واعتبر هيلترمان، في مقاله، اليوم الإثنين، أنّ الخلاف بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، بغض النظر عن العناوين الزائدة حالياً، هو ناتج عن خلاف أعمق قائم منذ فترة طويلة، ولم يشهد تغييراً حقيقياً إلى اليوم.
ورأى الكاتب، وهو أيضاً مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، أنّ ما تغيّر حالياً هو الفرصة التي أراد السعوديون والإماراتيون انتهازها، مع وجود "صديق جديد في البيت الأبيض" هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لإزالة عقبة في طريقهم نحو التصدي لخصمين أقوى: إيران والإخوان المسلمين.
وقال الكاتب، إنّ تهديدات السعودية والإمارات وترهيباتها، قد تؤدي إلى تعديل سلوك قطر، إلا أنّ ضعف البلدين المتأصّل والفوارق بينهما، يحولان أمام مزيد من التصعيد.
ومحاولاً الإجابة عن تساؤل "ما الذي فعلته قطر لإثارة مثل هذا الغضب؟"، أشار هيلترمان إلى أنّ الدوحة سعت إلى تسخير قوتها المالية التي تستمدها من احتياطها الهائل من الغاز إلى وضع دبلوماسي كبير، قد لا يعبر عنه حجم الدولة الصغير.
وقال هيلترمان، إنّ "وزارة الخارجية في قطر صغيرة، كما اكتشفت في زياراتي على مر السنين، ولكنّها حازمة وواثقة بشكل مدهش".
وفي هذا الإطار، ذكّر الكاتب بأنّ قطر، وقبل عقد من الزمان، تطوّعت كوسيط في عدد من الصراعات، بما في ذلك تنافس ما بعد عام 2006 بين الفصائل الفلسطينية "فتح" و"حماس"، والجولات المتعددة للحكومة اليمنية من القتال ضدّ المتمردين الحوثيين من 2003 إلى 2009، فضلاً عن الحروب الداخلية التي لا تنتهي في السودان.
وقال هيلترمان إنّه "كاد لا يمر أسبوع من دون عقد مجموعة من الاجتماعات في أحد الفنادق المتألقة في الدوحة، بشكل علني أو سري، يجمع بين خصوم فلسطين أو أفغانستان أو لبنان، الذين كانوا سعداء بأن تتاح لهم الفرصة لبعض الراحة والاسترخاء بعيداً من ساحة المعركة، حتى لو لم يحرزوا تقدّماً يذكر في التفاوض بشأن السلام".
واعتبر الكاتب، أنّ قطر كانت تدفع باتجاه لعب دور لا يعبر عنه حجمها، ولأنّها لم تشكّل تهديداً حقيقياً لأحد، فإنّ الجارة الأكبر حجماً والأكثر ثراء والأقوى للغرب، المملكة العربية السعودية، رضخت لسلوكها المغرور، وحاولت إرضاء نفسها باتباع سياسة خارجية خاصة، مدفوعة بالدولار وتنطوي على القليل من الدبلوماسية.
وأشار الكاتب إلى أنّ العلاقة بين السعودية وقطر، لطالما كانت غير مستقرة "والطريق بينهما وعرة" على حدّ وصفه، ذاكراً بهذا الخصوص محاولتي انقلاب في الدوحة، ومناوشات حدودية في بعض الأحيان، قائلاً "إلا أنّ قطر بالنسبة للمملكة العربية السعودية، كانت جاراً مقلقاً للغاية، وحليفاً منحرفاً في مجلس التعاون الخليجي، ومراهقاً مزعجاً ينبغي تأديبه، لا جلده".
ومع اندلاع الربيع العربي، تغيّر كل شيء، بحسب الكاتب، فكما سقط المستبدون مثل حجر الدومينو، أدركت الأسرة المالكة السعودية، جنباً إلى جنب مع دول أخرى يحكمها النظام الملكي في العالم العربي، أنّها قد تكون القادمة.
ولفت الكاتب إلى أنّ "الثورة المضادة في مصر، المؤامرة التي تمّ تدبيرها في الرياض، كان هدفها الأول والأساسي: الحكومة المنتخبة للرئيس محمد مرسي، قائد جماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة أثبتت أنّها القوة السياسية الوحيدة المتماسكة والمنظمة والمنضبطة، القادرة على الحلول مكان الأنظمة العربية المتداعية".
وتابع هيلترمان أنّ "الإخوان المسلمين حصلوا على دعم قوي من قطر، والتي بدا أنّ موقفها المعتدل المحايد قبل عام 2011، قد فسح الطريق أمام دعم متحمس للحركة التي رأت فيها فائزاً متوقعاً".
وقال إنّ إطاحة مرسي في يوليو/ تموز 2013، من قبل الجيش المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي المدعوم من السعودية، أتى رداً على المكاسب السياسية التي حققها الإخوان المسلمون في جميع أنحاء المنطقة.
أما المستفید الرئیسي الثاني من إفشال الانتفاضات العربیة، والذي كانت مكاسبه تنحو إلى تعاظم، بحسب الكاتب، فهو إیران، مشيراً إلى أنّها بعد أن اكتسبت موطئ قدم مهم في العراق، على إثر إزاحة صدام حسين عام 2003، وسّعت نطاق انتشارها مع انحدار سورية إلى حالة من الفوضى بعد عام 2011، واتجهت إلى إنقاذ الرئيس بشار الأسد.
