المعارضة تصدم النظام بدمشق لربط القابون بجوبر وإراحة الغوطة

عدنان علي

avata
عدنان علي
19 مارس 2017
8A6D6B88-A960-49A5-BFAA-E4E1A4B64C3E
+ الخط -
تُظهر مفاجأة يوم أمس، التي كانت دمشق مسرحاً لها، في الهجوم المباغت لفصائل معارضة من جهة جوبر، لمحاولة وصل حيي جوبر والقابون، ووصول مقاتليها إلى شارع العباسيين وسط العاصمة، أن الوضع السوري يبقى مفتوحاً على كل الاحتمالات على الرغم من كل التقدم الحاصل في السنتين الماضيتين لمصلحة معسكر النظام بفضل انخراط دول إقليمية وعالمية إلى جانبه ضد الفصائل المعارضة المتروكة وحيدة فعلياً. وتدرك فصائل المعارضة أن البقاء في قلب دمشق صعب جداً عسكرياً، لكن مجرد تمكنها من مباغتة النظام بهذا الشكل في قلب العاصمة، واحتمال قدرتها على وصل القابون بجوبر، هو بحد ذاته تطور كبير جداً ربما يكون الأهم استراتيجياً وعسكرياً منذ سقوط حلب بيد النظام نهاية العام الماضي. ومن شأن التطور المذكور أن ينعكس إيجاباً على فصائل المعارضة المسلحة في عدد من الجبهات، كما أنه ربما ينعكس على أجواء الكلام السياسي المرافق لاستعدادات مؤتمر "جنيف5" المقرر بعد ثلاثة أيام.

وبعد أسابيع من الضغط العسكري المكثف لقوات النظام على العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في العاصمة دمشق ومحيطها، أطلقت فصائل المعارضة فجر أمس الأحد، معركة كبيرة ضد قوات النظام والمليشيات المساندة له في حي جوبر شرق العاصمة دمشق وفي منطقة القابون، فتمكنت من إحراز تقدم على الأرض، وسط تخبط لدى سلطات النظام، ونزوح للسكان في مناطق خاضعة لسيطرته.

وقال ناشطون تحدثوا لـ"العربي الجديد"، إن عدة فصائل منها "فيلق الرحمن" و"جيش الإسلام" وغيرهما، تمكنوا من السيطرة على المنطقة الصناعية في حي القابون، في حين أغلق النظام جميع الطرق الواصلة بين ساحة العباسيين والقابون من جهة الكراجات. وأضاف الناشطون أن مقاتلي المعارضة سيطروا على شركة الكهرباء والخماسية ومعمل "كراش" في المنطقة الصناعية بمنطقة القابون، بينما كانت الاشتباكات تدور حتى مساء الأحد، في محيط كراجات العباسيين بعد تمكن قوات المعارضة من السيطرة على عدة أبنية مطلة على الكراج.

وبدأت المعركة بتفجير مفخختين استهدفت إحداها غرفة عمليات النظام ما أسفر عن تدميرها ومقتل عدد كبير من الضباط والعناصر بداخلها، فيما ضربت الثانية حاجز "سيرونيكس" في القابون، ما أسفر عن مقتل وجرح جميع عناصر الحاجز، وأعقب ذلك اندلاع اشتباكات عنيفة تمكنت قوات المعارضة على إثرها من السيطرة على عدة مبانٍ استراتيجية، تطلُّ على أجزاء من حي العباسيين في دمشق. وقال الناشط الموجود في ريف دمشق، براء عبدالرحمن، لـ"العربي الجديد" إن فصائل المعارضة "تخوض المعركة وسط تكتم رسمي، لكن على الأرجح أن هدف المعركة هو تخفيف الضغط على جبهات الغوطة وحيي تشرين وبرزة، وقطع الطريق على الهجوم المتوقع الذي يعد له النظام باتجاه الغوطة الشرقية". ورأى أنه قد يكون من أهداف المعركة أيضاً "محاولة وصل قطاع من جوبر مع حي القابون على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك من الناحية العسكرية، بالنظر إلى كثافة الوجود العسكري لقوات النظام في تلك المنطقة، لكن ذلك إنْ حصل من شأنه تغيير معادلة المنطقة عسكرياً". وأشار إلى أن المسافة بين جوبر والقابون هي نحو خمسة كيلومترات تقريباً بالنسبة لمركز المنطقتين، لكنها أقل من ذلك بالنسبة لأطرافهما التي هي عبارة عن بساتين في معظمها. وأضاف عبدالرحمن أن مقاتلي المعارضة يخوضون هذه المعركة خلافاً لمعارك سابقة، وهم موحدون في الغوطة وشرق دمشق، بعد طي صفحة الخلافات، خاصةً بعد الهجوم على بساتين برزة وحرستا والقابون يوم السبت، من جانب قوات النظام، والذي استطاع مقاتلو المعارضة خلاله تدمير سبع دبابات للنظام وتكبيد قواته خسائر كبيرة.


