ولم تعد قضية نجل القذافي، البالغ من العمر 45 عاماً، جنائية فقط، بعدما أصدر القضاء الليبي حكماً بالإعدام في حقه، وكان بالإمكان تنفيذه حتى قبل صدوره، وإنما تحول ملفه إلى ورقة سياسية فاعلة ومؤثرة في يد طرف مسلح يقايض به ويفاوض للحصول على مكاسب ومقاعد في أي مشهد حكومي في البلاد.
وبالإضافة إلى ذلك، يحظى ملف سيف الإسلام بأهمية كبيرة لدى رموز النظام السابق وذويه، الذين عاد كثير منهم إلى العمل السياسي، باعتباره الابن الوحيد من أبناء معمر القذافي الذي مارس السياسة، وسعى إلى "وراثة" والده العقيد، واقترب من تشكيل "تيار سياسي"، كما أنه بنى لعلاقات واسعة مع دول كبرى.
ويُتهم الإسلاميون في طرابلس بالسعي إلى الحصول على سيف وإبقائه تحت سيطرتهم، لإسكات صوته، بالنظر إلى أنه كان المشرف على تسوية ملفهم مع نظام والده في العقد الماضي، فيما تربطه شبكة علاقات ومصالح معقّدة مع أنظمة في دول كبرى لا تزال تحتفظ بملفات مقفلة محملة بأسرار حادثة لوكيربي، وتمويل حملات انتخابات رؤساء، أبرزهم الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، وحادثة "طائرة يو تي إي".
وتبقى حقيقة وجود سيف الإسلام في سجن بالزنتان غير محسومة، إذ تشير معلومات إلى أنه يتمتع بحرية التنقل، ويقابل من يريد، بل وله زوجة وابنة، في مقابل روايات تشدد على أنه لا يغادر محبسه، وأنه يتعرض لمحاولات تهريب واغتيال بين الفينة والأخرى.
مصدر مطلع من الزنتان على قضية القذافي الابن أكد أنه ينتقل بشكل دوري بين عدة أماكن في المدينة وفي مدينة الرجبان المحاذية لها، بل خرج، في بعض الأوقات، إلى مناطق أخرى، تحت حراسات مشددة وفي سرية كاملة.
وعن ظروف سجنه، قال المصدر، إن "سيف الإسلام يعتبر بالنسبة لقادة الزنتان كنزاً ومصدراً للثراء، فقد منحهم ملايين الدولارات عبر حسابات مرتبطة به يشرف عليها رجاله بالخارج، لذا فهو يتمتع بحرية نسبية"، مؤكداً أنه "يمارس الرياضة ويستخدم الإنترنت متى يشاء، ويتنقل مع حراسات السجن الذين تحولوا إلى أصدقاء له في رحلات للصيد والنزهة".
وأضاف المتحدث ذاته أن "سيف الإسلام القذافي يعتبر الزنتان أكثر الأماكن أمناً له من الملاحقة من أي جهة، ولذا فقد رفض عرض والدته اللجوء إلى روسيا"، مؤكداً أن والدته، صفية فركاش، زارته في العديد من المرات، كما أن رجاله المقيمين بالخارج يزورونه، كذلك، مقابل أموال يدفعونها.
وكانت كتيبة من "ثوار مدينة الزنتان" قد تمكنت من القبض على سيف الإسلام، رفقة عدد من حراسه، في صحراء ليبيا، ونقلته إلى أحد سجون الزنتان، ليبقى حبيس جدرانه، رغم المطالبات المتزايدة بضرورة نقله إلى العاصمة طرابلس للمثول أمام قضاة المحاكم، ومطالبات دولية أخرى، بينها محكمة الجنايات الدولية، بضرورة تسليمه لها على خلفية صدور حكم بالقبض عليه منذ يونيو/ حزيران عام 2011.
وأوضح المصدر: "سيطرة كتيبة أبو بكر الصديق، التي يقودها العجمي العتيري ومحمد الغريبي، والتي تحتمي بظهير قبلي على سيف، وما تجنيه من أموال من ورائه، جعل منه هدفاً لمجموعات مسلحة أخرى"، مؤكداً حدوث أكثر من محاولة للهجوم على مقر سجنه المتنقل بغية الحصول على "الصيد الثمين".
ويشدد المصدر على أن "مخابرات وأنظمة أجنبية تزود الكتيبة المشرفة على محبسه بالإمكانيات للمحافظة عليه في قبضتها.. فالملايين التي يدفعها سيف الإسلام لا تعني لهم شيئاً مقابل الإبقاء عليه كورقة رابحة في أي مرحلة مقبلة".
