ومن آخر هذه التجليات والاستعارات زيارة ماكرون، أمس الخميس، لمدينة سان دونيه في الضاحية الباريسية القريبة. ولا تزال في ذاكرة سكان الضواحي، حملات المرشح فرانسوا هولاند ووعوده سنة 2012، التي لم يطبق منها شيئا ذا أهمية، خاصة في مقاومة مختلف أشكال التمييز وأيضا في ميدان التشغيل، حيث تصل نِسَب البطالة في الضواحي مستوياتٍ لا تضاهيها إلا نسب البطالة في فرنسا ما وراء البحار، والتي تشهد بعض مناطقها حراكا اجتماعيا كبيرا، اضطرت معه الحكومة الفرنسية بعد طول تردّد، لإرسال وزير الداخلية لتسكينه.
وفي ظلّ هذه الوضعية الانتخابية الفرنسية الغريبة، ونتائجها على التشريعيّات، التي دفعت لوفيغارو اليمينية لدقّ ناقوس الخطر في صفحتها الأولى اليوم الجمعة بعنوان كبير: "هذه الانتخابات تُخيف اليسار واليمين معاً"، عقد المرشح ماكرون الذي لا يتوقف عن التأكيد بأنه ليس من اليمين ولا اليسار، لأن "التقدم" لا لون سياسي له، اجتماعاً انتخابيا مع ممثلي ومواطني مدينة سان دونيه، عرض فيه تصوره عن "مشروع التحرر، بالنسبة للأحياء الشعبية".
وهناك سمح لنفسه بأن يصرِّح، في محاكاة لفرانسوا هولاند، بأنّ "عدوّي هو فرض الإقامة الجبرية في الضواحي". وقال مستطردا: "لديّ عدوّ هو فرض الإقامة الجبرية، الناس الجامدون في وضعيتهم، النظرة التي تثبّت الناس في أحيائهم وعائلاتهم".
وردّا على تساؤلات الشباب الذين يحلمون بالنجاح المالي في حياتهم، كما نجح ماكرون لدى روتشيلد، وَعَدَ ماكرون بالعمل على "تحريك الأشياء الجامدة"، متمنيا من أعماقه "تغيرا ثقافيا وذهنيا أساسيا".
وكرر ماكرون ما قاله فرانسوا هولاند وكل المرشحين من قبل، على اختلاف توجهاتهم وحساسياتهم السياسية، بأنه "مع وقف وَصْم الأحياء الشعبية ووقف التحدث عنها بصفة سلبية"، وأضاف: "ولكني أريد أيضا سياسات مختلفة"، تستطيع أن "ترمم الفوارق من البداية"، دون أن يغفل تحبيذَه وإيمانه بفضائل "التمييز الإيجابي". وهو ما فُهِم منه أنه رهان إيمانويل ماكرون على "المقاولين الشباب"، في انسجام وتناغم مع توجهاته الليبرالية المعلنة، والتي نفذّ بعضا منها حين كان وزيرا في حكومة فرانسوا هولاند.
وبلغة الواثق من نفسه، خاطب ماكرون الحاضرين بنبرة لا تخلو من الإغراء: "في هذه الجمهورية، يوجد قسمٌ هو لكم ويجب استعادته. إنها مسؤوليتكم"، قبل أن يلعب دور المخلّص: "ولكني سأساعدكم".