وأشار الكاتب إلى أنّ السعودية رصدت صعود إيران بقلق متزايد، متهمة طهران بتغذية طموحات هيمنة، لا سيما بعد رفع العقوبات الدولية عنها عقب توقيع الاتفاق النووي عام 2015، مشيراً إلى أنّ السعوديين يعتقدون الآن، أنّ إيران تستفيد من مكانتها الدولية الجديدة، والتي أتاحت لها الوصول إلى الأعمال والاستثمارات، من خلال زيادة دورها العسكري ودعمها في سورية والعراق واليمن.
واعتبر هيلترمان، أنّ وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، وتعيينه كبار مسؤولين، يرفضون، إلى جانب نواب كثيرين في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، الاتفاق النووي، ويؤيدون استمرار العداء مع طهران، وفّر للسعوديين فرصة لمواجهة إيران بالوكالة، على اعتبار أنّ المملكة وكيل الجيش الأميركي في المنطقة.
ورأى الكاتب أنّ قطر مثّلت للسعودية، عقبة صغيرة مزعجة، في الطريق نحو هذا الهدف، ناهيك عن أنّ الدوحة لم تعارض أبداً سياسة الرياض تجاه طهران، بل بقيت على الجانب السعودي في كل من سورية واليمن - مباشرة في وجه إيران.
وأشار الكاتب، في الوقت عينه، إلى أنّ قطر، ودولاً خليجية صغيرة أخرى، حافظت على علاقات ودية مع جارتها إيران، خصوصاً وأنّ هذين البلدين تحديداً يتشاركان حقل غاز عملاق في الخليج.
وقال هيلترمان إنّه "حتى لو رأت الدوحة الرياض على أنّها جار متنمر، فإنّها (ومع أنّها ليس لها أي خيار، بحكم الجغرافيا، إلا أن تسعى، إذا لزم الأمر، لاسترضاء طهران) لا تزال تفضل السعوديين على الإيرانيين".
واعتبر الكاتب، أنّه لا داعي لأمير قطر أن يقلق من خروج "المشاجرة الحالية" عن متناول اليد، فحلفاؤه الخليجيون (الذين تحوّلوا إلى خصوم) لديهم مصالح متباينة في سعيهم لإخضاعه، وتحقيق امتثاله المطلق لإملاءاتهم.
فعلى النقيض من السعودية، يوضح الكاتب، يبدو موقف الإمارات أقل مناهضة لإيران، وأكثر عداء ضد جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها منافساً محلياً.
وذكّر الكاتب أنّ أبوظبي قامت بسجن أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين في الداخل، وقاتلتهم في الخارج، ليس فقط في ليبيا، على وجه الخصوص، بل أيضاً في اليمن، حيث عارضت نشاط حزب "الإصلاح" المرتبط بالإخوان المسلمين، والذي يشارك في معارك التحالف العربي، بقيادة السعودية، ضدّ الحوثيين دعماً للحكومة اليمنية التي انقلبوا عليها. وتابع الكاتب، أنّ الإمارات تحاول كذلك، كسر حكومة الوحدة الوطنية الهشة في تونس، والتي تضم حزب "النهضة" الإسلامي المعتدل.
ولفت الكاتب إلى أنّ "الإمارات، منعت القطريين من دخول أراضيها تحت الحصار، ولكن الإيرانيين واستثماراتهم لا تزال موضع ترحيب حار عندها، بينما يشعر السعوديون، في الوقت عينه، بقلق أكبر إزاء الدور الإيراني المتزايد في المنطقة، وخاصة في اليمن، ويبدو أنّهم مستعدون، خلافاً لأبوظبي، للعمل مع حزب الإصلاح على هزيمة الحوثيين في وجه إيران".
وأقّر الكاتب أنّ لدى السعودية والإمارات أسباباً لمحاولة الضغط على قطر، إلا أنّه لفت إلى أنّ أولوياتهما وتحالفاتهما المتعارضة، وعدم قدرتهما على غمس جيشهما في حرب أخرى، تضعف حقيقة من تأثير تهديداتهما تجاه الدوحة.
ورأى هيلترمان، أنّ الفرصة الآن أمام دول الخليج الصغيرة الأخرى مثل الكويت أو عمان للعب دور الوساطة، والمساعدة في إيجاد صيغة تحفظ ماء الوجه لكلا الجانبين.
وقال في هذا الإطار، إنّه "يمكن للسعودية والإمارات خفض مطالبهما وضغوطاتهما على قطر، في حين يمكن للدوحة في المقابل، على سبيل المثال، أن تخفف من دعمها العلني للإخوان المسلمين".
وتابع الكاتب: "وخلافاً لما هو سائد، فإنّ إدارة ترامب، ورغم الارتباك والتناقض في موقفها، قادرة على المساعدة في نزع فتيل الأزمة".
وأمل هيلترمان، أن تكون الأزمة الحالية "مجرد زوبعة في فنجان"، والتي صادفت أنّها تحدث في منطقة تشهد خلافاً حتى على اسمها (خليج عربي/ فارسي)، حيث "يمكن أن تؤدي خطوة واحدة كاذبة، أو إشارة خاطئة واحدة، أو موقف واحد ناتج عن سوء فهم، إلى تحريك قوى لا يمكن وقفها، ومن شأنها أن تسبب ضرراً كبيراً للمصالح السعودية الإماراتية، أكثر من حلم قطر بما يمكن أن تحققه بمفردها، إذا ما كانت ميالة لذلك فعلاً"، يختم الكاتب.