وكشف المتحدث عن أن العجمي العتيري ورفاقه تلقوا مكالمات تتضمن معلومات عن سيف الإسلام أثناء محاولة هروبه باتجاه النيجر عام 2011، من مجند لدى المخابرات الفرنسية، يدعى محمد أحمد كرة، الذي حدد لهم مكان وجوده، بل وحتى دليلهم الصحراوي، واسمه يوسف الحطماني، تم تجنيده أثناء محاولة تهريب نجل القذافي ليسلمه في موقع صحراوي بين منطقتي وادي الآجال ووادي الشاطئ وسط الصحراء.
المصدر، الذي قال إنه كان شاهداً لحظة القبض على سيف الإسلام في الصحراء، قال إنه "كان منهكاً ومريضاً، وحاول إخفاء ملامحه بتمريغ وجهه في التراب والتعريف عن نفسه بأنه عبد السلام التارقي، أحد رعاة الإبل بالصحراء"، وذكر: "لقد تعرض سيف للتضليل في طريق سفره من بني وليد في الشمال إلى وسط الصحراء طيلة شهر تقريباً بعد مقتل والده في سرت".
وأكد أنه تنقل بين أكثر من منطقة، إذ حاول الهرب بحراً عبر مدينة زليتن الساحلية، وبعد فشله تحول اتجاهه إلى بني وليد مجدداً، ثم إلى الصحراء في اتجاه غدامس للوصول إلى الجزائر، ثم غير وجهته نحو النيجر، ليلقى القبض عليه في منتصف الطريق.
وأكد أن عِلْم الزنتان ومسلحيها بوجود سيف في منطقة قريبة من تمركزاتهم في الصحراء كان مفاجئاً، ومن مصدر مجهول تبين في ما بعد أنه "مجند".
وعن محاولات التهريب، قال: "لم تتوقف، فقد جرت حتى بطرق رسمية من خلال اتصال رجال سيف الإسلام، وهما عبد السلام المشري ومحمد إسماعيل، بأحمد الجهاني، مندوب ليبيا لدى محكمة الجنايات، في يونيو/حزيران عام 2012، الذي سهل وصول عدد من الحراس المدربين إلى نجل القذافي في محبسه بالزنتان، بحجة أنهم مبعوثون من المحكمة، لكن المحاولة فشلت".
وأضاف: "أبرز تلك المحاولات كانت عن طريق محاميته الأسترالية، مليندا تايلر، التي قبض عليها بعد شهرين من العام ذاته ومعها قلم يحتوي على كاميرا وجهاز لتحديد الموقع، حاولت تسليمه سيف الإسلام كتمهيد لمحاولة تهريبه".
ورغم قربه من القذافي الابن، يعتقد المصدر أن "قضيته معقدة ومرتبطة بأكثر من طرف محلي ودولي"، وأنه أصبح "اللاعب الأساسي فيها، ويعرف كيف يتحكم في المرتبطين به وأهدافهم".
وعن طموح سيف الإسلام القذافي السياسي، قال "لا شك في أن له طموحاً، وأنه عرض على المتصلين به إمكانية قيامه بدور في لمّ شتات البلد، لكن الظروف المحيطة به لا أعتقد أنها ستساعد للوصول إلى طموحه".
ورجح المصدر أن يبقى سيف الإسلام حبيس مكانه كورقة يمكن أن تلعب بها بعض الأطراف السياسية أو الدولية، خصوصاً فرنسا، المقربة جداً من محاميه وقضيته، وعلى علاقة وطيدة بالكتيبة التي تشرف على محبسه.
وكان مصدر من مدينة الزنتان، أقصى غرب ليبيا، قد أكّد لـ"العربي الجديد" تعرض سيف الإسلام القذافي لمحاولة اغتيال على يد مسلّحين من مليشيات المنطقة.
وقال المصدر إن مسلّحين تابعين لإحدى المليشيات التي شاركت في عرض عسكري يوم أمس بالمدينة، طالبت بعد جدال عنيف مع قادة عسكريين في المنطقة، بضرورة زيارة سيف الإسلام للتأكد من وجوده في محبسه.
وأوضح المصدر أنّ المجموعة أطلقت النار عند وصولها للسجن بشكل عشوائي في محاولة لاقتحامه، لتدخل في تبادل لإطلاق النار مع أفراد حراسة السجن، قبل تدخل مجموعات مسلحة أخرى أجبرت المسلحين على الانسحاب. وأكد المصدر أن نجل القذافي نقل إلى مكان آمن وأنه لم يتعرض لأذى.