مع بدايات انكشاف فضيحة "ووترغيت" في 1972، طرح السناتور الجمهوري الأميركي هاورد باكر سؤاله الشهير: "ما الذي كان يعرفه الرئيس (ريتشارد نيكسون) ومتى عرفه عن تلك القضية؟"، بالنهاية تبيّن أن نيكسون كان على علم بالأمر (التجسس على مقر خصمه الحزب الديمقراطي) وتعمّد التستّر عليه. محاولته لحجب الحقيقة التي أطاحت به.
الآن يبرز على الساحة السياسية الأميركية سؤال مشابه: "ما الذي عرفه الرئيس الحالي دونالد ترامب عن اتصالات مستشاره السابق الجنرال مايكل فلين بالروس (المتهمين بالقرصنة في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة) ولماذا سكت على ما عرف ولم يسارع إلى إقالته إلا بعد 18 يوماً حين افتضح أمر تلك الاتصالات؟".
تساؤل فرض نفسه في ضوء شهادة وزيرة العدل بالوكالة سابقاً سالي ياتس، التي كشفت، يوم الإثنين، عن تحذيرها المبكر للبيت الأبيض من ممارسات فلين واتصالاته مع السفير الروسي في واشنطن.
اقــرأ أيضاً
تعزز هذا السؤال بعد قرار الرئيس ترامب المفاجئ في وقت متأخر، أمس الثلاثاء، بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) جيمس كومي فوراً من منصبه، بعد إبلاغه بالهاتف وهو في مهمة بولاية كاليفورنيا. والمعروف أن هذه الوكالة ما زالت تقوم بالتحقيق في ما إذا كانت هناك علاقة بين فريق ترامب الانتخابي والروس في عملية القرصنة التي حدثت عشية انتخابات الرئاسة الأميركية.
على أثر ذلك توالى طوفان التفسيرات للخطوة، والتي تقاطعت عند الإشارة إلى نقطتين أساسيتين: الموضوع الروسي ومحاولة ترامب كالعادة تغيير موضوع الساعة الذي فجرته أمس الأول شهادة ياتس. والمعلوم أن ترامب لطالما سبق وأثنى على كومي، خاصة عندما كشف عن كتابه الحساس في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي قبل عشرة أيام من انتخابات الرئاسة؛ بأن "أف بي إي" وضعت يدها على رسائل إلكترونية جديدة للمرشحة هيلاري كلينتون، زادت من الشكوك في صدقيتها.
كما يشار إلى أن صاحب هذا المنصب الأمني الأهم يجري تعيينه لمدة عشر سنوات وبتوافق واسع في الكونغرس، لغرض توفير الاستقرار والحيادية للمدير. مرة واحدة فقط أيام الرئيس بيل كلينتون، جرت إزاحة مدير المخابرات من منصبه بسبب إساءته للسلطة.
كابوس "ووترغيت"
على هذه الخلفية ارتسم شبح "روسيا غيت"، الذي استحضر كابوس "ووترغيت". طبعاً لكلا الحدثين ظروفه وخصوصياته وعناصره المختلفة، لكن طبيعة الشبهات في الإثنين قريبة ولو أنه لا دليل حتى اللحظة بحصول تواطؤ بين موسكو وفريق ترامب في موضوع القرصنة الروسية على بريد المرشحة كلينتون. كما لا ثبوت لغاية الآن في ضلوع الرئيس ترامب بالتغطية على تواطؤ مزعوم. مع ذلك بدأت تتجمع في الأفق ومنذ إقالة فلين في فبراير/شباط الماضي، غيوم مشابهة، ويوم الإثنين أخذت شحنة جديدة من الطاقة.
في إفادتها وأجوبتها على الأسئلة، يوم الإثنين، أمام لجنة العدلية في مجلس الشيوخ أكدت سالي ياتس، التي شغلت منصب وزير العدل بالوكالة في أوائل عهد ترامب، ما كان متداولاً من معلومات وشبهات بشأن فلين.
