في 19 إبريل/ نيسان الماضي، مثلت أمام محكمة أمن الدولة الأردنية (عسكرية)، أول أردنية بتهمة الترويج لأفكار تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مثلت بعدها ثلاث أخريات بالتهمة نفسها، فيما يُنتظر أن تحال للمحكمة ثلاث شقيقات، اثنتان منهن التحقتا بتنظيم "داعش" في سورية قبل أن تعودا إلى الأردن في ظروف غامضة.
المتهمات السبع جرى توقيفهن من قبل دائرة الاستخبارات بين مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2016 وحتى مطلع مارس/ آذار الماضي، خلال حملة الاعتقالات الواسعة التي استهدفت المتعاطفين والمروجين والمنتمين للتنظيم، وبدأت عقب الهجوم الإرهابي على مدينة الكرك الجنوبية في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2016، والذي راح ضحيته 11 رجل أمن ومدنيين وسائحة كندية وانتهى بالقضاء على 6 إرهابيين نعاهم تنظيم "داعش" بعد تبنّيه للهجوم.
في مجتمع تقليدي محافظ تُعالَج فيه قضايا النساء بحساسية مفرطة، مثّل اعتقال أردنيات من قبل الاستخبارات، ولاحقاً تحويلهن إلى محكمة أمن الدولة بتهمة تتعلق بالإرهاب، تغيراً جذرياً في تعاطي السلطة مع ملف "الجهادية النسويّة"، كما يرى باحثون في شؤون الجماعات الإسلامية ومحامون متخصصون في قضايا الإرهاب.
حتى وقت قريب أنكرت السلطات الأردنية وجود "جهادية نسويّة"، بل ظهرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 متسامحة مع أول أردنية ثبت رسمياً محاولتها الالتحاق بتنظيم "داعش"، فغضّت الطرف عن محاكمتها بعد إعادتها إلى الأردن، كما تعمّدت تطويق القضية وعدم إثارتها إعلامياً. واستمرت عقلية الإنكار على الرغم من أن التحقيقات قادت حينها إلى سيدة مجهولة قدّمت دعماً لوجستياً لمحاولة الالتحاق، إضافة إلى ما كشفته العائدة عن تعرفها خلال وجودها في الدار التابع للتنظيم في تركيا على ثلاث أردنيات كنّ في طريقهن إلى سورية.
وفيما تشير سجلات "أمن الدولة" إلى وجود سبع متهمات، 4 بدأت محاكمتهن فيما تنتظر 3 شقيقات المحاكمة، تغيب الإحصائية حول عدد النساء اللواتي اعتُقلن خلال الحملة، وسط ترجيحات بوجود المزيد من النساء المعتقلات في سجن الاستخبارات في انتظار انتهاء التحقيقات معهن تمهيداً لإحالتهن إلى المحكمة.
وتراوح أعمار المعتقلات السبع بين 19 و40 عاماً، وتشير لوائح الاتهام الخاصة بالأربع اللواتي بدأت محاكمتهن، إلى أنهن روّجن لتنظيم "داعش" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما تواصلن مع أعضاء في التنظيم عبر تلك المواقع، واحدة من بينهن هي شقيقة لأحد منفذي هجوم الكرك الإرهابي ولآخر يقاتل في صفوف التنظيم في سورية، تُظهر لائحة الاتهام أنها بقيت تتواصل معه عبر الهاتف حتى بعد هجوم الكرك.
أما الشقيقات الثلاث المنتظر بدء محاكمتهن، فتشير المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، إلى أن واحدة منهن تواجه تهمة الترويج لتنظيم "داعش" من خلال إدارتها مجموعة على تطبيق التراسل الفوري (واتساب) تضم مجموعة من الفتيات، فيما الأخريان تواجهان تهمة الالتحاق بتنظيم "داعش" في سورية في العام 2016، من دون أن تُعرف ظروف عودتهما.
وأصدر الباحثان الأردنيان في شؤون الجماعات الإسلامية، محمد أبو رمان، وحسن أبو هنية، أخيراً كتاباً حول تشكيلات "الجهادية النسويّة"، تحت عنوان "عاشقات الشهادة"، تتبّعا فيه تطور ظاهرة مشاركة النساء في التنظيمات "الجهادية"، بدءاً من "القاعدة" وصولاً إلى تنظيم "داعش".
