسات الأميركية كارثية". وعلى جانب آخر نقل شمخاني الحوار إلى ساحة ثانية، فجونسون أتى إلى طهران لبحث الملف اليمني كذلك، فاتهم لندن بالمساهمة في دعم وتزويد الرياض بالسلاح، داعياً إياها للضغط على السعودية ووقف القصف على اليمن.

وفي الجانب الإقليمي أجمع كافة المسؤولين ممن التقوا جونسون على دور بلادهم البنّاء في المنطقة بحسب وصفهم، فشمخاني قال له إنه "لولا إيران لوصل داعش إلى حكومتي بغداد ودمشق، ولأصبح على حدود أوروبا". ودعا لإيجاد حلّ سياسي لملفات الإقليم، فيما دعاه روحاني لدعم عملية تعاون ثنائي بين طهران ولندن تسهم في تحقيق استقرار المنطقة، ولم ينف جونسون بالمقابل أن تكون إيران قد أدت دوراً إيجابياً في الحرب على الإرهاب.

واحتل موضوع القدس المحتلة واعتراف ترامب بها عاصمة لإسرائيل، مساحة من الحوار البريطاني الإيراني كذلك، فكان جونسون واضحاً في هذا الصدد، قائلاً إن "لندن ترى أنها خطوة تهدد عملية السلام وتزيد من التوتر في المنطقة".

وفي مقابل كل محاولات المجاملة البريطانية هذه التي قوبلت بعتاب إيراني من جهة ومحاولة للاستفادة من فرصة وجوده لتحقيق مكتسبات أخرى من جهة ثانية، بحث جونسون ملفاً أكثر أهمية ولعله هو الذي دفعه للقدوم إلى طهران بالدرجة الأولى، ألا وهو إطلاق سراح الصحافية البريطانية من أصول إيرانية نازنين زاغري، التي اعتقلتها السلطات حين كانت تغادر مطار الإمام الخميني في طهران بعد زيارة عائلية العام الماضي.

وحكمت السلطات على زاغري بالسجن لخمس سنوات بسبب تهم تتعلق ببث دعاية مغرضة للنظام، وأصدر الحرس الثوري بياناً جاء فيه إنها "تتعاون مع مؤسسات أجنبية وتقوم بمشاريع إعلامية مثيرة للشكوك". وقد تعاونت زاغري مع وكالة "رويترز" في وقت سابق، وقامت بدورات تدريبية لصحافيين في لبنان والأردن والمغرب. وكانت على مقربة من الطلاب والصحافيين وحتى نواب البرلمانات، بحسب بعض المصادر الإيرانية.



لكن هذا كله لا يخفف من تبعات زلة لسان الوزير البريطاني نفسه، حين قال سابقاً أمام لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني إن "زاغري كانت في مهمة لتدريب صحافيين في إيران". وهو ما وضعه في موقف محرج وزاد من الشكوك الإيرانية المتعلقة باتهامها بالتجسس.

ودار حديث عن الترتيب لصفقة تدفع بريطانيا خلالها ما عليها من مستحقات لإيران تزيد عن 400 مليون جنيه (536 مليون دولار) وهي التي دفعها الشاه محمد رضا بهلوي في صفقة شراء أسلحة، لم تتسلمها إيران أصلاً، كما لم تستعد أموالها بعد الثورة الإسلامية (1979). ولم يؤكد الطرفان صحة علاقة الأمر بملف إطلاق سراح زاغري، إلا أن لقاء جونسون بالسلطان العُماني قابوس بن سعيد قد يؤتي ثماره في هذا الجانب قريباً.

كل هذه الملفات جعلت الأطراف الإصلاحية والمعتدلة تتعامل مع الزيارة على أنها جدية ومهمة، وقد تحمل كثيراً لملفات ترتبط بالبلاد ثنائياً وإقليمياً، لكن من يقفون على الضفة المحافظة أبدوا توجساً واضحاً منها، فصحيفة "كيهان" المحسوبة على الخط المتشدد رأت أن "جونسون الذي يشبه ترامب في شكله الظاهري لا يحمل خيراً لإيران، مبدية عدم الثقة ببريطانيا". وصحيفة "جوان" المحافظة كذلك، وضعت صورة لجونسون على صفحتها الأولى وهو يصعد السلالم للقاء ظريف، حاملاً ملفاً أحمر اللون بيده، وكتبت بالخط العريض "المأمور البريطاني يحمل مصنفاً أحمر ليبحث عن جواسيس الملكة". ورأت كما غيرها أنه من غير الواضح ما إن كان يحمل رسالة تهديد أم ترغيب وعروض، وهو ما سيتجلى في الفترة المقبلة من خلال السياسات التي ستتخذها بريطانيا إزاء ملفات عدة من قبيل النووي أو حتى قضايا الإقليم.

وما جعل هذه الزيارة مهمة من دون أن تكون استثنائية، أنها أتت بعد زيارة أخرى لوزير الخارجية الأسبق فيليب هاموند لإيران قبل 27 شهراً، أعاد خلالها افتتاح السفارة البريطانية في طهران، إلا أنه لا يمكن القول إنه استطاع طي صفحة عقود طويلة من العداء والخلاف بين البلدين، فالعلاقات حتى اليوم ما زالت محكومة بالتوجس.