أوضحت سالي بأنها سارعت في بداية إدارة ترامب، إلى إبلاغ البيت الأبيض شخصياً بأن مستشار الرئيس الجنرال فلين "أخفى الحقيقة" على نائب الرئيس، عندما نفى بأنه بحث موضوع العقوبات على روسيا؛ في لقاءاته مع السفير الروسي في واشنطن. ولأن موسكو تدرك من خلال سفيرها أنه حجب الحقيقة على نائب الرئيس كما على مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل، فإن نكرانه في هذه الحالة صار ورقة بيدها "تعرّضه للابتزاز الروسي"، كما قالت سالي. كذلك، الرئيس السابق باراك أوباما حذر خلفه مبكراً من مخاطر تعيين فلين في منصب مستشار للأمن القومي.
لكن ترامب تجاهل تحذير سلفه وبدلاً من تقدير التنبيه الذي قامت به الوزيرة سالي، سارع البيت الأبيض إلى ما يشبه معاتبتها لأنها تدخلت في شأن لا يعنيها، وبالنهاية صدر قرار بإقالتها من منصبها في 30 يناير/كانون الثاني الماضي، بحجة أنها امتنعت عن تطبيق قرار الرئيس بحظر دخول مواطني سبع دول إسلامية إلى الولايات المتحدة، وكان تعليلها بأن القرار "غير قانوني".
بقي البيت الأبيض على صمته بخصوص نكران فلين حتى 13 فبراير/شباط، حين اضطر إلى مطالبته بالاستقالة بعدما كشفت صحيفة "واشنطن بوست" القضية. مغادرته عزّزت الشكوك، كما رسمت علامة استفهام حول سكوت الإدارة ومحاولة طمسها لما قام به فلين.
صب الزيت
إفادة ياتس التي كان لها وقعها المدوي، لأنها جاءت من المصدر المطلع على جوانب القضية اللغز، معها صارت الشكوك أقرب إلى القناعة بأن المخفي ربما أدهى وأعظم، ثم جاء قرار إقالة كومي ليصب الزيت على نار الملف الروسي وخباياه، خاصة أنه كان من المقرر أن يمثل كومي غداً الخميس أمام لجنة الشؤون العدلية في مجلس النواب، ليدلي بآخر ما عنده في موضوع التحقيق الروسي وملابساته.
زرعت هذه التطورات المتسارعة المزيد من الألغام في طريق البيت الأبيض الذي يبدو أنه يواجه خيارين: إما تقديم شرح مقنع يزيل الشكوك، وهذا يبدو غير ميسور وإلا لكان قد أتى به قبل الآن، وإما أن يتوالى سقوط حجارة الدومينو ولغاية انكشاف المشهد على حقيقته.
واللافت أن بعض أنصار ترامب (مثل باتريك بيوكانن) لا يخفي خشيته من الاحتمال الثاني تحت زعم أن النخب السياسية في واشنطن تتآمر للإطاحة بالرئيس كما فعلت بنيكسون، لكن زعمه يغفل حقيقة أن نيكسون قاد نفسه إلى سقوطه.
في كل ذلك تمثل حقيقة وهي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تمكن من خبط واشنطن ببعضها، والمسلسل لم تنته فصوله بعد.
اقــرأ أيضاً
الآن يبرز على الساحة السياسية الأميركية سؤال مشابه: "ما الذي عرفه الرئيس الحالي دونالد ترامب عن اتصالات مستشاره السابق الجنرال مايكل فلين بالروس (المتهمين بالقرصنة في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة) ولماذا سكت على ما عرف ولم يسارع إلى إقالته إلا بعد 18 يوماً حين افتضح أمر تلك الاتصالات؟".
تساؤل فرض نفسه في ضوء شهادة وزيرة العدل بالوكالة سابقاً سالي ياتس، التي كشفت، يوم الإثنين، عن تحذيرها المبكر للبيت الأبيض من ممارسات فلين واتصالاته مع السفير الروسي في واشنطن.
تعزز هذا السؤال بعد قرار الرئيس ترامب المفاجئ في وقت متأخر، أمس الثلاثاء، بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) جيمس كومي فوراً من منصبه، بعد إبلاغه بالهاتف وهو في مهمة بولاية كاليفورنيا. والمعروف أن هذه الوكالة ما زالت تقوم بالتحقيق في ما إذا كانت هناك علاقة بين فريق ترامب الانتخابي والروس في عملية القرصنة التي حدثت عشية انتخابات الرئاسة الأميركية.