اقــرأ أيضاً
وتتبّع الباحثان في الكتاب تطوّر أدوار المرأة في تلك التنظيمات وكيف انتقلن من مصاحبات لأزواجهن "الجهاديين" ومضطلعات بأدوار تقليدية في نطاق المنزل في النموذج القاعدي، وصولاً إلى أدوار أكثر تطوراً كالدعاية والترويج، ومن ثم ظهورهن قائدات وانتحاريات كما في النموذج الداعشي.
وقدّم الكتاب معلومات شحيحة عن "الجهادية النسويّة" في الأردن، واقتصر على حالتين إحداهما للأردنية العائدة، وأخرى لأردنية تمكنت من الوصول إلى أراضي التنظيم. في وقت تشير فيه القضايا المنظورة أمام محكمة أمن الدولة والمنتظر نظرها إضافة إلى تتبّع مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن الظاهرة تتدحرج أردنياً، لا سيما أن عشرات النساء ثبت التحاقهن بأزواجهن المقاتلين في صفوف التنظيم في سورية والعراق، فيما الأخريات اللواتي لم يلتحقن بأزواجهن بدأنَ نشاطاً ملحوظاً في الدفاع عن التنظيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لماذا تركت السلطات الأردنية شكل التعامل التاريخي الذي التزمت فيه تاريخياً بعدم الزج بالنساء في قضايا الإرهاب، على الرغم من أن القوانين السارية كانت تتيح لها ذلك؟ يجيب الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية، أن "السلطات الأردنية وبعد أحداث الكرك استشعرت حجم الخطر والدور الذي تقوم به النساء في الدعاية والترويج للتنظيمات الإرهابية، وعليه جرت ملاحقة النساء وتحويلهن إلى محكمة أمن الدولة".
ويرى أبو هنية في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المحاكمات دليل على أن "الجهادية النسويّة" دخلت مرحلة الظاهرة في الأردن، معتبراً أن السلطات الأردنية لا تريد المبالغة بحجمها، مضيفاً: "المحاكمات رسائل مفادها أنه لا أحد مصان، وأن النساء يمكن أن يحاكمن". ويبيّن أبو هنية أن تطور أدوار "الجهادية النسويّة" شمل الأردنيات، فبعد أن التزمن بالأدوار التقليدية انتقلن في المرحلة الداعشية إلى إدوار متقدمة من خلال الدعاية والترويج والالتحاق ومحاولة الالتحاق. ويرى ضرورة تجاوز الأفكار السائدة التي تروّج النساء "الجهاديات" على اعتبارهن ضحايا، قائلاً: "تلك الأفكار جزء من الهيمنة الذكورية والنظرة الاستشراقية التي تعتبرها النساء الجهاديات إهانة. الأسباب التي تدفع الرجال هي ذاتها التي تدفع النساء، والأدوار تكاد تصبح متقاربة".
بينما يؤكد مصدر رسمي لـ"العربي الجديد"، أن ملاحقة النساء ومحاكمتهن في قضايا الإرهاب تأتي التزاماً بسيادة القانون، وتطبيقاً للدستور الذي ينص على أن "الأردنيين أمام القانون سواء".
ويقلل محامون متخصصون في قضايا الإرهاب تحدثوا لـ"العربي الجديد"، من أثر اعتقال النساء على محاصرة الظاهرة والحد منها، وفيما يدعو المحامي موسى العبداللات للعودة إلى القاعدة التي التزمتها السلطات في التعامل مع النساء وعدم محاكمتهن في قضايا الإرهاب لخصوصية المرأة في المجتمع الأردني، يرى المحامي عبد القادر الخطيب، وكيل إحدى المتهمات، ضرورة معالجة قضية النساء بشكل بعيد عن المحاكم من خلال برامج المناصحة.
كذلك يرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية محمد أبو رمان، أن "الاعتقالات ستكرس الظاهرة"، معتبراً أن "الدولة تعتمد على المقاربة الأمنية فقط في معالجة قضية الجهاديات وهي مقاربة غير مجدية لوحدها"، مرجحاً أن تنتقل المعتقلات من متعاطفات ومروّجات إلى "جهاديات" بشكل كامل. وحول مستقبل "الجهادية النسويّة" في الأردن، يعتقد أبو رمان في حديث لـ"العربي الجديد"، أنها تشابه في نشأتها وتطورها النموذج السعودي، إذ نشأت "الجهادية النسويّة" في ظل "العائلات الجهادية" ونتيجة تحرك النساء للمطالبة بالإفراج عن أزواجهن المعتقلين، مشيراً إلى أن شبكات بدأت تتكوّن بين الأردنيات اللواتي قُتل أزواجهن خلال قتالهم مع تنظيم "داعش" في سورية والعراق، والنساء المعتقل أزواجهن لدى السلطات الأردنية.