من جانبه، أعلن مكتب جوبر الإعلامي إن مقاتلي المعارضة قتلوا وأصابوا أكثر من خمسين عنصراً من قوات النظام والمليشيات خلال هذه المعارك، إذ حاصر مقاتلو المعارضة مجموعة من قوات النظام في قطاع طيبة وقتلوا وأصابوا معظمهم. وكان "فيلق الرحمن" الفصيل الرئيسي المشارك في هذه المعارك، قد نشر على موقعه في "تويتر" أن مقاتليه يخوضون أشرس المعارك في حي جوبر الدمشقي. وفي حديث مع "العربي الجديد"، قال المتحدث الرسمي باسم "فيلق الرحمن"، المستشار الإعلامي لوفد "الهيئة العليا للمفاوضات"، وائل علوان، إن "فيلق الرحمن" لم يُعلن بعد عن تفاصيل هذا العمل العسكري، وإنه كمتحدث لا يستطيع الخوض بهذه التفاصيل قبل صدور إعلان رسمي من "الفيلق".

من جهته، قال الناشط يوسف البستاني لـ"العربي الجديد" إن مثل هذا الهجوم يعتبر "خطوة بطولية في ظل الضغط الكبير الذي مارسه النظام على تلك المناطق قصفاً وحصاراً خلال الأشهر والسنوات الماضية"، مشيراً إلى أن النظام قام بتحصين جبهة جوبر بقبضة حديدية خلال الفترة الماضية تحسباً لأي هجوم من هذا القبيل. واستبعد البستاني الموجود في الغوطة الشرقية، أن يكون هدف الهجوم هو التسلل إلى داخل دمشق، بل مجرد "ضرب التجمعات التي يقوم شبيحة الأسد بالانطلاق منها ومهاجمة الأحياء الشرقية للعاصمة، ارتباطاً بالجبهات الأخرى في حي تشرين وبرزة والغوطة"، وفق تأكيده. وأشار إلى ما أثاره الهجوم المباغت كما يبدو، من تخبط كبير لدى قوات النظام والمناطق الخاضعة لسيطرته، لا سيما في ساحة العباسيين وحي التجارة وشارع فارس الخوري.

وفي إطار هذا التخبط الذي وقع فيه النظام جراء الهجوم المفاجئ، أصابت إحدى غارات طائرات النظام بالخطأ قوة تابعة للنظام قرب حي العدوي، ما أوقع خسائر في صفوفها، فيما شهد حي التجارة التابع للنظام، حركة نزوح باتجاه وسط العاصمة، على الرغم من المحاولات المستميتة من جانب وسائل إعلام النظام لطمأنة الأهالي، والادعاء بأن الحياة طبيعية، وأن قوات النظام صدت الهجوم بشكل كامل. لكن على الأرض فرضت قوات النظام نوعاً من حظر التجول في المناطق القريبة من القتال، وأعلنت بدايةً عن إغلاق كلية الزراعة القريبة من جبهة المعارك.

كما أقدمت قوات النظام على قطع "أوتوستراد" العدوي والطريق الذي يؤدي إلى مساكن برزة من الكراجات والطريق الواصل إلى الزبلطاني، إضافة إلى قطع شارع فارس الخوري الذي يوصل بين كراجات العباسيين والساحة، مع إغلاق بقية الطرق التي تصل الكراجات بساحة العباسيين. وقالت صفحات موالية للنظام، على مواقع التواصل الاجتماعي، إن قذائف عدة سقطت على بعض أحياء العاصمة دمشق خاصة تلك القريبة من مناطق الاشتباكات مثل شارع فارس الخوري والعباسيين والمهاجرين وباب توما والتجارة، وضاحية الأسد، فيما سقط عدد من طلقات الرصاص المتفجر على الأحياء الشرقية للعاصمة.

من جانبها، قصفت قوات النظام بشكل مكثف حي جوبر بالمدفعية والطيران ما سبب دماراً واسعاً في ممتلكات المدنيين والأحياء السكنية. ونقلت مواقع النظام عن مصادر عسكرية قولها إن جيش النظام "أفشل هجوم جبهة النصرة" وهو الأعنف على مواقع النظام في محور معمل كراش ضمن حي جوبر. وذكرت مصادر عسكرية لشبكة "دمشق الآن" الموالية للنظام، أن اشتباكات دارت بين الجانبين "بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة في أكثر من محور وترافقت مع قيام المسلحين باستهداف أحياء العاصمة دمشق بقذائف الهاون التي سقطت في كل من حي المهاجرين ومحيط باب توما وشارع فارس الخوري والتجارة وبساتين العدوي"، وفق المصادر. وقالت تلك المصادر إن "سلاح الجو استهدف طرق إمداد المجموعات المسلحة بين عربين وجوبر بعدة ضربات جوية، وسط قصف صاروخي ومدفعي على محاور التسلل في جوبر".