كما يشار إلى أن صاحب هذا المنصب الأمني الأهم يجري تعيينه لمدة عشر سنوات وبتوافق واسع في الكونغرس، لغرض توفير الاستقرار والحيادية للمدير. مرة واحدة فقط أيام الرئيس بيل كلينتون، جرت إزاحة مدير المخابرات من منصبه بسبب إساءته للسلطة.
كابوس "ووترغيت"
على هذه الخلفية ارتسم شبح "روسيا غيت"، الذي استحضر كابوس "ووترغيت". طبعاً لكلا الحدثين ظروفه وخصوصياته وعناصره المختلفة، لكن طبيعة الشبهات في الإثنين قريبة ولو أنه لا دليل حتى اللحظة بحصول تواطؤ بين موسكو وفريق ترامب في موضوع القرصنة الروسية على بريد المرشحة كلينتون. كما لا ثبوت لغاية الآن في ضلوع الرئيس ترامب بالتغطية على تواطؤ مزعوم. مع ذلك بدأت تتجمع في الأفق ومنذ إقالة فلين في فبراير/شباط الماضي، غيوم مشابهة، ويوم الإثنين أخذت شحنة جديدة من الطاقة.
في إفادتها وأجوبتها على الأسئلة، يوم الإثنين، أمام لجنة العدلية في مجلس الشيوخ أكدت سالي ياتس، التي شغلت منصب وزير العدل بالوكالة في أوائل عهد ترامب، ما كان متداولاً من معلومات وشبهات بشأن فلين.
أوضحت سالي بأنها سارعت في بداية إدارة ترامب، إلى إبلاغ البيت الأبيض شخصياً بأن مستشار الرئيس الجنرال فلين "أخفى الحقيقة" على نائب الرئيس، عندما نفى بأنه بحث موضوع العقوبات على روسيا؛ في لقاءاته مع السفير الروسي في واشنطن. ولأن موسكو تدرك من خلال سفيرها أنه حجب الحقيقة على نائب الرئيس كما على مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل، فإن نكرانه في هذه الحالة صار ورقة بيدها "تعرّضه للابتزاز الروسي"، كما قالت سالي. كذلك، الرئيس السابق باراك أوباما حذر خلفه مبكراً من مخاطر تعيين فلين في منصب مستشار للأمن القومي.
لكن ترامب تجاهل تحذير سلفه وبدلاً من تقدير التنبيه الذي قامت به الوزيرة سالي، سارع البيت الأبيض إلى ما يشبه معاتبتها لأنها تدخلت في شأن لا يعنيها، وبالنهاية صدر قرار بإقالتها من منصبها في 30 يناير/كانون الثاني الماضي، بحجة أنها امتنعت عن تطبيق قرار الرئيس بحظر دخول مواطني سبع دول إسلامية إلى الولايات المتحدة، وكان تعليلها بأن القرار "غير قانوني".
بقي البيت الأبيض على صمته بخصوص نكران فلين حتى 13 فبراير/شباط، حين اضطر إلى مطالبته بالاستقالة بعدما كشفت صحيفة "واشنطن بوست" القضية. مغادرته عزّزت الشكوك، كما رسمت علامة استفهام حول سكوت الإدارة ومحاولة طمسها لما قام به فلين.
صب الزيت
زرعت هذه التطورات المتسارعة المزيد من الألغام في طريق البيت الأبيض الذي يبدو أنه يواجه خيارين: إما تقديم شرح مقنع يزيل الشكوك، وهذا يبدو غير ميسور وإلا لكان قد أتى به قبل الآن، وإما أن يتوالى سقوط حجارة الدومينو ولغاية انكشاف المشهد على حقيقته.
واللافت أن بعض أنصار ترامب (مثل باتريك بيوكانن) لا يخفي خشيته من الاحتمال الثاني تحت زعم أن النخب السياسية في واشنطن تتآمر للإطاحة بالرئيس كما فعلت بنيكسون، لكن زعمه يغفل حقيقة أن نيكسون قاد نفسه إلى سقوطه.
في كل ذلك تمثل حقيقة وهي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تمكن من خبط واشنطن ببعضها، والمسلسل لم تنته فصوله بعد.