وفيما لم تصدر حتى الآن أحكام على أي من المتهمات، فإن الترجيحات تتضارب حول الأحكام المنتظرة بحقهن وما إذا ستكون مشابهة لتلك التي تصدر بحق المتهمين الذكور، علماً أن محكمة أمن الدولة شددت العقوبات منذ مطلع العام الحالي على مؤيدي تنظيم "داعش" لتصل إلى الأشغال الشاقة لـ8 سنوات.
اقــرأ أيضاً
المتهمات السبع جرى توقيفهن من قبل دائرة الاستخبارات بين مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2016 وحتى مطلع مارس/ آذار الماضي، خلال حملة الاعتقالات الواسعة التي استهدفت المتعاطفين والمروجين والمنتمين للتنظيم، وبدأت عقب الهجوم الإرهابي على مدينة الكرك الجنوبية في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2016، والذي راح ضحيته 11 رجل أمن ومدنيين وسائحة كندية وانتهى بالقضاء على 6 إرهابيين نعاهم تنظيم "داعش" بعد تبنّيه للهجوم.
في مجتمع تقليدي محافظ تُعالَج فيه قضايا النساء بحساسية مفرطة، مثّل اعتقال أردنيات من قبل الاستخبارات، ولاحقاً تحويلهن إلى محكمة أمن الدولة بتهمة تتعلق بالإرهاب، تغيراً جذرياً في تعاطي السلطة مع ملف "الجهادية النسويّة"، كما يرى باحثون في شؤون الجماعات الإسلامية ومحامون متخصصون في قضايا الإرهاب.
حتى وقت قريب أنكرت السلطات الأردنية وجود "جهادية نسويّة"، بل ظهرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 متسامحة مع أول أردنية ثبت رسمياً محاولتها الالتحاق بتنظيم "داعش"، فغضّت الطرف عن محاكمتها بعد إعادتها إلى الأردن، كما تعمّدت تطويق القضية وعدم إثارتها إعلامياً. واستمرت عقلية الإنكار على الرغم من أن التحقيقات قادت حينها إلى سيدة مجهولة قدّمت دعماً لوجستياً لمحاولة الالتحاق، إضافة إلى ما كشفته العائدة عن تعرفها خلال وجودها في الدار التابع للتنظيم في تركيا على ثلاث أردنيات كنّ في طريقهن إلى سورية.
وتراوح أعمار المعتقلات السبع بين 19 و40 عاماً، وتشير لوائح الاتهام الخاصة بالأربع اللواتي بدأت محاكمتهن، إلى أنهن روّجن لتنظيم "داعش" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما تواصلن مع أعضاء في التنظيم عبر تلك المواقع، واحدة من بينهن هي شقيقة لأحد منفذي هجوم الكرك الإرهابي ولآخر يقاتل في صفوف التنظيم في سورية، تُظهر لائحة الاتهام أنها بقيت تتواصل معه عبر الهاتف حتى بعد هجوم الكرك.
أما الشقيقات الثلاث المنتظر بدء محاكمتهن، فتشير المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، إلى أن واحدة منهن تواجه تهمة الترويج لتنظيم "داعش" من خلال إدارتها مجموعة على تطبيق التراسل الفوري (واتساب) تضم مجموعة من الفتيات، فيما الأخريان تواجهان تهمة الالتحاق بتنظيم "داعش" في سورية في العام 2016، من دون أن تُعرف ظروف عودتهما.
وأصدر الباحثان الأردنيان في شؤون الجماعات الإسلامية، محمد أبو رمان، وحسن أبو هنية، أخيراً كتاباً حول تشكيلات "الجهادية النسويّة"، تحت عنوان "عاشقات الشهادة"، تتبّعا فيه تطور ظاهرة مشاركة النساء في التنظيمات "الجهادية"، بدءاً من "القاعدة" وصولاً إلى تنظيم "داعش".