وفيما يبدو أنه توسع لجبهة الاشتباكات لتشمل جنوب العاصمة دمشق، أعلنت مصادر النظام أن قواته استهدفت "عدداً من الأبنية في شارع الـ30 في مخيم اليرموك، والتي كان يتمركز بها عدد من قناصي جبهة النصرة"، وفق تعبير المصادر. وكانت فصائل المعارضة صدت يوم السبت محاولة جديدة لقوات النظام للتقدم باتجاه جبهة بساتين برزة في دمشق وأعلنت قتل 8 عناصر من قوات النظام وتدمير عدة آليات. كما تمكنت فصائل المعارضة من التصدي لمحاولة تقدم قوات النظام بالقرب من معهد الفارابي على جبهة بلدة الريحان بالغوطة، وكبدت المهاجمين خسائر في العتاد والأرواح، إذ تمكنت من تعطيل 3 دبابات وقتل أكثر من 10 عناصر وجرح آخرين.

وبدا النظام في حالة من الإرباك إزاء الهجوم المفاجئ داخل دمشق. وقتلت طائراته ومدفعيته مجموعة من السوريين في عدد من المناطق، إذ قتل سبعة مدنيين بقصف جوي للنظام السوري على غوطة دمشق الشرقية، كذلك شنت طائراته عدداً كبيراً من الغارات على جوبر وإدلب، وقتل عشرة مدنيين في إدلب المدينة وحي خان شيخون في ريفها.

وتكمن أهمية حي جوبر بقربه من ساحة العباسيين وسط العاصمة دمشق التي تحمل أهمية رمزية كبيرة، كما تحتوي على مواقع استراتيجية، أهمها مقر الاستخبارات الجوية، وملعب العباسيين الذي تحول منذ بداية الثورة لثكنة عسكرية.

وفي هذا الصدد، قال الناشط عمار خبيب لـ"العربي الجديد"، إن قوات المعارضة تمكنت من الصمود خلال السنوات الماضية في حي جوبر بسبب نوعية مقاتليها ونوعية تسليحهم الخفيف عموماً، والذي يسهل حركتهم ويمنحهم أفضلية مباغتة قوات النظام، بسبب عدم وجود آليات ثقيلة أو مراكز واضحة لقواتهم، وهو ما مكنهم من استنزاف قوات النظام، وفق تعبيره. وأوضح أن مقاتلي المعارضة في حي جوبر يعتمدون في تحركاتهم على شبكة أنفاق واسعة قاموا بحفرها، وهي تغطي معظم مناطق سيطرتهم وتجنبهم القصف المستمر لقوات النظام. ويعد حي جوبر في مقدمة المناطق التي خرجت فيها التظاهرات المناوئة للنظام في دمشق، وقد تسببت الحملة الواسعة التي تشنّها قوات النظام عليه، في تهجير سكانه نحو أحياء دمشق الأخرى، ونحو غوطتها الشرقية ودول الجوار.



ذات صلة

الصورة
اختفى ولدا جورية دون ذنب (العربي الجديد)

مجتمع

لا تنحصر التأثيرات السلبية لجريمة الإخفاء القسري في البعد الجسدي للشخص عن عائلته، والحالة التي يُترك فيها أحباؤه، بل يضرب النسيج الاجتماعي أيضاً.
الصورة
صندوق اقتراع بأحد مراكز التصويت بدمشق، 15 يوليو 2024 (رويترز)

سياسة

انعكست الظروف المعيشية المتردية والأوضاع الأمنية والسياسية التي تعيشها سورية، على انتخابات مجلس الشعب التابع للنظام السوري، التي جرت أمس الاثنين
الصورة
نازح يستعد للعودة إلى سورية من البقاع اللبنانية، 14 مايو 2024 (فرانس برس)

سياسة

كشفت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في بيان اليوم الثلاثاء أن شاباً سورياً توفي في أحد مشافي دمشق إثر تعرضه للتعذيب على يد أجهزة النظام السوري.
الصورة

سياسة

قرّرت شعبة الأمن في وزارة الخارجية الإسرائيلية أن تغلق مؤقتاً 28 سفارة إسرائيلية حول العالم، تحسباً لإقدام إيران على الانتقام لغارة دمشق.
المساهمون