أطلق نائب رئيس الجمهورية المصري السابق، الدكتور محمد البرادعي، في الجزء الخامس من حواره مع برنامج "وفي رواية أخرى" على "التلفزيون العربي"، مواقف سياسية موجهة إلى الداخل المصري والعالم العربي، مقترحاً ما يمكن تسميته بمبادرات تهدف إلى تهدئة الأوضاع المضطربة إقليمياً، لا سيما في سورية، وإلى بناء أسس جديدة للعلاقات بين الأقطاب الإقليميين، ومحذراً من "أسلمة التطرف"، وصولاً إلى احتمال منع أي مسلم من الدخول إلى الدول الغربية.
على الصعيد المصري، أكد البرادعي أنه لن يترشح لأي منصب رسمي تحت أي ظرف من الظروف في المستقبل. وقال "ما إن عدت إلى مصر لم يكن في نيتي خوض الانتخابات الرئاسية، ولكن الشباب ألحوا عليّ وقتها". وأشار إلى أن سنّه المتقدمة تمنعه حالياً من ذلك. وأضاف أنه يرى دوره في الفترة المقبلة في إطار تقديم النصائح "كرجل لديه تجربة سابقة"، مشدداً على أنه لن يكون جزءاً من أي عمل تنفيذي.
وعن إمكانية عودته إلى مصر، قال البرادعي إنه يمكن أن يعود بدءاً من الغد، لافتاً إلى أن سبب خروجه من البلاد يتمثل في أنه وجد جواً قائماً على الاستقطاب، وجد نفسه فيه كمن يسبح بعكس التيار، وفق تعبيره. ورداً على سؤال عن عودته إلى البلاد لو تلقى دعوة من القوى السياسية لإنجاز مصالحة وطنية، أكد أنه لن يتأخر عن القيام بأي شيء يساعد على وضع مصر على الطريق السليم، لكنه شدد على أن ذلك سيكون "خارج أي عمل وظيفي"، وفق تعبيره.
وقال البرادعي إنه بعد مرور 6 سنوات على ثورة 25 يناير/كانون الثاني، "لسنا في الوضع الذي كنا نحلم به ونتمناه، وهذا نتيجة الحكم غير الرشيد خلال الفترة الماضية"، مشيراً إلى أن أكثر ما يثير انزعاجه هي حالة الاستقطاب المستمرة بالمجتمع المصري. وأضاف أن مصر الآن قائمة على الخوف وليس الحلم، فالثورة بدأت بحلم، واليوم الشعب يعيش على الخوف من عدم توافر الغذاء، والدواء، مطالباً بـ"وقفة ليراجع الجميع أين نقف الآن". ووجه نداءه قائلاً: "نحن تجاوزنا مرحلة اللوم، وعلى الفئات الأربع المُكونة للمجتمع، سواء أجزاء النظام القديم، والشباب والقوى المدنية، والقوى الإسلامية، والمؤسسة الأمنية أو القوات المسلحة، يعني كل القوى التي تولت إدارة الدولة من 2010، عليهم أن يجدوا وسيلة للتعايش مع بعضهم (على غرار) كل الناس".
وأشار البرادعي إلى أن الثورة بعد 6 أعوام لم تحقق أهدافها. وقال "الثورة لم تحكم ولا أهدافها تحققت". وأضاف أنه حتى لما تُرِك "المجلس العسكري يحكم ويبدأ تحقيق أهداف الثورة، (فإن ذلك) لم يحدث"، وكذلك الأمر مع الرئيس المعزول محمد مرسي، بحسب قوله. وتابع أن البلاد لا تزال في "مرحلة استقطاب، ولا نزال نشهد غياب الحرية عندما نجد الشباب في السجون نتيجة قوانين قمعية، وأشخاص أعرفهم شخصياً اختفوا قسرياً"، وفق قوله.
وقال البرادعي إن الغرب قد يمنع دخول أي مسلم إلى بلاده بسبب الهجمات الإرهابية، مؤكداً أن ما يشهده العالم هو "أسلمة التطرف" وليس "التطرف الإسلامي" على حد تعبير أحد الخبراء الفرنسيين، بمعنى أن هؤلاء الأشخاص يكونون متطرفين بالأصل، ويجدون إطاراً إيديولوجياً لتبرير أفعالهم، وفق تعبيره.
ولخص نائب رئيس الجمهورية المصري السابق مشاكل العالم العربي في أمور ثلاثة وهي: الحرية والمعرفة والمساواة خاصة في ما يتعلق بتمكين المرأة، موضحاً أنه بدون حرية لا توجد معرفة، وبدون الاثنين لا توجد مساواة، لذلك علينا مواجهة مشاكلنا بشجاعة حتى لا نخسر جميعاً، على حد تعبيره. وقال إن الثورة لم تفشل، وعادة ما تأخذ الثورات وقتاً طويلاً لتحقيق أهدافها، فالثورة الفرنسية شهدت بعدها عصر القمع، على حد تعبيره. ووجه رسالة للحكام العرب، قائلاً: "من يجعل الثورة السلمية مستحيلة فهو يفتح الطريق للثورة العنيفة، الثورة السلمية تأتي إذا لم يكن هناك إصلاح، وإذا لم تفتح الطريق للثورة السلمية فسيعقبها ثورة عنيفة".
في سياق متصل، رأى البرادعي أن الثورة السورية اختطفت من قوى عالمية وإقليمية، والوضع الآن أسوأ مما كان منذ 5 سنوات، والشعب السوري هو من دفع الثمن، وقتل 300 ألف من أبنائه، وتم تهجير الملايين. وأضاف أن كل ذلك يدفع للمبادرة من أجل الإصلاح "لأنه عندما تقوم الثورات تبعاتها ثقيلة وفادحة"، وفق وصفه.
وعن العلاقة بين السعودية وإيران، قال البرادعي إنه يراها خلافات إقليمية وصراعاً على النفوذ، محذراً من إعطائها صبغة دينية لأن هذا يؤدي لتحريف الدين وتأجيج الصراع، ومشدداً على أن لا فرق بين السنة والشيعة. ودعا البرادعي لاحترام حرية العقائد والممارسات الدينية، والتركيز على القيم المشتركة مثل التسامح والمحبة.
واقترح البرادعي عقد مؤتمر بين دول منطقة الشرق الأوسط، يشبه مؤتمر "صلح وستفاليا" الذي عُقد في القرن السابع عشر (عام 1648) وأنهى حرب الثلاثين عاماً في أوروبا. وقال "المنطقة عندنا وصلت الآن لحالة من الدمار والتفجر والتهتك، فلا بد من مؤتمر مثل (مؤتمر وستفاليا) يشمل كل مشاكلنا بما فيها القضية الفلسطينية والشيعة والسنة والعلاقات الاقليمية والحكم الرشيد"، وفق تعبيره. وحول مدى واقعية هذا الطرح، قال البرادعي إن ذلك يتطلب "قادة سياسيين مفكرين".