وبتتبع خط سير هذا التيار، الذي ينسب أتباعه إلى زعيمهم ربيع المدخلي، أحد شيوخ السلفية في السعودية والذي تواجد أتباعه في ليبيا منذ العقد الماضي، يتبين عدم تدخلهم في الشأن السياسي، إذ اقتصرت اهتماماتهم على مظاهر التدين والتأكيد عليها. وفي فترة لاحقة، حاول الساعدي القذافي، المعروف بتبنيه لأفكار هذا التيار، الحصول، إبان اندلاع ثورة فبراير/شباط عام 2011، على فتوى من شيوخ الحركة السلفية في السعودية "تحرم الخروج على الحاكم، وتعتبر ثورة فبراير فتنة". وإثر انهيار نظام معمر القذافي، وفرار نجله الساعدي إلى النيجر، اعتبر "المداخلة" من أنصار النظام القديم، لكن قادة التيار أعلنوا أن العمل السياسي "بدعة"، وأنه "لا يجوز خوض الانتخابات"، لكنهم عادوا وشاركوا في الانتخابات البرلمانية الثانية التي أفرزت البرلمان المنعقد في طبرق حالياً، وذلك بعد فتاوى صدرت من شيوخ التيار، بطلب من رئيس الحكومة السابقة، علي زيدان، أثناء إحدى زياراته الخارجية.
اللافت في مسيرة هذه الجماعة، تحولها للعمل القتالي الجهادي بعد إطلاق حفتر عمليته العسكرية في بنغازي، المعروفة باسم "عملية الكرامة"، إذ صدرت فتاوى لربيع المدخلي تحث أتباعه في ليبيا على القتال ضمن صفوفه، باعتباره "القائد الشرعي" المخول من "ولي الأمر"، في إشارة إلى البرلمان الذي عين حفتر قائداً عاماً للجيش. وتداولت صفحات التواصل الاجتماعي، نهاية عام 2014، مقاطع صوتية ومرئية للمدخلي، يؤيد فيها تحركات حفتر ويدعوه إلى "اعتقال رؤوس الإخوان المسلمين الكبار، حتى يسير الشعب وراءه، كما فعل (الرئيس عبد الفتاح) السيسي في مصر". وبالإضافة إلى مئات المقاتلين الموزعين على محاور القتال في بنغازي ودرنة، برزت كتائب قاتلت بضراوة خصوصاً في بنغازي، عرفت باسم "كتائب التوحيد"، وهي تعد من أبرز كتائب حفتر، إذ تمتلك فروعاً لها في بنغازي وأجدابيا والبيضاء، مقر حكومة البرلمان. وتغلغل أتباع "المداخلة" في غالبية المفاصل الحكومية، إذ إنهم يديرون وزارة الأوقاف وفروعها في كل شرق ليبيا، بالإضافة إلى دار الإفتاء التي وزعت طلباً على أئمة المساجد بالقنوت إلى حفتر في الصلوات، وطلب النصر له.
وإثر تنامي الجدل حول أهداف هذا التيار، أقدم حفتر على حل "كتائب التوحيد"، وأصدر قراراً بتوزيع الضباط والمقاتلين على وحداته العسكرية الأخرى، لكن هذا الأمر أدى إلى انتشارهم أكثر، وأصبحوا يسيطرون على الكتيبة 302 التابعة إلى "الصاعقة"، بالإضافة إلى القوات الخاصة البحرية والكتيبة 210 مشاة، وكلها في بنغازي. وبعد مقتل العقيد كمال بزازة، الذي كان يعتبر أبرز قادتهم مطلع 2015، برز أشرف الميار والنفاتي التاجوري وغيرهما، من المنتمين إلى التيار المدخلي، كأبرز أركان قوات حفتر. وأعطى قتال أتباع التيار المدخلي إلى جانب حفتر لمعاركه بعداً عقائدياً، علاوة على البعد الجهوي والمناطقي، وهي من أكبر الخدمات التي قدمت لحفتر ومليشياته في الصراع مع الإسلاميين في ليبيا.
ورغم التململ والقلق الذي يسود الشارع في شرق البلاد، وتزايد المخاوف غربها من تنامي نفوذ هذا التيار وأهدافه الغامضة، يواصل حفتر تمكين أتباع التيار، إذ دعا أسامة العتيبي، الذي يعتبر أحد أبرز دعاة التيار المدخلي، إلى زيارة ليبيا، ونشر فكر التيار. ونظم العتيبي، بموجب الدعوة، لقاءات، خلال الأسبوعين الماضيين، في أجدابيا شرقاً والزنتان غرباً. ويبدو أن حفتر، في سعيه لتمكين المداخلة، يفكر بمهادنة بعض الجماعات الإسلامية لإعطائه شرعية دينية في عدائه لجماعة الإخوان المسلمين خصوصاً. لكن موالين لحفتر عبروا عن مخاوفهم من مغبة تورطه في تسليح هذه الجماعات.
ويعتقد البعض أن حفتر يعول أيضاً على امتدادات هذا التيار في غرب البلاد، وصولاً إلى مصراتة ذات الوزن العسكري والسياسي الأكبر، والعاصمة طرابلس التي تتواجد فيها "قوة الردع" بقيادة الملازم عبد الرؤوف كاره، قائد مليشيا تابعة لهذا التيار. وسبق أن أبدى مقاتلو عملية "البنيان المرصوص" توجسهم من توجهات الكتيبة 604 التابعة إلى "قوة الردع"، والتي شاركت في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سرت، وخصوصاً أن الكتيبة أعلنت ترحيبها بقوات حفتر إذا وصلت إلى سرت، قبل أن تحاول التنصل من صحة هذا الإعلان. وتتمركز "قوة الردع" في قاعدة معيتيقة القريبة من قاعدة بوستة، المقر المؤقت لحكومة الوفاق. ورغم عتادها وعناصرها المدربين إلا أنها تواجه عقبات كبيرة إذا أرادت السيطرة على العاصمة بسبب الانتشار الكثيف للمجموعات المسلحة الأخرى، خصوصاً تلك الموالية للمفتي الصادق الغرياني، الذي سبق أن وصف عناصر "قوة الردع" بأنهم "بغاة"، مطالباً بردعهم والتصدي لـ "حراكهم المشبوه" على حد وصفه.