وتتبّع الباحثان في الكتاب تطوّر أدوار المرأة في تلك التنظيمات وكيف انتقلن من مصاحبات لأزواجهن "الجهاديين" ومضطلعات بأدوار تقليدية في نطاق المنزل في النموذج القاعدي، وصولاً إلى أدوار أكثر تطوراً كالدعاية والترويج، ومن ثم ظهورهن قائدات وانتحاريات كما في النموذج الداعشي.
وقدّم الكتاب معلومات شحيحة عن "الجهادية النسويّة" في الأردن، واقتصر على حالتين إحداهما للأردنية العائدة، وأخرى لأردنية تمكنت من الوصول إلى أراضي التنظيم. في وقت تشير فيه القضايا المنظورة أمام محكمة أمن الدولة والمنتظر نظرها إضافة إلى تتبّع مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن الظاهرة تتدحرج أردنياً، لا سيما أن عشرات النساء ثبت التحاقهن بأزواجهن المقاتلين في صفوف التنظيم في سورية والعراق، فيما الأخريات اللواتي لم يلتحقن بأزواجهن بدأنَ نشاطاً ملحوظاً في الدفاع عن التنظيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لماذا تركت السلطات الأردنية شكل التعامل التاريخي الذي التزمت فيه تاريخياً بعدم الزج بالنساء في قضايا الإرهاب، على الرغم من أن القوانين السارية كانت تتيح لها ذلك؟ يجيب الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية، أن "السلطات الأردنية وبعد أحداث الكرك استشعرت حجم الخطر والدور الذي تقوم به النساء في الدعاية والترويج للتنظيمات الإرهابية، وعليه جرت ملاحقة النساء وتحويلهن إلى محكمة أمن الدولة".
ويرى أبو هنية في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المحاكمات دليل على أن "الجهادية النسويّة" دخلت مرحلة الظاهرة في الأردن، معتبراً أن السلطات الأردنية لا تريد المبالغة بحجمها، مضيفاً: "المحاكمات رسائل مفادها أنه لا أحد مصان، وأن النساء يمكن أن يحاكمن". ويبيّن أبو هنية أن تطور أدوار "الجهادية النسويّة" شمل الأردنيات، فبعد أن التزمن بالأدوار التقليدية انتقلن في المرحلة الداعشية إلى إدوار متقدمة من خلال الدعاية والترويج والالتحاق ومحاولة الالتحاق. ويرى ضرورة تجاوز الأفكار السائدة التي تروّج النساء "الجهاديات" على اعتبارهن ضحايا، قائلاً: "تلك الأفكار جزء من الهيمنة الذكورية والنظرة الاستشراقية التي تعتبرها النساء الجهاديات إهانة. الأسباب التي تدفع الرجال هي ذاتها التي تدفع النساء، والأدوار تكاد تصبح متقاربة".
بينما يؤكد مصدر رسمي لـ"العربي الجديد"، أن ملاحقة النساء ومحاكمتهن في قضايا الإرهاب تأتي التزاماً بسيادة القانون، وتطبيقاً للدستور الذي ينص على أن "الأردنيين أمام القانون سواء".
كذلك يرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية محمد أبو رمان، أن "الاعتقالات ستكرس الظاهرة"، معتبراً أن "الدولة تعتمد على المقاربة الأمنية فقط في معالجة قضية الجهاديات وهي مقاربة غير مجدية لوحدها"، مرجحاً أن تنتقل المعتقلات من متعاطفات ومروّجات إلى "جهاديات" بشكل كامل. وحول مستقبل "الجهادية النسويّة" في الأردن، يعتقد أبو رمان في حديث لـ"العربي الجديد"، أنها تشابه في نشأتها وتطورها النموذج السعودي، إذ نشأت "الجهادية النسويّة" في ظل "العائلات الجهادية" ونتيجة تحرك النساء للمطالبة بالإفراج عن أزواجهن المعتقلين، مشيراً إلى أن شبكات بدأت تتكوّن بين الأردنيات اللواتي قُتل أزواجهن خلال قتالهم مع تنظيم "داعش" في سورية والعراق، والنساء المعتقل أزواجهن لدى السلطات الأردنية.
وفيما لم تصدر حتى الآن أحكام على أي من المتهمات، فإن الترجيحات تتضارب حول الأحكام المنتظرة بحقهن وما إذا ستكون مشابهة لتلك التي تصدر بحق المتهمين الذكور، علماً أن محكمة أمن الدولة شددت العقوبات منذ مطلع العام الحالي على مؤيدي تنظيم "داعش" لتصل إلى الأشغال الشاقة لـ8 سنوات.